{ ألا تعبدوا إلاَّ الله } دعوة قائمة إلى قيام الساعة :
وإلى أبد الآبدين ، هذه الدعوة ،يترتب على مخالفتها عذاب الدارين ، وهي تكليف لكل رسول وكل عاقل من خلق الله ،وتواجه كل رسول وكل عاقل يدعوان إلى الله ،معارضة واسعة من الناس،وخاصة فيما يتعلق باعتقاداتهم الغيبيَّة،ليس عن الله عزَّ وجل ،وإنما عن أفكار ومجسمات،سواء كانت من التماثيل والأنصاب ، أو من البشر . وحتى التماثيل غالباً ما كانت تمثل إنسانـاً بطلاً ، أو فاعل خير ، أو زعيماً بشكل أو بآخر . وفي عصورنا الحديثة نضرب مثلاً عن النصارى الذين يكرمون شخص المسيح وشخص أمه عليهما السلام ، بأن يتوجهوا إلى تماثيلهما بالركوع والدعاء والعبادة في الكنائس وعلى مفارق الطرق وفي رؤوس الجبال , وتصبح العادة عبادة ، والعبادة عادة . حتى ولو كانت عبادة تتضمن كفراً أو شركاً أو فسوقاً . تماماً كما نرى كذلك عند كثرة من جهلة من يسمون مسلمين ، وفي جميع مذاهبهم : التعبُّد للشفيع ، والتعبُّد للولي ، ونسج الأقاصيص والأخبار حول هذا وذلك ، حتى يشتد التحول عن الله وعن ذكره في البداية ، ثم ينسى تقريباً ، كلياً ، ويبقى الإنشغال الذهني والتفكير والتوجه إلى الشفيع ، أو الولي ، بإعظام وإكبار ، وإجلال وتوقير . ثم يجعلونه مستقلاً عن الله سبحانه . وهكذا يتعاملون مع الشفعاء على أنهم آلهـة ، من حيث يقصدون أو لا يقصدون . بينما هذه الإعتبارات والأحاسيس التعبُّديَّة ، هي واجبة في الأصل لله جلَّت عظمته ، ثم بالتَّبَعِ تكون المودَّة لمن يحب هو سبحانه من عباده ، ويكون الإقتداء بهم ، في تمجيده وحده ، والدعوة إليه وحده تبارك وتعالى .
من هنا ،عندما يبعث الله رسولاً ،أو يكلِّف ولياً من أوليائه ، بالدعوة إليه وحده ، يضطرب الناس بشأن هذه الدعوة إلى الله . وأوَّل ما يفعلونه ، أن يقذفوا الداعي بالتهم التي منها الجنون ومنها الطمع بالدنيا ، ومنها الكذب . ثم عبر هذه التهم كلها يؤذونه أشد الأذى ، ويحاولون قتله ، إلى أن ينصره الله سبحانه ومن يؤمن معه ، أو يقضي له ولقومه أمراً كان مفعولا .
إذن ، الصعوبة عند الناس ، في جميع مراحل التاريخ ، وإلى قيام الساعة ، هي في تقبُّل دعوة الدعاة إلى الله وحده : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }.[ 45: الزمر].والأصعب من ذلك عندهم ،هو التخلي عن معبوديهم من أبطالهم الدينيين، أو حتى السياسيين والأثرياء وأصحاب النفوذ ، والتوجُّه إلى الله وحده .
وأكبر رد جاهز عند بعض أدعياء الإيمان ، هو قولهم : هذا ، أو ذاك ، أو ذلك ، يدعوننا إلى الله ؟ ونحن نعبد من ؟ نحن أكثر الناس إيماناً بالله ، وأكثر الناس ذكراً أو حباً لله . والحقيقة إنهم كاذبون . فقد يكون أحدهم خارجاً للتوِّ من حفلة ذكرٍ لغير الله ، أو لدم للصدور نساءً أو رجالاً ، أو تعبد لغير الله أو حتى حفلة تفكير مشترك أو ذاتيّ ، أو كتابة ما اعتمدت على قرآن ولا أنزل الله بها من سلطان .
ومن جملة المصاعب في تحوُّلهم أو تحويلهم ، هو التراث المتراكم عبرالسنين ، من البدع ، والظن ، والنكد ، نتيجة لتعصُّبٍ ضد من لا يذهب مذاهبهم .
ويقولونها وبأصوات عالية : هؤلاء الدعاة إلى الله ، إنما يريدون أن يغيِّروا ديننا ، نحن وجدنا علماءنا وآباءنا منذ مئات السنين يفعلون ما نفعل ( يقصدون ما يُعترض عليه من البدع ) وما نحن إلاَّ مقلِّدين لهم . والحقيقة إن العلماء براءٌ من مزاعم العوام هؤلاء . طبعاً العلماء الحقيقيين . لأنهم ملح الأرض ، وملح الدين ، دين الله تبارك وتعالى . وهو سبحانه جعلهم كذلك أئمةً وورثةً للأنبياء . أما جمهور العوام ، فيصبحون بدعاواهم واعتراضاتهم على الداعين إلى الله ، مصداقاً لقوله تبارك وتعالى : { قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا…} . [ 78: يونس].
هكذا يصبح بعض أولياء الله الماضين الكبار ، المقربين إلى الله عزَّ وجل ، يصبحون في قلوب وأذهان العوام آلهـة . يصبحون أوثاناً تعبد ، لذلك كان جواب قوم هود عليه السلام : { قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا … }. [ 22 : الأحقاف ] .