التضحية … في سبيل شرف الغاية :
فالقرار المصيري ، يحتاج إلى شجاعة أصيلة ، إلى جرأة ، يوطن الإنسان معها نفسه ، على أن يضحي بصحبة الرفاق والرفيقات ، وإذا اقتضى الأمر بماله ومصادر ماله ، إذا كانت مظـنّة شبهة عنـده ، ويضحـي حتى بحب المجتمع له ، إذا كان المجتمعُ مجتمعَ رعـاع ، يحكمه أشبـاه الرجال ، ولا رجال .
وليجاهدنّ حتى يصل إلى حالة ، يفهم معها ، أنه أصبح فريـداً ، معتزلاً الناس ليس له أنيسٌ إلاَّ اللهَ ، ولا وليٌّ إلاَّ الله ، ولا حبيب إلاَّ الله ، عنـد هذا فليحمدنّ الله ، مصعداً بقلبه ، وكأنـه يرفعـه على كفيـه ، إلى الله تبـارك وتعالـى .
ولا يداخلنّه أنَّ ذلك رهبانية ٌ ، أو هروب ، أو حالة نفسية سلبية ، إنما هي أشد المواجهة ، وأروع التحدّي ، هي مرحلة في جهاد النفس عزيزة ، ييسّرها الله لمن يشاء من عباده ـ ومشيئة الله لا تتخلَّف عن مشيئة عبده ـ وهكذا يكون معها ـ مع النجاح ـ سرّ الانفتاح .
ولا يغيبنّ عن البال أنه طبيعي جدّاً ، لمن يتخذ قراراً بالتحوّل عن جوّ عاشه فترة طويلة من الزمن ، بما فيه من حميميات ، وعادات ، ووجـوه يألفها ، ومناخات ذهنية أنس بها ، طبيعي جـداً أن يجد صعوبة في تركها ، ولكن شرف الغاية وسموّ الهدف يهونـان كل ذلك ، حتى أنه يأتي يوم ، يصبح مجرد تذكر هذه الأجواء ، موجع لذاكرته ، بغيض إلى نفسه، فالهدف أسمى من التضحية بما لا يقاس .