الإيمان بما نُزِّل على محمد (ص)

الإيمان بما نُزِّل على محمد (ص)

          أصل الإيمان هو الإيمان بالله ، أي التصديق به والصدق بتوليه .  والإيمان بالله والصدق معه  يقتضي التسليم بشروطه ، ومن شروطه كمفاتيح لمعرفة دينه ، الإيمان بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب المكي القرشي  نبياً ورسولاً من لدنه تبارك  وتعالى وإلى  الناس كافة . والإيمان بالله وبرسوله محمد (ص) يقتضي بالاصالة شرط الإيمان  بما نزل الله سبحانه على رسوله محمد (ص)  من كتـاب ومن آيات بينات . هذا الإيمان إذا تكامل يكون مفتاح الدخول إلى معرفة محمد (ص) والكتاب الذي أنزل على محمد (ص)  والدين الذي أرسل به محمد (ص) . أما معرفة  الله ، فبالله عرفنا ونعرف الله ويُعرف الله استقراءً واستنتاجاً ، وتبصراً وتذكراً وإشهاداً .

          وإصلاح النفوس واجب إلزامي : قال تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا . سورة الشمس الآيات الآيات  ( ۷ – ۱۰) } .

          والنفس إذا صلحت ، خلص الإنسان من العنت ومن القلق ومن الأرق  ومن المنغِّصات على أشكالها . وخلص من الوقوع في حبائل النفس  الأمارة وحبائل ما يرى من شرار الخلق وما لا يرى  .

          والنفس إذا آمنت بالله وبرسوله وبما نزل الله على رسوله دخلت في العرفان من باب إلى باب ..  فصلحت وسعدت ، ونستفيد هذه المعاني بشكل حاسم  ، إذا تأملنا بقول الله عز وجل  في هذا الباب من العرفان ، متيحاً لعباده مقلاداً  من مقاليد الدخول  إلى الإيمان الحق والدين الحق والتوحيد الحق ، يعني  إلى رحمته ورضاه ورضوانه ، قوله تبارك وتعالى :

          { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ . سورة  محمد الآية ۲ } .

          ولقد نجا قوم محمد (ص) وتسنَّموا قمم البطولة  والفتح والتاريخ ، بعدما استجابوا لأمر الله ونهيه ، وتشريعه وتعليمه ، وتوحيده ونفي الشركاء المزعومين عنه ، سبحانه  وتعالى عما يشركون ، نجوا وهم مهدَّدون كانوا بالإبادة والإستئصال  إذا لم يستجيبوا لله ولرسوله  ، ونكبات الأمم  والأقوام غيرهم  ماثلة أمامهم ، ولعلَّ أبرزها كان الطوفان حيث لم يستجب الناس لرسـول الله إليهم  ، نوح عليه السلام ، وعنَّتوه  وآذوه وكذبوه ، وأقفلوا دونه آذانهـم وقلوبهـم … { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ . وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ . تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ . وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ . فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ . وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ . سورة القمر  الآيات ( ۱۰ – ۱۷) } .

          نجا قوم  محمد (ص) ربما لأن أكثرهم آمن ، إذ لو أن أكثرهم بقي على كفره ، لكان  الإجتثاث ، ولذلك نقرأ في القرآن الكريم ، أن الله عز وجل كلما أنزل العذاب بأمة من الأمم  يقول : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ . سورة الشعـراء الآيات  ( ۸ و ٦٧ و ١٠٣ و١٢١ و ١٣٩ و ۱۵۸ و ۱۷٤ و ۱۹۰) } .

          ولو أن جميع قوم محمد (ص) آمنوا وصدقوا الله ورسوله ، لكان خير الإسلام عمَّ الدنيا بأسرها . ولكنَّ قوماً من فراعين العرب أظهروا إيماناً واستبطنوا كفرا ، وقد عرَّض ببعضهم الله عزَّ شأنه . وأسرَّ ببعضهم الآخر إلى رسوله النبي الأمين (ص) وذكر أوصافهم  بشكل عام تحت عنوان : المنافقين . وهؤلاء  وأبناؤهم وأحفادهم وأمثالهم فيما بعد انقضُّوا على الدنيا وسلطانها ، فأخذ الفريق الآخر ، فريق المؤمنين الأبرار ، والأئمة الأطهار ، وأولياء الله الصالحين ، الخط الآخر ، خط المعارضة ، هذه التي كانت تحتدم أحياناً غيظاً وغضباً لله ، فتتفجر سخيَّة بالدماء الغالية الزكية عند الله ، فتزلزل الأرض وتخضب بالحمرة  الآفاق  وتهدم العروش على رؤوس أصحابها ، وتمضي على درب الشهادة لله وفي سبيل الله  كما حصل في كربلاء . أو أنها تحكم بعد بذل ودماء ٍ غزيرة  ومواجهات عنيفة مع جيوش ودول . كما حصل في الثورة الإسلامية  المظفرة في إيران . وهكذا ظل الخطان خط الكفر من جهة وخط الإيمان من جهة عبر التاريخ العام ، والتاريخ الإسلامي الخاص  ، في مواجهة . وكأنما ذلك كان وما زال وسيبقى إلى قيام الساعة مصداقاً لقول الله عز وجل ، ينطبق على الأفراد  والشعوب :

{ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى . سورة طه الآيات ( ۱۲۳ – ۱۲٦) } .

          ثم يفصِّل عن أهل الضلالة في مثل قوله عز وجل : { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ . سورة الأنعام آية ٤ }  أو قوله سبحـانه  { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ .سورة الأنعام  آية ۷ } .

          وفي أهل الإيمان مثلاً من أقواله تعالى في أوصافهم : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاَ . سورة الأحزاب آيــة ۲۳ } أو في توجيهه لعامة المؤمنين  وتعليمه لهم وعنايته بهم  ، وسخيِّ  تعويضه عليهم وما يخبِّىء لهم من العطاءات  والنصر في الدنيا والآخرة ، قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ . تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ . سورة الصف الآيات ( ۱۰ – ۱٤) } .

          هذه المفاتيح من المعرفة التي ييسر الله منها لمن يؤمن به ربَّاً وبمحمد ٍ (ص) رسولاً نبيا وبالقرآن كتاباً منزلاً ، حسب درجات الإيمان ونسب الصدق ومقادير  الأعمال الصالحة . هذه المفاتيح أو المقاليد ، يفتقدها من يكفر أو يشك أو يتردد ، فيغدو مقفلاً مغلقاً دون الحق والمعرفة الحقة ، مهما تثقف وقرأ وكتب وتفنن . وأمثال هؤلاء الذين ينكرون أو يشكون بالله جلت عظمته أو بإرساله محمداً (ص)  أو بتنزيله عليه القرآن كتاباً ، تجدهم لو كشفوا عن حقائقهم ،  كثرةً في المجتمعات الراهنة ، بعد هجمات الإلحاد المعاصرة ، بين الفلسفات  المادية  وانفلات حضارة الغرب عامة بفواحشها ،  ومخالفاتها للأخلاق والقيم الدينية .

          هؤلاء يغلب عليهم القلق ، والتأزم النفسي والعصبي ، والضياع ، والخوف مما يخبئه المستقبل ، والخيبة ، والشعور الدائم عند كل واحد منهم بأنه لم يحقق وجوده ، ولا آماله وأحلامه ، فهو مهزوم في داخله ، ناقم إذا كان مقدوراً عليه رزقه ، ظالم إذا كان ميسور الحال . تجد كل هذه النماذج  أينما ذهبت وحيثما  احتككت بعامة الناس أو بخاصتهم ، وتجد اعظم محور من محاور اهتماماتهم : الاقتصاد . فهم يعتبرونه في الحقيقة رباً ورسولاً وكتاباً مقدساً .

          وهؤلاء أبرز ميزاتهم أنهم يجهلون كونهم مقفلين دون الحقيقة ومغلقين .  وإذا جادلوا فبالباطل ، وتراهم اكثر الناس غروراً بما يظنون أنه ثقافة وأنه تقدم ، وأنه سلوك العقلاء . قال فيهم تعالى :

{ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . سورة فاطر آية ۸ }  وقال عز وجل مظهراً حقائقهم الباطنة ومصائرهم المرتقبة :

         

          { إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ . سورة المجادلة آية ۵ } .

          ومعنى يحادون يخالفون ، فالمحادة الخلاف والعداوة ، وتجاوز الحدود  التي أقرها الله لعباده . وكبتوا ، الكبت في الأصل صرع الشيء لوجهه ،  ومعناه كمدوا وغيظوا وخذلوا ، من الكمد وهو الحزن الذي يثقل على الدماغ والقلب والغيظ والخذلان معروفان .

فيكون معنى الآية الكريمة أن الذين يخالفون الله ورسوله  وطبعاً يخالفون  ما أنزل سبحانه على رسوله ، أي القرآن الكريم ، ويتنكرون لكل ذلك أو يشككون بشيء من ذلك ، هؤلاء يحرمهم سبحانه من مفاتيح المعرفة  أو العرفان ، وفي العرفان فرج ومخرج من الضيق ومن كل مشكلة .  أو أن الله سبحانه يمضي حرمانهم  بعد أن حرموا هم أنفسهم منها ، ومعاذ الله أن يظلم سبحانه أو أن يعتدي ،  وهو لا يحب المعتدين  ، وهو الأرحم وهو الأكرم ، وهو يسَّر السبل للهداية  والخلاص بما وهب من العقل والسمع والبصر والفؤاد ، وهو سبحانه { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . سورة الزخرف آية ۱۰ } وأوضح السبل وأهمها وأكرمها أنبياؤه ورسله ، وكتبه المنزلة ، وقد ختم  النبيين بخاتم رسوله محمد الأمين (ص)  وختم كتبه  ورسالاته بالقرآن المجيد مصدقاً لما بين يديه  من الكتب المنزلة ومهيمناً عليها كما جاء في التنزيل  العزيز .

          من هنا يتبين إلى أية مدينة عظيمة من العرفان يؤدي هذا الباب الذي يفتح بمحمد (ص) رسول الله ، وبالكتاب الذي أنزل على محمد  صلى الله عليه وعلى آله  وصحبه الأطهار الميامين .

          ووظيفة محمد (ص) ودينه وديدنه ، وليله ونهاره ، وأنفاسه وجهاده ، وكيانه كله عاملاً  ناشطاً ، كان هو الدعوة إلى الله ، تلك إرادة الله ، ورسالة الله إلى البشر مع محمد رسول الله ، { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ . سورة الحج آية ٦۲ } .