أفغانستان بين أميركا وطالبان وقوات التحالف الشمالي

أفغانستان

بين أميركا وطالبان وقوات التحالف الشمالي :

ــــــــــــــــــــــــــــــ

أفغانستان ، تلك البلاد الجافة ، التي معظمها مناطق جبلية يبلغ بعض ارتفاعاتها فوق 5000 متر . وهي بعد جبال هملايا وقمة أفرست(1)  من أعلى جبال العالم . تبلغ مساحتها حوالي : (636،267) كلم٢ ، وعـدد سكانـها حوالـي  : (… … 19) ، يحدها من الغرب إيران أي الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، ومن الشرق والجنوب باكستان ، ومن الشمال ما كان يعرف بجمهوريات الإتحاد السوفياتي .

          وأفغانستان من أفقر بلاد العالم وأكثرها جدباً وأكثر مناخات العالم قساوة ، ويتميز شعبها على بؤسـه ، وربطـاً بهذه الطبيعة الصعبة بالشجاعة  وطول النفس والصبر على التحمل .

قوانين إلـهية تحكم العالم :

 

          وكأنَّ الله عز وجل وضع هذا الشعب في هذه البقاع من الأرض وجعل بنيته وتركيبه ، كبنية جبال أفغانستان وتركيبها . وطبيعته كطبيعتها ، ليكون مشغلة ً وصخرةً كأداء ، تتحطم عليه القوتين العظميين في الأرض ، الإتحاد السوفياتي وأميركا ، وقد حصل . وتحطمت قرون السوفيات بمساعدة السلاح والخطط الأميركية من جهة ، وبالمال العربي والإسلامي المقدم  لأميركا من جهة ثانية ليكون في جملة مكاسبها العظيمة في خسران الإتحاد السوفياتي وخروجه مهزوماً هارباً من أفغانستان  .

          والآن ، وقعت أميركا في الفخ الإلـهي ، وأخذت تنطح هذه الصخرة الأفغانية ، لتتحطم عليها قرونها عاجلاً أو آجلاً ، لا فرق .  وإنما ستتحطم بإذن الله تعالى ، ولعلًّ ذلك ليكون مؤشراً على نهاية أميركا ، كما كان مؤشراً على نهاية الإتحاد السوفياتي كدولة عظمى من الوجود .

          وليس معنى هذا ، أن تسْلَم أفغانستان .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)          جبال هملايا في شبه القارة الهندية ، وهي سلسلة جبال أعلاهـا قمة أفرست ويبلغ إرتفاعها 8848 م وهي أعلى قمة في العالم .

          فالحقيقة أن هناك معادلات إلـهية وقوانين ، تكاد تعجزعن فهمها العقول العادية ، حتى وقد ترفض حيثياتها وتغضب من عرضها والمقارنة بها ، ولكن لا يعجز عن إدراكها أولوا الألباب الذين اختصهم الله بمعرفته ، أو ببعض معرفته واستلهام قوانينه .

          وقبل أن أعطي مثلاً أو أكثر عن القوانين التي عنيت ، أنبِّه إلى عدم جواز المقارنة مع الوقائع التي أوذي  فيها أو ظلم أنبياء الله ورسله في تاريخ البشر ، من قتل بني إسرائيل المزعوم لرسل الله ، وأقول المزعوم ، لأن الخبـر يعني أنهم عزموا وصمموا ، فكتب عليهم أنهم قتلوا ، ولو لم يكونوا  قد نفذوا فعلاً بشخص أي رسول ، لأن الله سبحانه كان عند شروعهم بالتنفيذ ، يرفع رسوله ، ويشبه لهم بمجرم ٍ يستحق القتل فيقتلونه . ومن أصدق  من الله قيلا ، قال سبحانه :

          { ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ . سورة يونس الآية 103 } .

          وليس في القرآن الكريم أي خبر صريح عن أن أحداً قتل رسولاً لله بشخصه .

          وأما القول عن زكريا (ع) أنه اختبأ في جذع شجرة فنشرها بنو إسرائيل بالمنشار فقتل فيها ، وأن ولده يحي (ع) قتل وقطع رأسه وقدِّم على صينية إلى يغي من بغايا إسرائيل ، وأن المسيح  (ع) قتلوه وعلقوه على الصليب ، وكذلك الكلام عن قتل غيرهم من رسل الله سلام الله عليهم . فكل ذلك هراء ليس فيه أية إشارة في أي نص ٍ في القرآن المجيد . وأما نسبة ذلك إلى أحاديث أو روايات ، فهي مردودة بالقرآن الكريم ، وهي إما شبهات أو إسرائيليات . وخسأ بنو إسرائيل يخادعون الله وهو خادعهم .

          أما أولياء الله الصديقون الأبرار ، بلى ، فقد ابتلاهم الله تعالى بالشهادة ، فضلاً عن الأذى والظلم الذي يلحق الأنبياء والمرسلين . ابتلاهم وابتلى بهم أعداءَه سبحانه ، من كفرة وفجرة ومنافقين . وقد جعلهم الله رموزاً للبشرية ، ومنائر يهتدى بها بعد كل رسول من رسل الله جل جلاله . وليست فتنة صفين وما قبلها ، والتحكيم الجائر ، ونزوات المرتدين فيها ببعيدة ، وكذلك ليس ببعيد زلزال كربلاء .

          وإني تمثلت بكل هذا ، لأقول إنه لا يقاس عليه ، لأنَّ في حكمة الله ومقاصده فيه ، دروسه وعبره ، استثناءات عن القواعد العامة التي وعدنا بعرضها ، كمعادلات وقوانين إلـهية ، تعني الناس من غير الرسل ، وغير أولياء الله المنتجبين .

          أما المعادلات والقوانين التي يتحرك ضمنها البشر عامة فيهلك ضمن مقاصدها وأسرارها من يهلك ، ويصاب من يصاب،  وينجو برحمة من الله من ينجو . فهي كثيرة نذكر منها ثلاثة نماذج ، هي بالضرورة من كتاب الله وكلام الله مجِّد اسمه.

أولاً قوله تعالى :

{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ . سورة الأعراف الآية 96 } .

 

وثانياً قوله تعالى :

{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ . سورة النحل الآية 112 } .

 

وثالثاً قوله تعالى :

          { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . سورة فصلت الآيات (30 ـ 31) } .

          فأين نذهب بهذه الآيات التي هي تقارير من الله وأحكام ؟ وكيف نتعامل معها ؟ وهل يجوز أن نتجاوزها ونهملها ؟ ونحن إن فعلنا ذلك ، نكون قد خرجنا من دين رب العالمين ، أو على الأقل نكون قد عصيناه ، وحشرنا  أنفسنا  مع  الفسَّـاق  أو الملاحدة أو المنافقين .

          إلاَّ أن في القرآن الكريم سورة  البروج  ربما ينسحب بعض مضمونها على الفريق الحيادي في أفغانستان ، أي الفريق الذي لم يقع في فتنة الإقتتال الداخلي ، أو فتنة الإئتمار بأمر الطاغوت الأمريكي ، أو فتنة جلب البلاء للإسلام والمسلمين ، بسلوك هو أقرب إلى الإنسان الحجري ، منه إلى انفتاح الإسلام على الأرض والسماوات ، وأخلاق الإسلام السامية ، ومقاصده الشريفة النبيلة ، التي يستطيـع أن يعيش في ظلالها جميع أهل الأرض ، بحرية حقيقية ، وديمقراطية صادقة ، وكفاية ، بل ورفاه في عيش كريم .