إخلع نعليك :

========

قال الله تبارك وتعالى :

          { وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى . إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأََهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى . فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى . إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى . وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى . سورة طـه الآيات ( 9 ـ 13 ) } .        

          لأهمية الموضوع ، ولأهمية هذه الآيات المتعلقة به ، سنفصِّل في تفسيرها أولاً ، ثم نعود إلى التأويل بقدرٍ مقدور ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم .

          القراءة :

          قرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو : أَني أنا ربك بفتح الألف ، والباقون : إني بالكسر . وقرأ حمزة لأهلهُ امكثوا ، وفي القصص أيضاً بضم الهاء . وأَنَّا مشدَّد مفتوح الهمزة ، اخترناك على الجمع  ، والباقون لأهله بكسر الهاء ، وأنا اخترتك  على التوحيد ، وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة طوىً بالتنوين والباقون بغير تنوين ، وفي الشواذ قراءة الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير أخفيها بفتح الألف .

      الحجة :

          من كسر إني فلأن الكلام حكاية كأنه نودي فقيل يا موسى إني أنا ربك ، ومن فتح فكان المعنى نودي بكذا .  وقوله طوى يصرف ولا يصرف ، فمن صرفه فعلى وجهين :

أحدهما  : أن يجعله إسم الوادي فيصرفه لأنه سمى مذكراً بمذكر.

والآخر : أن يجعله صفة ، وذلك في قول من قال أنه قدِّس مرتين ، فيكون طوى كقولك ثنى ، ويكون صفة كقوله مكاناً سوى وقوم عدى ، وجاء في طوى الضم والكسر ، كما جاء في مكان سوى الضم والكسر .

ومن لم يصرف احتمل أمرين :

أحدهما : أن يكون إسماً لبقعة أو أرض فهو مذكر فيكـون بمنزلة أمرأة سميتها بَحر ، ويجوز أن يكون معدولاً كعمر ولا يمتنع أن نقدر العدل فيما لم يخرج إلى الإستعمال ، ألا ترى أن جمع وكتع معدولتان عما لم يستعملا فكذلك يكون طوى . وأما قوله وأنا اخترتك فالإفراد أكثر في القراءة ، وهو أشبه بما قبله من قوله إني أنا ربك ، ووجه الجمع أن يكون ذلك قد جاء في نحو قوله تعـالى : { سبحان الذي أسرى } ، ثم قال : { وآتينا موسى الكتاب } ، ويمكن أن يكون الوجه في قراءة حمزة وأنَّا اخترناك ، مع أنه قرأ : إني أنا ربك بالكسر ، أن يكون التقدير ولأنا اخترناك فاستمع .

          اللغة :

 

          ألإيناس : وجدان الشيء الذي يؤنس به ، والقبس : الشعلة من النار في طرف عودٍ أو قصبة ، والخلع : نزع الملبوس ، يقال خلع ثوبه ، وخلع نعله ، والوادي سفح الجبل ، ويقال للمجرى العظيم من مجاري الماء واد ، وأصله عظم الأمر ، ومنها الدية لأنها العطية في الأمر العظيم  ، وهو القتل ، والمقدس : المطهر ، قال امرؤ القيس : ( كما شبرق الولدان ثوب المقدس ) يريد العابد من النصارى كالقسيس ونحوه ، وسمي الوادي طوى لأنه طوي بالبركة مرتين .. عن الحسن ، فعلى هذا يكون مصدر قولك طويت طوىً ، قال عديُّ بن زيد :

           أعاذل إن اللوم في غير كنهه                عليَّ طوىً من غيك المتردد .

          المعنى :

 

          ثم خاطب الله سبحانه نبيّه تسلية له مما ناله من أذى قومه ، وتثبيتاً له بالصبر على ما أمر ربه كما صبر موسى (ع) حتى نال الفوز في الدنيا والآخرة ، فقال { وهل أتاك حديث موسى } هذا ابتداء إخبار من الله تعالى على وجه التحقيق ، إذ لم يبلغه حديث موسى ، فهو كما يخبر الإنسان غيره بخبر على وجه التحقيق ، فيقول هل سمعت بخبر فلان ؟ وقيل إنه استفهام تقرير بمعنى الخبر، أي وقد أتاك حديث موسى { إذ رأى ناراً }

عن ابن عباس ، قال وكان موسى رجلاً غيوراً لا يصحب الرفقة لئلا ترى امرأته ، فلما قضى الأجل وفارق مدين ، خرج ومعه غنم له ، وكان أهله على أتان وعلى ظهرها جوالق فيها أثاث البيت ، فأضِلَّ الطريق في ليلة مظلمة ، وتفرقت ماشيته ولم ينقدح زنده وامرأته في الطلق ، فرأى ناراً من بعيد كانت عند الله نوراً وعند موسى  نارا ( فقال ) عند ذلك ( لأهله) وهي بنت شعيب كان تزوجها بمدين ( امكثوا ) أي الزموا مكانكم ، قال مقاتل وكانت ليلة الجمعة في الشتاء ، والفرق بين المكث والإقامة أن الإقامة تدوم والمكث لا يدوم { إني آنست ناراً } أي أبصرت نارا { لعلي آتيكم منها بقبس } أي بشعلة أقتبسها من معظم النار تصطلون بها  {أو أجد على النار هدى} أي أجد على النار هادياً يدلني على الطريق ، وقيل علامة استدل بها على الطريق ، والهدى ما يهتدي به فهو إسم مصدر ، قال السدي : لأن النار لا تخلو من أهل لها وناسٍ عندها { فلما أتاها } قال ابن عباس  : لما توجه نحو النار فإذا النار في شجرة عنَّاب ، فوقف متعجباً من حسن ضوء تلك الشجرة ، وشدة خضـرة  تلك الشجـرة ، فسمع النـداء من الشجـرة وهـو قوله : { نودي يا موسى  إني أنا ربك } والنداء الدعاء على طريقة يا فلان !‍‍‍ فمن فتح الألف  من أَني فالمعنى نودي بأني ، ومن كسر فالمعنى نودي فقيل إني أنا ربك الذي خلقك ودبَّرك ، قال وهـب : نودي من الشجرة فقيل يا موسى ! فأجاب سريعاً ما يدري من دعاه ، فقال إني أسمع صوتك ولا أدري مكانك ، فأين أنت ؟ فقال أنا فوقك ومعك وأمامك وخلفك وأقرب إليك من نفسك ، فعلم أن ذلك لا ينبغي إلاَّ لربه عز وجل وأيقن به ، وإنما علم موسى (ع) أن ذلك النداء من قبل الله تعالى لمعجز أظهره الله سبحانه ، كما قال في موضع آخر: { إني أنا الله رب العالمين } وأن ألق ِعصاك …  إلى آخره ، وقيل إنه لما رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها تتوقد فيها نار بيضاء ، وسمع تسبيح الملائكة ، ورأى نوراً عظيماً لم تكن الخضرة تطفىء النار ولا النار تحرق الخضرة ، تحير وعلم أنه معجز خارق للعادة ، وأنه لأمر عظيم ، فألقيت عليه السكينة ، ثم نودي إني أنا ربك ، وإنما كرر الكناية لتأكيد الدلالة وإزالة الشبهة وتحقيق المعرفة { فاخلع نعليك } أي انزعهما ، وقيل في السبب الذي أمر  بخلع النعلين أقوال :

أحدهما : أنهما كانتا من جلد حمار ميت .. عن كعب وعكرمة وروي ذلك عن الإمام الصادق (ع) .

وثانيها : كانتا من جلد بقرة ذكية ، ولكنه أمر بخلعهما ليباشر بقدميه الأرض فتصيبه بركة الوادي المقدس .. عن الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وابن جريج .

وثالثها : أن الحفاء من علامة التواضع ولذلك كانت السلف تطوف حفاة .. عن الأصم .

ورابعها : أن موسى (ع) إنما لبس النعل اتقاء من الأنجاس وخوفاً من الحشرات فأمنه الله مما يخاف وأعلمه بطهارة الموضع .. عن أبي مسلم { إنك بالواد المقدس } أي المبارك .. عن ابن عباس ، بورك فيه بسعة الرزق والخصب وقيل المطهر { طوى } هو إسم الوادي .. عن ابن عباس ومجاهد والجبائي ، وقيل سمي به لأن الوادي قدس مرتين فكأنه طوي بالبركة مرتين عن الحسن { وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى } إليك من كلامي وأصغ إليه وتثبَّت ، لما بشَّره الله سبحانه بالنبوة ، أمره باستماع الوحي .

          تأويل الآيات :

 

          قبل أن أبدأ بتأويل هذه ألآيات . ينبغي أن ألفت وباختصار إلى الفرق بين التفسير والتأويل ، علماً أني قد عقدت فصلاً مسهباً عن التأويل في كتابي ” الحكمة الإسلامية ـ بحوث من مقتضيات العصر” ونكتفي هنا بالقول أن التفسيرـ كما هو شائع عند العلماء ـ هو إظهار معاني ظاهر الآيات القرآنية حسب تراكيبها وصيغها في اللغة العربية . علماً أن ظاهر القرآن الكريم حجة بالإجماع عند علماء المسلمين ، ويسمى هذا الموضوع حجية الظاهر ، وقد قمنا بواجب إظهار هذه الحجة ، تفسيرا للآيات التي نحن بصددها . أما التأويل ، فهو استكناه بواطن الآي من حيث مجازاتها وكناياتها وكذلك أسرارها أو بعض أسرارها التي يطلع عليها الله عز شأنه من يشاء من عباده .

          ولا بدَّ من القول كذلك ، أن ليس كل الآيات في المصحف الشريف ، ذات ظاهر وباطن ، أو ظاهر وبواطن ، فمثال على ذلك مما ليس له باطن ، وإنما هو يفهم على ظاهره فقط ، قوله تعالى : { عَبَسَ وَتَوَلَّى . أَنْ جَاءَهُ الأََعْمَى . أول سورة عبس } فهي على ظاهرها ، سواء كان العبوس من رسول الله (ص) أو من غيره ، فيبقى المعنى أن المقصود بالكلام عبس وأعرض عن أعمى دخل عليه . ونبدأ بالآيات الكريمات تأويلاً :

      بين الرموز والحقائق :

          ففي قوله تبارك وتعالى { هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى } ثلاثة أمور زيادة على التفسير الذي رأيناه على مستوى الظاهر . الأول : خطاب لمن يجتبيه الله من عباده يريد تعليمه . الثاني : تنبيه لهذا المجتبى لكي يحسن الإستماع وأخذ العبرة . الثالث : موسى ، هو الرمز الذي يخاطب به الله أصفياءَه الذين اختاروا الهجرة من دنياهم ومن أبدانهم ومن أنفسهم إليه سبحانه وتعالى عما يشركون .

          وقوله تبارك وتعالى :

          { إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لإهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى . سورة طه الآية10 } .

 

          النار في المتعارف ، أنها كذلك رمز وعلامة ، يوقدها في الليالي الباردة والمظلمة أهل الجود والكرم للأضياف وللمسافرين الذين بعدت بهم الشقة عن أهلهم وأوطانهم وللتائهين كذلك في البوادي والقفار . فهي النداء الذي يشفي ويكفي من وحشة الليل وأخطاره ومشقات السفر ، فيجدون عندها الأنس والراحة والكرم وحسن الضيافة .

          والنار التي في الآية كناية عن هذه ، وإنما التي في الآية ينصبها الله للمسافرين إليه ، ويهديهم بها وإليها ، حيث يجـدون أكرم الأكرمين وأجود الأجودين وأرحم الراحمين . أما كيف يريهم إياها ، فبالقلوب والبصائر ، نوراً بعد نـور ، ثم نوراً على نور .

          والأهل , في قوله تعالى : { فَقَالَ لأهْلِهِ امْكُثُوا } هم الأهل في الظاهر ، أي الزوجة وأهل البيت عامة ، أما الرمز فهو في قوله { امْكُثُوا } وهي ، أي الكلمـة في اللغة ، ليست بمعنى أقعدوا أو أقيموا ، وإنما فيها معنى التلبث والتحوُّل والإصطبار . ودائماً ، عندما يعزم الرجل على الهجرة إلى الله تبارك وتعالى ، تحصل ردود فعل من قبل أهله لا بدَّ منها . فالرجل ضمن تغيراته عامةً النفسية والعقلية والمسلكية ، يبدأ بالإنصراف تدريجياً عن الدنيا ومعظم شؤونها التي كانت شغله الشاغل ، وفي توجهه لربه عز شأنه ، تصبح حيثيات التعامل عنده والإهتمامات الصغيرة ، تافهة ، والأهل إذ يلمسون هذه التغيرات ، ولا يستطيعون إدراك كلية الحقيقـة التي أخذ فيها الرجل ، يبدأون بالتساؤل ، والتعليق ، والنقد ، إلى أن يدركوا تصميمه النهائي ، وهو أنه اختار ربَّه تبارك وتعالى على الدنيا وجميع ما فيها ، وأصبح هو سبحانه همه الأعظم وحبه الأعظم . فالأهل عندئذ يبتلون بإحدى حالتين إما إيجابية وإما سلبية ، فإذا اختاروا الحالة الإيجابية ، نجحوا ونجوا معه ، وتعاونوا على البر والتقوى ، بل وتنافسوا في حب الله تبارك وتعالى وفي طاعته . أما إذا كانوا في نظرتهم إليه سلبيين ، كانوا عند الله جلت عظمته من الخاسرين .

          أما بقية الآية ، قوله تعالى : { إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } فالرمز فيها هو وعده لأهله إذ يحاول دعوتهم وإفهامهم الحقيقة التي صار إليها ، وخلاصتها دعوتهم إلى الله ، { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ . سورة فصلت الآية 33 } فإذاً الرمز فيها وعد أهله إذا هم تفهموا وأطاعوا بنجاتهم من الشرك الظاهر والشرك الخفي وسعادة الدارين .

          أما قولـه تبـارك وتعالى : { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَامُوسَى . إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ .. سورة طه الآية 11 } فقوله تعالى : { نُودِي } ظاهرها النداء الذي هو برفع الصوت عادةً . قيل إن إعرابياً سأل رسول الله محمّداً (ص) يا رسول الله ربنا بعيد فنناديه أم قريب فنناجيه ؟ فسكت محمّد (ص) ونزلت الآية الكريمة : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي .. سورة البقرة الآية 186 } أي هي المناجاة  لله تبارك وتعالى ، وليست المناداة . وحيث أن الله سبحانه أخبر أنه أقرب للإنسان من حبل وريده ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، هو سبحانه أقرب للعبد الصالح حيث يكون العبد في مقام القرب من ربه عز وجل ، فإذاً لا ضرورة ولا حاجة للنداء برفع الصوت ، ولذلك ، فكلمة { نُودِي } في الآية الكريمة ، مشتقة من نادى التي تفيد المشاركة وهي حديث أهل النادي ، حيث يكونون قريبين من بعضهم ، وعادة يكون فيه الود والتصافي .

          { نُودِي يَامُوسَى . إِنِّي أَنَا رَبُّكَ } لا بدَّ أن يكون الله تبارك وتعالى قد تولىَّ موسى أو العبد الصالح برعايته وعنايته فترة من الزمن تمرُّ فيها نفس العبد الصالح بتجليات رموز قول الله تبارك وتعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأََرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . سورة النور الآية 35 } . وقد شرحنا رموزها في كتابنا ” مفتاح المعرفة ” الجزء الأول .

          حتى إذا أصبحت نفس العبد الصالح كأنها كوكب دريٌّ في صفاء نوره وقوة إشعاعه ، ونقائه كلياً من أدنى شائبة تعكِّر صفو التوحيد وصدق التوحيد ، أدخلها سبحانه في طمطام يم وحدانيته ، حيث تصبح صالحة للسماع ووعي ما يريده الله منها جلَّت عظمته .

          وقوله تعالى { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ } والعبد الصالح في الحال الذي ذكرت يغيب عن حدود بدنه وعن حدود نفسه ، وليس إلا خضم النور الذي تضمحلُّ دونه الأكوان .

          تستذكر هذا الدعاء وهذا النداء : ” يا من أنوار قدسه لأبصار محبيه رائقة ، وسبحات وجهه لقلوب عارفيه شائقة ” تستذكر هذه المعاني ، إذ ترى هذه الأنوار وترى فيها نفسك بلا تحديد وبلا حدود : نور من نفس هذا النور في نفس هذا النور اللانهائي بحراً أو يمّاً أو خضماً . أيُّ حجاب هذا الذي نودي موسى أو ينادى من خلاله العبد الصالح : { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } وما هما هذان النعلان اللذان يؤمر العبد الصالح بخلعهما في هذه المرحلة النورانية الرائقة في بطنان الخضم ، المتألقة المشعَّة الوهاجة ببريق ٍ فضي يكاد يخطف الأبصار في لانهائياته ؟ .