الادراك بين النوع والدرجة
في المعركة العلمية التي ما زالت قائمة بين الدينيين الذين يقولون إن الإنسان خلق رأساً خلقاً مستقلاً عن بقية المخلوقات لا سيما عن الحيوان ، وبين أصحاب النظريات التي تعتبره تحول وتطور عن القردة ، أقول في هذه المعركة كان للإدراك الحيّز الأكبر والأهم في مجالي المقارنة والاستنتاج .
واستدلَّ أصحاب نظرية النشوء والتطور على أن الإنسان تحول من القرد بعدة أمور أبرزها تشابه القرد مع الإنسان من حيث الفهم والإدراك ، حيث يقـولون إن إدراك القردة العليا وتصرفاتها الواعية تفوق جميع الحيوانات الأخرى ، وأنها قريبـة في ذلك من الإنسان وأن الإنسان لا يفوقها إلاّ في الدرجة .
يقول الدكتور مقداد يالجن P(*) P: ” والقرود الشبيهة بالإنسان أكبر الحيوانات دماغاً ، ومعدل وزنه المتوسط فيها 360 غراماً وغاية ما بلغه في الأورانج 420 غراماً ويعدون ذلك من الشواذ “.
ثم يذكر يالجن ميزات كثيرة للإدراك عند الإنسان ليست موجودة لدى القردة العليا ، , وأظهر هذه الميزات ، الحقيقة الدينية ، يقول : ” من هنا صدق الذين قالوا أن الدين نشأ مع نشأة الإنسان ، ووجد مع وجوده ، لأن الشعور الديني والتفكير الديني ، ظاهرة ٌ لواقعٍ مخلوق في الإنسان ، ومن هنا لا نجد أية ظاهرة للتدين لدى أي كائن حيواني غير الإنسان ، ولهذا كان التدين من المميزات الخاصة للإنسان .
وهكذا يحاول يالجن أن يثبت بردوده واستدلالاته أن الفارق بين الإنسان وبين الحيوانات بشكل عام والقردة بشكل خاص هو فارق بالنوع وليس بالدرجـة (*) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(*) مجلة الهادي . السنة الخامسة ، العدد الرابع .
(*) نفس المصدر .
في الحقيقة إن رأي يَاْلْجِنْ هو نصف الحقيقة ، والحقيقة هي : صحيح أنه فارق بالنوع في أصل الخلقة ولكن هذا الأصل ينتكس في قطاعات كبيرة من البشر فيصبح فارقاً بالدرجة، وتفصيل ذلك فيما يلي :