الأرض الدنيا .. ليست هذه الكرة وحدها

قبل أن ندخل في صلب الموضوع ، لا بد أن نذكر بإيجاز ، ما هو شائع عند الباحثين والمفسرين ، من احتمالات عن مكان جنة آدم . فقد قيل فيها أنها جنة كانت في الأرض ـ المقصود هذه الكرة ـ وقيل إنها كذلك ، وبشكل خاص في عدن ، وقيل إنها في السماء ولكن هي غير الجنة الموعودة للمؤمنين . وقيل هي الجنة الموعودة عينها . وقد حسم هذا الأمر الأخير أئمتنا عليهم السلام في بعض الروايات بالقول : إن آدم لو كان في جنة الخلد الموعودة لما خرج منها أبداً .. وانطلاقاً من هنا نقول ، أن بقية المزاعم كانت رهناً بالقصور العلمي عن الكون وعن الفلك ، بسبب عدم تدبر القرآن كفاية .
من هنا لَفَتَني بفضل منه تعالى قوله :
{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ. إِن كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ }( سورة يَس ، الآيات ( 51 ـ 53 )).
فما هو هذا المرقد ؟ وأين هو ؟ وأين ينسلون من الأجداث ؟ هل في حدود هذه الكرة الأرضية فقط ؟ منذ مدة تحطمت مركبة للسوفيات على سطح القمر ، وتحطمت مركبة أخرى وأكثر ، وفيها بشر ، تحطمـت فـي المجال الجوي بين الكواكب، وحسـب النظرية العلميـة التطبيقيـة ، تبقى الأجسام في مناطق الجذب ، تدور حول الأجرام الجاذبـة ، وهي لا تنـزل إلى الكرة الأرضية ، بل تبقى حيث هي لا يعرف مصيرها . وهنا يمكننا الإستنتاج وببساطة ، أن أجداثنا ومرقدنا المنوه عنهما في الخبر القرآنـي ، يجب عقـلاً أن يكون حيّزهما في جملة مجموعتنا الشمسية كلها ، وليس فقط في كرتنا الأرضية ، ثم ليس في مجموعتنـا الشمسيـة فحسب ، وإنما فيها داخلة في المجرة كجزء من أجزائها ، متحركة بحركتها . وبكلمة فالأرض ليست فقط هذه الكرية . لأن الأرض الكرية عضو لا يمكن أن يؤخذ ، بالنظر الإعتباري ، مفصولاً عن بقية الأعضاء ، التي هي مجموعتنا الشمسية على أضيق الإفتراضات . لأن كرية الأرض بحدود جرمها، يستحيل أن تقوم فيها حياة ، من إنسان وحيوان ونبات ، كما يستحيل أن تتحرك بحركات جرمها الثلاث، حول نفسها وحول الشمس وحركة المجرة وهي فيها ، وكذلك حركات أجزائها ، من براكين وزلازل ، ومدّ وجزر ، وجذب ودفع إلخ .. يستحيل أن يتم ذلك كله بالنظر إليها مُبَانَةً عن جسمها الذي هي عضو فيه ، إذ إنّ حياة الأرض كريتنا وما يتبعها من حركات خاصة وعامة ، إنما هي بسبب وجودها في هذا الجسم الذي هو المجرة ، وحيث إن الله عزّ وجل ، قد أبى أن تتم الأمور إلاّ بأسبابها ، فيجب أن تكون الأرض ذلك الجسم الكبير، الذي من أعضائه الشمس والقمر والمشتري و … وكريتنا الأرضية هذه .

الأرض من المجرة ؟ أم المجرة من الأرض ؟
وكما أن الله سبحانه وتعـالى سمى في الإنسان عينيه وأذنيه ، وقلبه ولسانه ،وعقله ونفسه ، ويديه ورجليه وجلده ، وغير ذلك ، على أن كلية هذه الأعضاء متصلة متماسكة سماها الخلاق العظيم آدم وسمـاها بشـراً وسماهـا

إنساناً . كذلك سمى من متعلقات الأرض : القمر والشمس والليل والنهار والنجوم والسماء الدنيا ، إلى غير ذلك من المتعلقات . وإذا كـان نظـر الإنسان يعجز غالباً عن تصور حقيقة الإتصال والتماسك بين هذه الأجرام وأسرار حياتها ، فسبب عجزه توهم البعد ـ بنظره ـ بين كتلاتها الضخمة من جهة ، ومن جهة ثانية ، قصور طاقات الإنسان عن إدراك اليسير من آثار عظمة الخالق وأسراره في خلقه :
{ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }(سورة النمل ، الآية 88 .  ).
ثم لنتأمل قوله عزّ شأنه :
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ . ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ . فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ }(سورة فصلت ، الآيات ( 9 ـ 12 )).
فعلى أساس هذه الآيات كانت السماوات سماء عظمى واحدة ، وكذلك قوله تعالى : { خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } يعني الأرض العظمى قبل تقسيمها إلى سبع أرضين : تحت كل سماء أرض {جَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا .. } .
هكذا جعل لنا سبحانه بعض الآيات منطلقاً للتفكر والكشف وضبط المنطلقات العلمية ومساراتها .
لنتأمل مثلاً في الآيات الكريمة التالية التي تكشف لنا أسراراً عن الفلك المشهـود للعلمـاء وغير المشهود ، نثبتها بغير تعليق . يقول عز شأنه :

{ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا}(سورة الفرقان ، الآية  33) .
أما الآيات فقوله تبارك وتعالى :
1) { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ . وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ }(سورة الملك  ، الآيات ( 3 ـ 5 )  ).
2) {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرا}(سورة الإنسان ،  الآية  13  ).
3) { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}(سورة الأنبياء  ،  الآية  33   ).
4) { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا}(سورة الفرقان ، الآية 61  ).