الرسل … أم الفلاسفة ؟
بعد أن عقلنا الأصل الأساس الذي هو التوحيد ثم منه عقلنـا النبـوة والمعـاد وما يتفـرع عنهما ، نجد أنفسنا أمام رياضة من نوع آخر ، هي رياضة التلقي والتمثل والاستجابة ، رياضة أن تغتني النفس ويغتني القلب بالروائع ، بدءاً بأرقى تطلعات الروح : عنيت الحب ، طبعاً حب الله جلّ جلاله ، فكل حب دونه ، هو ظلّ أو انعكاس ، هنا إذا أهاب بنا الحبيب الأعظم ، إلى صلاة وزكاة ، وصيام وحـج وجهاد ، ولإقامة الدولة التي ترضيه ، والنظام الذي أمـر به ، والاحتكـام إلى ما شرّع هـو سبحانه ، لا ما شرّع الناس ، وإلى طاعته وطاعة نبيّه والقرآن الذي نزل على نبيّه وطاعة وصيّه ، وطاعة الأئمـة الأبرار وأولياء الله الأطهار وعدم الشرك ، وعدم الإهتمام بأيـة قوة في الأرض أو السماء غير قوته ، ومعرفة أن لا قوة إلاَّ به ولا عزّة إلاَّ به ولا نصر إلاَّ من عنده ، ولا كرامة في الدنيا والآخرة إلاَّ منه ، وحب أوليائه وبغض أعدائـه ، مـمّن لا يؤمن به ولا يدين بدينه، أو من هو سادر في معصية أو متلبس بظلم ،كل هذه الأمور مجتمعة مترابطة متماسكة هي دين الله تبارك وتعالى ، وإذا أخذ بعضها وترك بعضها فهو الشرك إذ ليس الشرك فقط أن نعبد الصنـم إضافة إلى عبادة الله سواء كان الصنم بشرياً أو حجرياً ، وإنما الشرك ألوان كثيرة ، معظم الناس واقع في جحيمها .
أوليس شركاً أن نؤمن بالله وندين بغير دينه ؟ أوليس شركاً أن نترك شرائع الله ونحتكم إلى ما يبتدعه الناس من قوانين ، أوليس شركاً أن نؤخذ بفلسفات ما أنزل الله بها من سلطان ، أوليس شركاً أن نتبع رجالاً مرضى النفـوس ، يشكّكون بالله وبدين الله ، وبنبوّة الأنبياء وخاصة بنبوَّة محمّـد ( صلى اله عليه وآله ) ومع ذلك نسميهم قادة وفلاسفة وعباقرة ، ثم نقول صدق رسول الله ، وصدق رسول الشيطان …
صدق نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد عليهم السلام ، وصدق فلاسفة المادة والإلحاد … وهل يجتمع النقيضـان . لِنَعُدْ إلى عقولنا نسائلُها : هل يجتمع النقيضان في عقل واحد ؟ إذا كان الجواب لا ، وهو قطعاً ، لا ، فإلى متى الإنتظار وداعي الله يدعوك أيها الإنسان إلى كرامة الدارين ، وسعادة الدارين وخير الدارين . وإذا كان الجواب أنه بالإمكان الخلط والترقيع ، فاتـّهم نفسك بالتزوير والفساد ، وجناحيك بالكساح وستقرأ يوماً ما بحروف قاهرة :
{ .. وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ( سورة النحل – الآية 33) .