الثواب بعد العذاب : حكم الله على النية المقرونة بالعمل :

الثواب بعد العذاب : حكم الله على النية المقرونة بالعمل :

        فذلك قوله تبارك وتعالى : { فَأَثَابَكُمْ غُمَّاً بِغَمٍّ } أي أن الغم الذي لحقكم في أُحُد ، قد أَلْحَق مثله بالمشركين حين ألقى في قلوبهم الرعب فولَّوا مغمومين هاربين منكم ، إذ تعقبتموهم وأنتم في حمراء الأسد .

        والحقيقة ،أنها قضية إن لم تكن فريدة في تاريخ الحروب ، فهي نادرة جداً . وهي كما رأينا وبإيجاز : رجل قائد مسلم لله ، هو رسول الله (ص) يقود جيشاً صغيراً ، يقاتل به جيشاً ثلاثة أضعافه ، فيهزمه هزيمة نكراء في البداية ، وتتغير النوايا في أكثر جيش محمّد (ص) ، فيقلب الله سبحانه الموقف عليهم ، فيقتل من أصحاب محمّد (ص) أشاوس وأبطال وأعظمهم قدراً كان حمزة بن عبد المطلب ، البطل المعلم الذي كانت تهابه مكَّة بأسرها ، وهو العمُّ الأحبَّ إلى رسول الله آنذاك ، فيغتاظ محمّد (ص) أشد الغيظ ، ويتفرق عنه المسلمون ، مصعدين في جبل أُحُد ، فراراً من عدوهم الذي كان منهزماً أمامهم لساعات خلت . ويُجْرَحُ القائدُ النبيُّ (ص) جرحاً بليغاً في وجهه ، ويجرح العشرات كذلك ، وتنجلي ساح المعركة، بعد أن ذهب المشركون منتصرين ، عن مناظر تفتك في نفوس المسلمين الذين عادوا لتفقد قتلاهم ، فتكاً ذريعاً ، كان حرياً معها ـ لولا اليقين والإيمان العظيم بالله ـ أن ينهزم محمّد (ص) هزيمة نفسية ، هو ومن ثبت معه ، لا سيما بعد أن شكك كثير من القوم الذين رجعوا والذين شاركوا في المعركة ـ بِنُبُوَّتِهِ ، وبوعد الله له بالنصر ، بعد أن باؤُوا بالقتل والجرح والهزيمة . ثم استقبال المنافقين لهم بالشماتة ، وكذلك الفرحة التي عمَّت اليهود في حصونهم في المدينة وخارجها . كان كل ذلك محتملاً أن يقعد بالمسلمين هؤلاء عن متابعة القتال في اليوم التالي ، وخصوصاً لأن جراحهم ما زالت نازفة ، وكسورهم موجعة ، والإرهاق الذي أصابهم لا يزول بنوم ليال .