البدو الحفاة يكتسحون العالم

بسم الله الرحمن الرحيم

 البدو الحفاة يكتسحون العالم

 

        ليس جديداً هذا الذي سأكتبه ، وإنما لشدة ما يؤرقني ، ولكثرة ما يفعل في أعماقي ، وربما حتى في عظامي ، أحسبه جديداً جداً في كل مرة أتذكره ، وما أكثر ما أتذكره .

        الكلام هو عن هذا النبي الأمّـي ، الذي جمع حوله أقل قوة ضاربة في التاريخ ، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، أكثرهم حفاة ، وأكثرهم سلاحهم دون مستوى حروبهم ، وكلهم أو معظمهم فقراء جياع ، شبه عراة ، قادهم هذا الذي اسمه محمّد (ص)  فضرب بهم أول ما ضرب  ، وكأنما في مركز الكرة الأرضية ، فزلزل المركز ، وأخذت تتسع به وبهم ثم بالذين اتبعوه بإحسان ، دوائر الزلزال . حتى أخضع الأرض كلها لسلطان السماء .

        هذا المشهد الظاهري ، يفهمه كوصف وموصوفين كل الناس وإنما فهماً سطحياً .

        هذا المشهد ، في هذه الكلمات المطلة كأنما من رأس جبل لعله عرفات ، تختصر تاريخاً ضخماً  يقدر بأكثر من سبعة قرون من عمر الزمان .سبعة قرون خضراء حمراء … حمراء خضراء … دائبة ناشطة تطبعها البطولات والفروسية ، وشهامة الرجال ، وعنفوان المغاوير ، ورهج السيوف وتصهال الخيل . حتى لم يبق مكان في الأرض معروف آنذاك ، إلاَّ وكان له نصيب من وشم  السنابك وخفـق

الرايات وطيران الأسنة .

        هذا الكلام موقف ، هو موقف تاريخي بصري ، شهوده الكتب وأقلام الخلق.

أما المشهد الباطني الذي تغطيه هذه الكلمات ، فهو غير ذلك . المشهد الباطني ، هو أن هؤلاء القوم ، بقوتهم الصغيرة العالمية الضاربة ، اعتقدوا شيئاً ، اعتنقوا شيئاً ، وهذا الذي اعتقدوه واعتنقوه ، هو الذي فتح لهم أبواب السماوات وسلّطهم على الأرض ، وجعلهم بحق أساتذة أهلها . هذا الذي اعتقدوه وأعتنقوه ، إسمه الإسلام .

وهذا الكلام موقف، هو موقف واقعي قلبي، شهوده الجوارح وأقلام الحق.

فما هو هذا النبي (ص) ؟ وما هو هذا الإسلام ؟ وما هو هذا السلاح الذي هزوا به العالم حتى استيقظ من غفوته ، وقلبوا به وجه الأرض الجدب الكالح يومذاك ، وزرعوه بالسندس والبركات وشقائق النعمان .

أما عن محمّد * فلن أتكلم وأطيل ، فبحسب محمّد *  قول الله فيه من فوق سابع سماء :

{ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ . مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ . وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ . وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } . [ ( 1 ـ 4 ) : القلم ] .

وعن الإسلام كذلك لن أتكلم وأطيل . فبحسب الإسلام كذلك قول الله فيه :

{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ } .[19 : آل عمران ] و{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } . [ 85 : آل عمران ] .

وقوله جلَّت عزّته :

{ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } . [ 32 : التوبة ] .

وقوله عزّ شأنه :

{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } . [ 33 : التوبة ] .

أما السلاح الذي جلوا به الظلام وأطلقوا به فجر الحق ، وحطموا به أنياب الوحوش والأفاعي ، وأسقطوا به عروش الظلم والبغي والطغيان ، وحرروا به إنسانية الإنسان من عبادة الحجر وعبادة البشر ، فهو مذهب الإسلام ، نهج محمّد (ص)  وأتباع  محمّد (ص) ، عنيت به التوحيد الحق ، الذي عرشه  القلب والعقل، والنفس والروح ، والسمع والبصر ، وتفان في حب الله وسبيل الله والشوق إلى الله .

ذلك سلاح  أنصار الله  الذي فتح الله لهم به الممالك ، وضمن لهم شرف الدارين ، الدنيا والآخرة .

فعن هذا السلاح المقدس ، بل السلاح الأقدس ، عن التوحيد ، مذهب محمّد (ص) ، وأتباع محمّد (ص) أتباع الله عزَّت عظمته ، عن هذا المذهب  ، مذهب الفتوحات الإسلامية ، والجهاد الإسلامي ، بإذن الله تعالى  سأكتب ( عبراً تراثية ) ، صوراً ووقائع  ومواقف ، من التي في سبيل الله وحده ، وهي التي أذن الله أن تقوم على أساسها  أمة عظيمة ، ودولة عظيمة ، صهرت الأجناس  وأزالت الفوارق وقضت على العصبيات المنكرة . ولم يسبقها من قبل ولم يلحقها من بعد ، أمة بنيت على أساس  دين التوحيد ، ولا دولة .

فاليهود ما فتحـوا فتحاً ، لا على اسم الله ولا في سبيل الله  ، ولا بنوا دولة ، سوى هذه التي هي على كفِّ عفريت ، لأنها لا على اسم الله ولا في سبيل الله . ما بنوا وما فتحوا وهم اليوم على كف عفريت ، لأنهم تحكمت بهم العنصرية والعرقية والإنغلاق .

والنصارى ، ما فتحوا باسم الله لا فتحاً ولا بنوا دولة ، بل تلقفتهم منذ البداية دولة وثنية ، ثم دول وثنية ، استظلوا بظلها واحتكموا لقوانينها ، وما زالوا لتاريخه يستظلون ويحتكمون إلى أنظمة وقوانين وضعية ، يعني غير إلـهية .

والملل السماوية البارزة في الأرض اليوم  هي هذه : اليهودية والمسيحية والإسلام . فالإسلام وحده شكل أمة كانت لله وحده ، وبنى دولة  عظيمة على تعاليم  الله وحده . فرفع الله إلى السماء راياتها ، وأعلى قبابها  ، ونصرها بنصره  وأعزّها بعزته ، وقهر أعداءه وأعداءها بسلطانه . وامتد  ذلك بضعة قرون ، حتى دبّ الفسوق في الملوك ، وغلبت على أمرها الرعية ، وإنما بقيت  خزاناً للجهاد العبقري  كشف عنه بعد هذا النوم الطويل ، العدوان الصليبي على بلدان المشرق وبلاد المسلمين . وقبله غزو الوثنيين من البرابرة والتتار ، ويسَّر الله عزَّ وجل ، تأكيداً لوعده بحفظ هذه الأمة ، وإظهار دينه على الدين كله ، قوله سبحانه :

{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . [ 55 : النور ]  .

واستجابة لدعاء الداعين ، وابتهالات المبتهلين ، وإخلاص الموحدين ، يسَّر الله عزَّ وجل ، بين عربي وفارسي وكردي وتركي ، وغير ذلك من الأجناس والأعراق ، رجالاً أبطالاً مسلمين ، ذادوا عن شرف الإسلام ومقدسات الإسلام ، كذلك على اسم الله وحده ، وفي سبيل الله وحده .

إنما سقطت الدولة  ، وأصبحت دولاً تكاد تكون اليوم أصفاراً .

سقطت الدولة الإسلامية ، هذا صحيح ، لأنه واضح كعين الشمس ، ولكن لم تسقط الأمة . فالأمة الإسلامية ، ما زالت ذلك الخزان العظيم ، الكامن فيه الجهاد العبقري ، على اسم الله وفي سبيل الله .

الأمة الإسلامية ما زالت مشروع الدولة العالمية الموعودة ، التي سترسي أسس العدالة الإلـهية وتحفظ كرامة الإنسان . ولذلك حوربت من طواغيت الأرض ، وما زالت تحارب وستبقى تحارب ، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .

{ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ } . [ 55 : الذاريات ] .

نذكر من له حول وطول ، بالعمل بحوله وطوله في حدوده القصوى . ومن ليس له حول وطول ، بالصبر الجميل ، والتبتل والدعاء ، دعاء المضطرين :

{ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ }. [ 62 : النمل ] .

فعسى الله  العزيز الرحيم  أن يمنَّ على المسلمين بفتح هذا الخزان ، خزان  البطولات العبقرية ، التي سنرى إن شاء الله صوراً منها ومواقف ، على يد قائد موعود ، موحد غير مشرك ، يعضده قادة موحدون قرآنيون ، موحدون غير مشركين . فإن وعد الله حق  ، ولينصرن الله من ينصره فلا إلـه إلاَّ هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبَّار  المتكبر سبحان الله عمّأ يشركون .