الشذوذ الجنسي في الفرضيات

الشذوذ الجنسي بين الفرضيات والمفهوم الديني

 

أولاً : الشذوذ الجنسي في الفرضيات :

        أعني بالفرضيات  ، تلك التي تصدر عن الفلسفة في بعض فروعها ، مثل علم النفس والتربية ، وكذلك التي تصدر عن علم العضويات والتشريح ، أي السيكولوجي  والبيولوجي بشكل عام ، وهما المرجعان اللذان يستفتيان غالباً في المشاكل الناشزة والعادية .

        فبخصوص علم النفس ، فإنه ما زال يدعي نظريات وآراء ظنية ، موقعاً الناس عامة ، في كثير من الحيـرة والإرباك ، حيث أنه إلى الآن ، وبعد أكثر من مائة وخمسين سنة على نشوئه ، لم يقدم حلولاً ولا تفسيرات جذرية ،  لأبرز المشاكل والمخاطر التي تجتاح الأفراد والمجتمعات ، ولا سيما بلاد الرفاه والتقدم الحضاري المزعوم .

        ومن هذه المشاكل على سبيل المثال لا الحصر :  القلق والأرق  ، والأسباب  المؤدية للإنتحار ، ثم الجرائم بشتى وجوهها وأحجامها ، وأخيراً وليس آخراً ، إتساع موجات الشذوذ الجنسي ، وفظائع المخالفات الجنسية خاصة ، والأخلاقية عامة ، والتي تكتسح بلاد الغرب وتتسرب من نوافذ العلمنة في الشرق ، تحت عنوان الديمقراطية  ، هذه الفظائع  التي تتسبب بالأمراض الفتاكة المفزعة  ، والتي أبرزها الإيدز أو السيدا .

        وفيما يتعلق  بموضوعنا الشذوذ الجنسي  ، قدّم علم النفس الكثير  من النظريات منذ نشأته حتى اليوم ، وكما هو معلوم  ـ شأنه في معظم المواضيع ـ فقد وقع في تناقضات ، نعرض عن تفاصيلها ، حتى لا نذهب وقتنا ولا أوقات العقلاء سدىً . ولكن لا بد من إيراد  ولو نموذج واحد على ذلك : فمثلاً عندما  يستفتى الطبيب النفسي ـ حتى ولو كان شرقياً ـ  عن أسباب  الشذوذ الجنسي في المجتمعات الشرقية ، فهو يجيب أن الأسباب هي الحرمان من الإختلاط بين الذكور والإناث وضغط الأهل وقسوتهم على الأولاد ، وإستعمال كلمة  (عيب) أو ما شاكلها عند كل ملاحظة ( جنسية ) وبذلك يتشكل عند الأولاد عقدة الخجل ، ثم يحرمون من جميع المعلومات الضرورية التي تتعلق بالجنس .. إلخ .. فيحصل الشذوذ عند الجنسين ..

        يقول هذا حتى ( النفسيون ) الشرقيون ، علما أنهم هم كانوا  نشأوا  في نفس الجو التربوي في البيئة الشرقية ، فإذن ينبغي ـ حسب قواعدهم ـ أن يكونوا هم شاذين .. وإلاّ ..  فهم ضالون عن الحقيقة ، فيتحتم  عليهم أن يراجعوا معلوماتهم ، ويحاسبوا أنفسهم قبل يوم الحساب ..

        أما التناقض الذي أشرنا إليه في فرضيتهم هذه ، فهو أن الإختلاط بين الجنسين في بلاد الغرب ، معلوم أنه شأن عادي جداً ، ورغم ذلك فإن نسبة الشذوذ الجنسي تفوق بما لا يقاس ، ما هي عليه في البلاد الشرقية ، وكذلك  نسبة الجرائم  الجنسية بكل وجوهها ونعوتها وأوصافها .

        فكيف نتعامل مع علم النفس  ، ومع أي مذهب  من مذاهبه المتناقضة  وأية مدرسة من مدارسه التي بين الحين والحين يلغي بعضها بعضاً .

        هذا  بشكل عام ، وإن كان لعلم النفس بعض الإيجابيات ، والفتوحات المجدية ، التي نقدرها ، فإن أصحابها لا بد توصلوا  إليها بعناية من الله وحده لا شريك له . ويكون ذلك لصدق النية، والإستنارة بنور الله { ..اللهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسَالَتَهُ … سورة الأنعام الآية 124 } .

        أما فيما يتعلق بتعليم الجنس في المدارس والبيوت ، وهو أمر قائم  في أكثر الدول الواطئة  السكندينافية  ( البلاد الأغنى والأرقى والأعلى نسبة من الشذوذ والإنتحار ـ السويد مثلاً ) . كما انه ساري المفعول في الغرب ، ولدى كثير من المثقفين الشرقيين المتأثرين بالمناخ الحضاري الغربي ، فإن كثيرين منهم يدعون لتعليم الجنس في المدارس وفـي البيوت ، ولو عن طريق أشرطة الفيديو ، وكما أخبرنا أنها من مستدعيات غضب الله وسخطه ، ومن ثم تدميره البيوت التي تعرضها على رؤوس أصحابها ، ممن يراها ويتداولها .

        ونحن سألنا : ولماذا هذا التعليم  وهذه الإباحية ؟ وإلى هذه الدرجة ؟  يقولون لكي لا يقع الأولاد في العقد النفسية والشذوذ ، وليتعلموا كيفية ( المواقعة )  والإنجاب ، إنجاب أجيال قوية معافاة  ، من العقد والأمراض والشذوذ الجنسي …

ما شاء الله

        وكيف توالد الناس في الماضي العريق ، ومن أين أتت مليارات الناس الذين توالوا على هذه الأرض ، وكذلك من أين جاؤوا بما اشتهروا به من القوة والعافية  والفروسية ، والبراءة من فيروس عدم المناعة ومرضه القاتل ؟ وهم لم يتعلموا الجنس لا في المدارس ولا في البيوت . ولا توصلوا إلى عشر ما توصلت إليه حضارة العشرين ، من الشذوذ ، والغرق في وحول المادية واللاأخلاقية ، والتمزق النفسـي والبدنـي تحـت وطأة ( السيدا ) ومشتقاتها . أفليس من الممكن أن يكون تعليم الجنس بدون مبرر ، وهذا الإنفلاش الجنسي  الرهيب ، من أسباب هذا الطوفان البشع من الشذوذ والتسافد البهيمي .

        أما بخصوص علم الأعضاء والتشريح والطب عامة هو علم حقيقي ، ليس ظنياً ولا نظرياً ، إضافة إلى أنه محترم وضروري . إلا أنه أحياناً يشطح بعيداً ، باحثاً في أعضاء الإنسان ، عن أمور وأسباب ، ليس لها أي صلة ، بالتركيب العضوي الإنساني ، من حيث أصل الخلقة الفطرية . ومع ذلك لا بأس  بالبحث والتنقيب ، لأن  هذا العلم في النتيجة ، أشبه ما يكون بعلم الرياضيات ، إذا لم يجد ، يقول لم أجد . كما فعل إختصاصي الدماغ  العلامة (بنفيلد) ، في بحثه  عن العقل في الدماغ ، وكانت رحلته الشهيرة ، مع الألكترود  الكهربائي وخلايا الدماغ ، والتي استغرقت ثلاثين سنة ، ثبت له من خلالها أن الدماغ شيء والعقل شيء آخر ، ليس مادياً ، ولا هو في عضو  من أعضاء الإنسان .

        ولكن رغم ذلك كله ، لا بد من القول ، أن إختصاصيين في غير الدين ، يبحثون  في أمور هي وثيقة الإرتباط بالدين ، هذه البحوث هي تجاوز من حقل المختص إلى حقل غيره ، هي تحول عن منهجية إنسانية واضحة . ثم انه من حق كل مفكر ، بل من واجبه أن يركن إلى الدين  يستفتيه في شتى القضايا ، ولكن كذلك ، إما عن طريق الإختصاص ، وإما عن طريق المختصين  من أولياء الله وعباده العلماء الصالحين .

        فإن لم يجد الباحثون ، إجابات شافية ، في الدين ، لشؤون تتعلق بحكمته سبحانه ، وجب أن يتحولوا إلى العلم المنهجي التجريبي ، ومع ذلك سيظلون ضمن علم الله وهيمنته وتعليمه .

       ومثال على ذلك أيضاً ، فيما نحن بصدده ، أن بعض الباحثين من الأطباء العضويين ، يحتملون ، ـ والإحتمال كما واضح أمر ظني ـ أن سبب الشذوذ  الجنسي ، هو نقص في الدماغ ، في الجزء المسمى  ( تحت المهاد )  وهو الجزء الذي يتحكم بالسلوك الجنسي عند البشر .

        ونحن نقول من منطلق ديني ، أن الخطورة في ذلك أكبر من التصور  ، فإنهم بهذا ، ـ  إضافة إلى إباحة الشذوذ الجنسي  قانونياً في إنكلترا ، بالتزاوج بين الذكور ـ يجدِّفون على الخالق عز وجل ، وعلى خلقه ،  ويطعنون بعدالـة الله  وعلمه  وتشريعه ، لأن  قضية الشذوذ الجنسي على أساس هذا الإدعاء ستعتبر أمراً مفروضاً على صاحبه من أصل الخلقة .  وعلى ذلك سيقذفون إلى العمى  والسفالة والضياع بالكثير من الرعاع ، الذين ينعقون مع كل ناعق ، ويميلون مع كل ريح ، لأن كل واحد منهم سيحدث نفسه بتجربة الشذوذ ، ليتأكد ممـا إذا كـان ( تحت مهاده )  كاملاً أو ناقصاً . والتجربة  هذه ـ ما  لم تمنع ولو بسلطان الضمير الأخلاقي ـ ستصبح بالضرورة عادة ، وبذلك يكونون قد خلقوا عذراً لجماعات الشذاذ ، سرعان ما ستأخذ به قوانين الغرب ، وحكامه وقضاته ،  بحكم عاداتهم وسلوكهم في وضع القوانين والتعامل معها .

        ولكن أين التشريع المسيحي ، وأين الكنيسة من تعاليم المسيح عليه السلام ؟ صحيح أن الكنيسة ، أخطأت أخطاء فظيعة بحق العلم والعلماء . وصحيح أنها سلكت في القرون الوسطى وما بعدها مسالك ، كان من حق الملوك والحكام وشعوبهم معها، أن ينتفضـوا عليها ، ويفصلوا تبعاً لذلك ، الدين عن الدولة .  هذا على أن  تتسلم الدولة وظيفة العدالة وتطبيق الشرائع . ولكن أن ينسف الدين كله  من جراء ذلك ، كما فعلت الشيوعية ، أو أن  تنسف الشرائع المسيحية  برمتها  كما  فعلت دول الغرب عامة ؟!

        وأكثر من ذلك  ، فإن أكثر القوانين التي  وضعها رجال القانون الغربيون ، تخالف  الشرع المسيحي بشكل خاص ،  مخالفة واضحة فاضحة ، كما تخالف الدين الإلـاـهي بشكل عام . وليس أدل على ذلك ، من القانون الإنكليزي الذي يسمح بتزاوج الذكور ، ومثله في أميركا وغيرها من دول الغرب  ، قانون توارث العشاق ، وكذلك توارث الشاذين ، المرأة من المرأة ، والرجل من الرجل ، إلى غير ذلك الكثير من المخالفات المنكرة .

        لذلك كله أصبح الكيان الكنسي ، والمضمون التشريعي للمسيحية ، في حالة  بائسة من الهوان والتردي . لدرجة أصبحت معها أكثر الكنائس  الإنجيلية في أميركا  تزحف بإتجاه اليهودية ، عدوتها الأساسية ، وعدوة المسيح عليه السلام  ،  وتقيم  معها  مداخلات  تعتبرها مصيرية مشتركة ، وكذلك جملة من الكنائس الأوروبية والعالمية ،  التي سيست ، وأصبح أكثرها بؤر مخابرات للأجهزة الحاكمة ، كما كان الأمر في الإتحاد السوفياتي ، وذلك الذي استدعى غضب الله عليه ، وما زال لتاريخه في بداية العذاب .. الدنيوي إذ أن للآخرة عذاباً آخر . إلاّ من تاب وآمن وعمل صالحاً ،  وقال إني من المسلمين لله رب العالمين .

        ثم هذا العجب الذي نجده  في القيمين على الإعلام ، بجميع أجهزته ، وأرباب  الأقلام فيه ، فهم  في بحثهم  عن حلول  للمشكلات ، والسؤال عن أسباب الكوارث الإجتماعية ، تراهم أول ما يتجهون إلى جميع أهل الفكر والإختصاص ، إلاّ الفكر الديني والإختصاص الديني .

        وأيضاً لا بأس بذلك ، بل هو المفروض إذا لم يستثن الدينيون . وإذا إندرج جميع هؤلاء تحت عنوان : أهل الفكر المؤمن الجاد الرصين . فهؤلاء جميعاً هم  أركان المجتمعات وركائزها . هم من أولي الأمر  الذين ترتكز على أمثالهم الدول والأمم ، لكن بشرط  السلامة والكرامة : السلامة من كل داء نفسي  ، بما فيه الشذوذ .. وما أكثر الأدواء النفسية ، وما أكثر الشاذين ( فرضوا قبول ترشيحهم لإنتخابات بلدية .. في أميركا، وقد أعلن المرشح على الملأ كونه من الشاذين .. ) ، هذا شرط  السلامة ، وأما شرط الكرامة ، فأن يكونوا نظيفي الأنفس ، وعلى الأقل خلوقين ، هذا إذا لم يستطيعوا أن يبلغوا الغاية الحقيقية والخلاص ، يعني إذا لم يستطيعوا أن يكونوا مؤمنين ربانيين . لأن الإنسان بدون إيمان بالله الواحـد الأحد ، ولو كان خلوقاً ، فإنه يبقى ناقصاً حابطاً عمله ، وبالنتيجة من الخاسرين .. مؤبداً .