إذا دعي الله وحده كفروا :

        فتعبداً بآيات الله تبارك وتعالى ، لا بما يصدر عن هوى الأنفس والمزاج والتقليد الأعمى لكثير من الأدعياء الأغبياء الذين يفترون على الله الكذب ، ويشهدون لما لم يروا ولم يتبينوا . لم يتدبروا كتاب الله ولا سنّة رسوله ، ولا سنن أهل بيته عليهم السلام . وتعبّدوا بمزاعم وأقاويل هي أقرب إلى الجهل والعصبية منها إلى الإيمان واليقين .  نسأل الله لهم المزيد من الهداية والسداد  والرشاد ، ونذكرهم بقوله تبارك وتعالى :

       { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }P(2) P.

        وقوله سبحانه :

       {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا..}P(3)P.

       وقوله تبارك وتعالى :

       {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء..}P(4)P.

       ثم في جولة عقلية في الكون ، انطلاقاً من الأرض وأهلها وسكانها من جميع من  خلـق  وما خلـق الله ، ومنذ  بدايـة  البشريـّة وما  قبـل البشريّـة ،

 

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــ 

(1) سورة آل عمران ، الآية  26   .

(2) سورة الحشر  ،  الآية  19  .

(3) سورة غافر  ،   الآية  12    .

(4) سورة النساء  ،  الآيتين  ( 48 و 116 )   .

جولة نستعرض بها أكابر خلق الله مـمّن نبأ ومـمّن أرسل ومـمّن قُرِّبَ نجياً ، فهل نجدُ فيهم جميعاً وإلى أبد الآبدين ، أحداً خلق أو رزق أو فتق  سماءً بغيثٍ ، أو رتَقَ أرضاً بعد فـوران بركان ، أو سميعاً بصيراً ، أو مجيباً قديراً ، أو حياً قيوماً ، أو فعالاً لما يريد  ، أو ذا بطشٍ شديد ، أو لا يعذب عذابه أحدٌ ، ولا يوثِقُ وَثَاقَهُ أحدٌ ، أو أحداً له الأسماء الحسنى ، وله المثل الأعلى  في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم ، غير الله ؟! … فما للإنسان يصدّ عن هذا الإلـه العظيم ، ذي العرش المجيد الكريم ، ويستجير بغيره ، ويستغيث بسواه ؟ كدعائهم يا محمّد يا علي إنصراني إنكما ناصران واكفياني إنكما كافيان ، أو يا مهدي أدركنا، أو يا مسيح نجنا وارزقنا ، أو يا موسى ملكنا رقاب العالمين ، والله سبحانه يدمغ هؤلاء جميعاً ببيناته وحججه وآياته ، يزرعها في عيونهم ويجعلها أغلالاً في أعناقهم يقول :

       { قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ.  قُـلْ مَن رَّبُّ السَّمَـاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعـَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ }P(1) P.

        ويقول سبحانه :

       { اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ }P(2)P.

        يدبر الأمر كله ، وحده لا شريك له ، بدون مساعد ، ولا معاضد ، ولا يتعبه أدنى تعب حفظ الكون وتدبيره بما فيه من الأفلاك والسموات الهائلة الاتساع ، والأرضين وما فيهن وما بينهن ، وما يرى من إنسان وحيوان ونبات في البر ، وحيتان ومخلوقـات في البحـار والأنهار ، وما لا يـرى من الملائكـة

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)      سورة المؤمنون ، الآية (84 ـ 89 )  .  (2)      سورة الرعد ، الآية 2  .

وأصناف الملائكة ، والشياطين واصناف الشياطين ، والجن واصناف الجن  .

        كل ذلك فضلاً عـمّا في كرسي العرش ، ثم ما في العرش العظيم ، مـمّا لا يستطيع تخيّل صورة عنه فكر مخلوق . وكيف يستطيع والإنسان مع ما سخّر له تبارك وتعالى من الكون ، وسخّر له ما في السموات والأرض  جميعاً منه سبحانه ، ومع ذلك ما استطاع ولن يستطيع إدراك أبعاد هذه السماء الدنيا وحدها . وأعلم علمائه يقرّون بأنهم ما أدركوا بعد حدّاً لها ، ولا حتى لأكثر مجراتها السابحة تحت هذا السقف الجميل .

       { قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ }P(1)P.

        قتل الإنسان وهو يجحد عظمة ربه ، ويقف عند غيره مادحاً ، منشغلاً بسواه ، متعبداً لعبيده ، منتظراً منهم لا من ربهم النجاح أو الفلاح أو الفتح المبين .

        قتل الإنسان وهو ينسى عظمة ربّه  السميع المجيب ، ثم يذكر دائباً عبيداً من عباد الله لا هم السميعون ولا هم المجيبون .

        وقد يدمي وهو يستجير بهم رأسه ووجهه دون قتال .

        أآلهة من دون الله ، أم شركاء لله ؟ …

        وبإخراج فني وإيقاع جماعي ، قد يلدم صدره وظهره ،  ويقول : بدعة مستحبة .

        فمن أجهل وأغبى من إنسان يرهن نفسه بمخلوق ، أو بمخلوقات من ملائكة أو جن أو إنس ، وهم لا يشعرون به . ولو شعروا وكانوا من أهل الإيمان العالي لـمقتوه في الدنيا ، وكفروا بشركه في الآخرة .

        قتل الإنسان وهو يملأ قلبه حتى الجمام بحب غير الله ، وهذا القلب لا يكون كريماً ولا معافىً ، ولا مصفىً ، ولا يصطفى إلاَّ إذا ملىء حتى الجمام بحب الحبيـب الأعظـم رب  العالميـن الرحمـان الرحيـم  .  فـإذا  فـاض

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)      سورة عبس  ، الآية  17   .

شيء من هذا الحبّ على جوانب  هذا القلب ، فلا بأس  أن يكون لمن أذن الله بمودتهم  من أنبياء وأوصياء ، وأهل وأئمة .  لأن ما يفيض على جوانب القلب من حب الله ، يكون أيضاً حبّاً مقدساً . وفي هذه الحال فقط ، يجوز أن يختص به أولياء الله وأحباءه ، والأخلاء المتقين ، إذ يقول سبحانه :

       { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }P(1) P.

       قتل الإنسان الكفور الجحود ، يغرقه الله بنعمه ويكفر ولا يشكر ، ويتحبب سبحانه إليه بالثناء على بعض ما عمل من الصالحات ، ويكون هو سبحانه مكّنه من ذلك ،  فيدير له ظهره معتدّاً بقدرته البشرية ، وهي لا تقوم إلاَّ بالله الذي تقوم به السماوات والأرض ، وما  ومن فيهن ، وما ومن بينهن .

        من هنا حاجة الإنسان التي لا تعلو عليها حاجة ،  إلى النجاح في الابتـلاء ، النجاح المؤدي إلى التوحيد الصافي ، الأصفى من الفجر في الجنة ، والأعذب من الماء البارد النمير على غلة العطشان ، والأقرّ للعين وللقلب  من كل ما في الوجود .

        وهذا الإبتلاء درجات ، كما أن فهم التوحيد درجات عند الموحدين ، ومن هنا يفهم الإتّباع وتفهم الولاية .

        ولا ينسيّن  أحد أننا نكتب لأهل القـرن العشريـن ، مسلمين وغير مسلمين ، غير  متعرضين  ـ بدون طائـل معاصر ـ لقضيـة السقفيـة وما بعدها …  ولا  لولاية الإمام المنتظر عليه السلام ، ولا حتى لولايـة الفقيه . لأننا إنما ندعو ليس المسلمين وحدهم ، وإنما جميـع أهل الأرض ، إلى التوحيد باسم الله وبتعاليم الله ، على أن أساس هذا التوحّـد والتعاليـم ، هو توحيد الله جلّت عظمته ، وولاء جميع الناس له على شتى درجاتهم الدينية والإجتماعية ، قوله تعالى :

       { وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَـاءُ فِـي رَحْمَتِهِ

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)      سورة الزخرف ،  الآية  67  .

 

وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ .أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ فاللهُ هُوَ الوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ }(1)

        فالاتّباع في توجيهات الله تبارك وتعالى أمر متدرج من أتباع المؤمنين إلى أتباع الأنبياء والرسل والمنيبين إلى الله عامة ، لأن ذلك كله طرداً وعكساً يؤدي إلى إتباع الله ، يعني الكتب المنـزّلة الصافية ، يعني إتباع القرآن وما صحّ عن الرسل وأوصياء الرسل ، يعني أتباع الحق ، وبكلمة أخيرة حاسمة ، يعني إتباع الله تبارك وتعالى وعزّ شأنه وجلّت قدرته .

        كذلك مفهوم الولاية ، وهو مفهوم خطر وشديد الحساسية ، فالذين فهموا الولاية  وقوفاً عند نبي أو إمام أو وليّ من أولياء الله دون العبور بأسرع من الضوء إلى التوحيد بالأسماء الحسنى ، فقد وقعوا في الشرك . حتى ولو ادّعوا بعدها أنهم إنما كانوا يرجون بذلك الزلفى أو الشفاعة . إذ أن ذلك يقودهم إلى التعبّد للوليّ قاصدين أو غير قاصدين ، عن وعي أو غير وعي . فينصرفون إلى التعبّد بأقوال الشفيع حتى ولو كانت مزعومة ، أكثر مـمّا يتعبَّدون بآيات الله تبارك وتعالى ، وفي ذلك قوله عزّ وجلّ :

       { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ. قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{ P(1) P.

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

(1)      سورة الشورى ، الآيات ( 8 ـ 9 )   .

(2)      سورة يونس  ،  الآية 18   .