الإنشقاق … ماثل في السماء :
والانشقاق في السماء ، هو من الأشراط الكبيرة ، للقيامة الكبرى ، وهو في قول الله تعالى في سورة ( الانشقاق ) التي سمّيت باسمه لأهميته :
{ إِذَا السَّمَـاء انشَقَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ . وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ . وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ . وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ }P(1) P.
إلى أن يقول سبحانه جواباً للشرط .
{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ } .
وذلك يعنـي يومَ القيامـةِ ، أو الساعة ، أو يوم الحسـاب . وكل ذلك بمعنى واحد .
ومعظم الأشراط التي في القرآن الكريم ، والتي نحن في مواجهتها في عصرنا هذا ، تبدأ صغيـرة ، ثم تتـدرج في الكبـر إو الاتّسـاع ، حتى تبلغ أوجـاً لها يعلمه الله سبحانه ، تكون مباغتـة الساعـة رهنـاً بـه ، أي بهذا الأوج ، وطبيعي أن لا يكون اقتـران المباغتة ببلـوغ أوج واحـد من الأشراط ، وإنما أن تتساوق الأشراط وتتواكـب ، كما ألـمحنـا من قبل ، حتى يبلغ كل شرط أوجه الذي قدّره الله له ، فتكون عندئذ الصيحة والعياذ بالله وحده لا شريك له :
{ فَهَلْ يَنظُـرُونَ إِلَّا السَّـاعَةَ أَن تَأْتِيَهُـم بَغْتَـةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا …}(2).
أما إن هذا الانشقاق هو ماثل اليوم في السماء ، فهو الخبر الذي أيضاً ، يهزّ العلماء والمتتبّعين للتغيرات العجيبة ، هزّاً عنيفاً ، زاد من حدتّه ، كونه هو والغيوم الحرارية يشتركان في كثير من وظائفهما وتأثيراتهما .
فكما أن الغيوم الحرارية ( الكسف ) تعجل بإذابة الجليد والثلوج في أنحاء الأرض ، كذلك هذا الانشقاق الذي حصـل في طبقـة الأوزون ، والذي
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الانشقاق ، الآيات ( 1 ـ 5 ) .
(2) سورة محمد ، الآية 18 .
هزّت أخباره العلماء من أقاصي المغرب إلى أقاصي المشرق .
ومما يزيد من خطره ـ حسب تقارير العلماء ـ هو كونه فوق القطب الجنوبي مباشرة ، أي فوق القارة الجليدية ، التي كانت منسيةً نسبياً ، حتى ظهر هذا الانشقاق أو الانفطار ، أو الفتحة أو الثغرة ، في طبقة الأوزون ، فوقها تماماً، وهي القـارة التي يعنـي ذوبانـها تهديـداً مباشـراً لمعظـم أنحاء الأرض .
فما هو الأوزون ، ولماذا الخوف من انشقاقه ؟
الأوزون بمفاهيمنا الإسلامية ، هو سماء ، هو السماء المباشرة لنا ، لأرضنا هذه الدنيا، وهو بمفهوم العلماء ، طبقة في الأجـواء العليا ، من شأنها تغليف الأرض ، تغليفاً كاملاً ، للحيلولة دون تسرّب أشعة الشمس بشكل عمودي ومباشر ، وبتعبير آخر ، من وظائفه كسـر الأشعـة الشمسية وتصفيتها وعزل الضار منها للأرض ولأهل الأرض ، وبتعبير أكثر إيجازاً ، هو ميزان بحفظ الأرض وأجواءَها وجليد قطبيها ، من كل إخلال بنظام حياتها الطيبة والمباركة التي هكذا شاءها لها ربها الحليم الكريم والرحمن الرحيم مذ خلقها : قوله تعالى :
{ وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ }P(1) P.
وعن الأرض قوله سبحانه :
{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ }P(2) P.
والدليلُ القرآني على أن هذه الفرجـة في السمـاء هي جديـدة ، قوله تعالـى :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- سورة الرحمن ، الآية 7 .
- سورة فصلت ، الآية 10 .
{ أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ }P(1)
وهكذا تأتي الأشراط وكأنها إخلالات بالطبيعة في الأرض وفي السماء : تغيير في بعض المعالـم الكبـرى ، أو تحويـل في بعض الثوابـت ، أو هـدم لبعـض الأنظمـة الكونيـة ، بطرق وأساليـب تصدم وتهزّ وتخيف ، وبالنتيجـة تكون هي النذر التي تسبق القيامة الكونية ، فتكون رحمـةً للمؤمنين بالله وبالسّاعة وبالحساب ، حيث يستعدّون ، ويتّعظون ، ويزدادون إيمانـاً وتصديقاً ، وتكون وبالاً علـى الكافرين بالله أو بالسّاعـة ، أو بالحسـاب ، وكذلك على المشركين والمنافقين والمرتابين بالله وبكتاب الله ، وبوعـده ووعيـده عزّ شأنه وجلّت قدرته . قوله تعالى :
{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }P(2) P.
وينبغي أن تلاحظ أن هذه الأشراط ، إضافةً إلى كونها يواكب بعضها بعضاً ، فكأنما هي تحركت جميعها في زمن واحـد ، وطبعاً إلى غاية واحدة ، هي تلبية أمر الله تبارك وتعالى الذي هو بالغه :
{ .. وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }P(3) P.
{ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا } هندسة وحسابـاً في الزمان والمكان والأحجام والعلاقات بين خلقه :
{ .. وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ }P(4) P.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة ق ، الآية 6 . (2) سورة الأنعام ، الآية 158 .
(3) سورة الطلاق ، الآية 3 . (4) سورة يونس ، الآية 61 .
وكذلك ينبغي أن نلاحظ أمراً آخرَ هو بغاية الأهمية للمراقب الحريص على تتبّع آيات الله في كتابيه العظيمين : القرآن الكريم والكون العظيم ، هذا الأمر ، هو كون الأشراط يساعد بعضها بعضاً ويساند بعضها بعضاً ويرفد بعضها بعضاً ، تستقطبها قوانين ونواميس ، صحيح أن العلم أدرك منها الكثير بإذن رب العالمين ، إلاَّ أن أكثرها لم يدركه العلم بعد ولن يدركه . من ذلك ، الإنشقاق في الأوزون الذي يتواءم مع الغيوم الحرارية والأوزون والغيوم الحرارية يتواءمان في إذابة الجليد وتسجيـر البحـار أي ملئها ، والأرض بتخليها عن النفط في داخلهـا تساهم في تسجير البحار أي اشتعالها ، وهما أي الملء والاشتعال ، معنى قوله تعالى :
{ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ }P(1) P.
وكذلك هذه في أشراط الساعة .
وقبل أن ننتقل إلى أهم وأبرز الأشراط ، نعود إلى الآيات التي ذكرنا من سورة (الإنشقاق ) لنذكر معانيها ، ولا قوة إلاَّ بالله الحبيب .
فمجمل القول في الآيات الخمس الأولى من السـورة المباركـة والتي أولها { إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ } أن هذا الأمر العظيم وقع ، وأن بداية هذا الإنشقاق ، هي الثغرة الحاصلة في طبقة الأوزون في القطب الجنوبي { وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ } أذِنَتْ : أصبحت أذنـاً صاغية تتلقى الأوامر التي تحقق الأشراط الكونية للساعة ، وهذا أمر بدأ منذ بداية الإنشقاق ومنذ اكتشاف الغيوم الحرارية ونتائجها { وَحُقَّتْ } أصبحت كالحقّ بضم الحاء. وهو إناء مستدير يوضع عادةً فيه الطيب . { وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ } بالعدّة والعدد ، مثل ذلك قوله تعالى :
{ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ . … }P(2) P.
{ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ } .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة التكوير ، الآية 6 .
(2) سورة المؤمنون ، الآية 55 .
وألقت ما فيها من النفط وتخلّت أفرغت . ومعنى ذلك اكتمال الآية ووصول هذا الشرط إلى الأوج .
ولا يغيبن عن بالنا ، أنه للأهمية البالغة لشرط الإنشقاق هذا ، فقد سميّت في القرآن سورتان باسمه ، هما سورة الإنشقاق وسورة الإنفطار ، وهما كما هو معلوم ، بمعنى واحد ، وسنمر إن شاء الله تعالى على الأشراط التي في ( الإنفطار) عند تعرضنا لأهم الأشراط الباقية .