إذا لم تَسْتَح ِ …

إذا لم تَسْتَح ِ …

        كُتّابُ الإباحة ومتعاطوها  بين الورق .. والمخدع .. والشاشة ، هم أعداء الله عز شأنه وأعداء الإنسان .

اسمع قوله عز وجل فيهم  على لسان نوح عليه السلام :

       { إنَّكَ إن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إلاَّ فَاجراً كَفَّاراً . سورة نوح الآية 27 } .

        هم الإباحيون فجرة كفرة .

        فمعارض الأجساد العارية ، وحكايا الفحشاء ، في دواوين نزار قباني مثلاً ، أفهم أن تدخل بيوتاً تشكو من قلة الوهج الإيماني وما يستتبعه من فضيلة وغيرة وعفة ، أما أن تدخل إلى بيوت  ( المجاهدين ) ويتغنون بها ، فهذا ما لا يستطيع إبتلاعه فرس النهر  رغم شهرته  باتساع شدقيه .

        وبيت شعر واحد لنزار قد يوجز كل غزله ومفهومه عن الحب عامة وهو :

    فَصَّلْتُ مِنْ جَسَدِ النِّسَاءِ عَبَاءَةً     وَبَنَيْتُ أهْرَاماً مِنَ الْحَلَمَاتِ

وهذا البيت من قصيدة ألقاها في العراق على الملأ ، وفي مؤتمر رسمي  هو مؤتمر  المربد ، وطبعاً صفق له طويلاً الجمهور المشوَّه الشخصية ، وأكثر من الجمهور صفق له الشعراء والمؤتمرون .

وما يقال عن نزار يقال عن عشرات أشباهه أو مقلدّيه ، علما أنه هو مقلد لشاعر العري الفرنسي ( بودلير ) خاصة في ديوان هذا الأخير ( زهور الشر )  الذي أخجل عند صدوره أوروبا كلها ، وهي التي في هذا المجال قليلاً ما تخجل .

كما أنه يلفتني أمر في منتهى الغرابة ، هو تقويم  كثير من رجال الدين للأدب تقويماً يبدو وكأنه شاع بينهم بسبب فهم متراخ ٍ للنصوص الدينية ولموقف النبي صلى الله عليه وآله من الشعر الماجن الذي تساهل معه في البداية لأنه كان خمرة القوم ، حتى إذا تمكن الإيمان من الأنفس أمر أن يفصل من الشعر ما كان لغير الله سبحانه ولغير دينه .

أما الموقف المتراخي لبعض رجال الدين حفظهم الله تعالى ،  فقد نتج  عنه في الشعر خاصة ، تساهلهم حفظاً ونظماً لنصوص شعرية تبدأ بالغزل أو بالخمريات لتحلّ البركة في مجالـس القــوم  . وقد يؤولون الغزل أحياناً ، تأويلاً صوفياً على طريقة ابن الفارض عند العرب في التائية الكبرى وفي بقية قصائده التي يرمز فيها ، إلى الله سبحانه وتعالى عما يصفون ، تارة بليلى وتارة بسعاد . أو جلال الدين الرومي عند الفرس الذي أنشأ الطريقة المولوية التي كان ( دراويشها ) يهدفون إلى حالة الوجد الصوفية على أنغام الناي .

وكذلك يؤولون الخمريات ، آنا بأن الخمرة في هذا الشعر أو ذاك هي الخمر الإلـَاهية . وحيناً أن وصف الخمر ومجالسها شيء ، وتعاطيها شيء آخر ، باعتبار حليّة الأول وحرمة الثاني ، لدرجة أن بعضهم يبرىْ الحسـن بن هانيء ـ أبا نؤاس ـ من معاقرتها ، وهو المعروف  عند الخاص والعام  بمجونه قبل توبته ، حتى صار رمزاً  للبوهيمية  عند المتفلتين ، وحتى إن شعره أصبح يشكل فتحاً خمرياً في أذهان المراهقين على مقاعد الدراسة ، ومن ثم على مقاعد الموائد العامرة .. بالقيء .

هذا كله بسبب هجمة لا أخلاقية ، يشنها المشرفون على الثقافة في البلاد الإسلامية عامة ، والعربية منها بوجـه خاص ـ  طبعاً باستثناء الجمهوريـة الإسلاميـة  ـ  وهؤلاء المشرفون ، غالباً غير مسلمين إما أصلاً وإما مضموناً . مما يجعلهم يكنّون للإسلام عداء ً حاقداً ، تارة عن تصور وتصميم ، وتارة عن غباء وبلاهة .

أما أهم المصاديق التي يحتج بها بعض الإخوان من رجال الدين من المتساهلين مع هذه الألوان الأدبية . هي نماذج من شعر المقدس السيد محمد سعيد الحبوبي وهو أحد كبار المراجع  الدينية في القرن العشرين . إذ ان له ديواناً مطبوعاً من الحجم الكبير ، تكاد لا تخلو منه مكتبة عالم أو أديب أو شاعر ، وفعلاً فيه نماذج كثيرة من الغزل والخمريات ، عندما اطلعت عليها أخذتني الدهشة ، خصوصاً قصيدته التي مطلعها هذا البيت الذي يجري مجرى الأمثال :

   صُبَّ لِي كَأساً وَخُذْ كَأْساً إلَيْكَ        فَلَذِيذُ العَيْش أنْ نَشْتَركَا

وإنما زال عجبي عندما  عرضت هذا الموضوع على العلامة المجتهد السيد رضا الصدر حفظه الله علماً من أعلام المسلمين ،  فأفادني وعلى مسمع من بعض الإخوة الذين كان يهمهم حسم هذا الموضوع ، بأن صاحب الديوان المشار إليه ، إنما نظم ما فيه ، في مرحلة الصبا والشباب ، وكان ذا طاقات كبيرة ، وعبقرية فذة ، سريعاً ما حولها بفضل من الله تعالى ، إلى تحصيل العلوم الدينية ، غوصاً وبحثاً واستنباطاً . مما جعله يتألق كمجتهد أولاً ، إلى أن قيض له الله سبحانه أن رفعـه أساتذة الحوزة وطلبتها مكرّماً إلى سدّة المرجعية ، التي هي أعلى مقام إسلامي في زماننا ، فطارت شهرته في الآفاق ، بسبب من شدة إخلاصه لله سبحانه ولدينه  الحنيف .

        وتابع السيد رضا الصدر حفظه الله يقول : أن المقدس الحبوبي سئل مرة عن رأيه في ديوانه وكان قد طبع بدون معرفته ، فبدا عليه الأذى وأشاح بوجهه . ثم سئل ، فقال : أستغفر ربي كثيراً على ما قدّمت يداي ، ولو كنت أعلم لأحرقت المخطوطة قبل أن يطبعوها .