الجنون … أو الجهاد في سبيل الله :
هذا الموت الأسود والموت الأسمر في بلاد الذلّة والإستكانة وبلاد المجاعات ، يقابله في بلاد الديمقراطية الجائرة ، والحرية العربيدة ، انتفاخ بالثروات وإغراق بالرفاه ، وفائض عظيم عن حاجة المستهلكين . يتجلى بالإنفاق على الحيوانات والطيور الأليفة بما يعادل رفع العوز عن سكان العالم الثالث قاطبة .
وما لا يمكن أن يصدّقه بشر ، ولكنه الحقيقة المفزعة ، أن هذا الفائض يتلف تحت عين الشمس ، إمـا برميـه في البحـر وإمـا بإطعامـه للنّار … هكذا وأفواه الأطفال الجياع فاغرةً أمام أعين الحكّام الذين يتلفون
الفائـض أمام أعين سكان الأرض وملائكـة السّمـاء . وهو أمر أقل ما يقال فيه ، أنه جنون كافر أو كفر جنوني . ولولا نعمة الإيمان بعدالـة الله وانتقامـه العاجـل والآجـل ، وبأن الأرض محطـة قصيرة المدّة ، للجياع والمتخمين في آن واحد ، وبأنه لحكمة يطول شرحها ، ابتلى هؤلاء بالفقر المضني وابتلى هؤلاء بالثراء الفاحش ، وابتلانا معهم على شتى مستوياتنا :
{..وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ..}(1).
لولا كلّ ذلك ، لكان جنون العقلاء من سلوك أهل الجحيم هؤلاء ، أقرب من إشعال الثورات ضدّهم . ولكن الحمد لله الذي عافانا من ذلك ، حيث جعل لنا متنفساً شريفاً ، وجعلنا به شهداء على الناس ، بأن نكون ثوّاراً على الفساد والظلم والإفساد ، وأكرمنا سبحانه بأن نكون مجاهدين في سبيله ، إرساءاً لشريعة العدل ونعمة الحرية ، ودفعـاً عن المستضعفـين من عباده ، وحَرْباً على أوغاد الأرض ولصوصها وطواغيتها .