العبرة في كيفية استعمال الدماغ :
في الدماغ بصائر ، هكذا أثبت التشريح المتقدم الرائع ـ دائماً بفضل الله وبإذن الله ـ ففي كل خلية ذاكرة ذات فاعلية وإضاءة ونشاط عجيب . وهذه الذاكرات تعمل منفردة ومجتمعة بتنسيق إلـهي ، لم يستطع العلماء ومعهم الأجهزة الألكترونية ، أن يكتشفوا إلا جزءاً يسيراً من أسرارها ، ويقولون ما زال الدرب أمامنا طويلاً طويلاً .
وهذه الخلايا ـ البصائر ، إذا تركت على فطرتها متفتحة على بارئها سبحانه ، تتغذى بنعمته وتعاليمه طائعة وفيّة شاكرة ، رفع الله صاحبها درجة درجة حتى يؤتيه اليقين ، فيبلغ به ذروة الإنسانية ، حكمة وعلماً حقيقياً نافعاً ، وحضارة مؤيدة برضى الله مباركة ، أما بخصوص تساميه ، مرحلة مرحلة فلأن الإسلام درجات حدّها اليقين ، واليقين درجات، حـدها أن يغدو الإنسـان مصداقاً لقوله تعالى :
{ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا }(سورة الأحزاب ، الآية 39).
أما تعاليمه في هذا المجال فهي كثيرة . منها قوله تعالى :
{ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } (سورة طه ، الآية 14 ) .
وقوله سبحانه :
{ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }(سورة الحجر ، الآية 99 )
وقوله عز وجل ، إشارة إلى ابتلاء الإنسان وامتحانه مرة بعد مرة لرفعه درجة درجة:
{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا .. }(سورة البقرة ، الآية 124)
أما إذا لُوّثت هذه الخلايا بوحول المادية ، وبنـزعات النفس الأمارة ، وبهلوسات الفكر المنفلت من ضوابط الجد والاعتدال ، ووقع الإنسان في الإفراط أو التفريط في مجال نيته واعتقاده وسلوكه ، أخذت هذه البصائر في خلايا الدماغ ، تخبو شيئاً فشيئاً حتى تصل إلى درجة الإنطفاء .
وهكذا تعمى بصيرة الخلية ، بينما تبقى عاديةً نشاطاتها الفيزيولوجية بتعقيداتها العجيبة، كما يبقى عادياً غذاؤها الذي هو أرقى نوع في السكَّر ، وهو المادة المعروفة بالكليكوز ، حيث لا تتقبل غيرها ، باعتبارها أكرم خلايا البدن ، وتتحمل مسؤولية إدارته ، كما أراد لها ذلك مسبب الأسباب .
وبنقص المسـاحة النظيفـة ، المستنيـرة في الخلايا ، يلحـق النقـص بعمليات الضبط والربط ، ومن ثم القدرة على الذكر الحق والتذكر ، والتفكر في خلق السماوات والأرض ، ويصبح التفكير في درجات من الفوضى ، التي تُجْهِدْ صاحبها في محاولة تنظيمها ، ولا يلاحظها في أصحابها إلاّ المستنيرون . وقد يصل الأمر معها إلى أن تصبح فوضى كاملة ، فتؤدي بالدماغ إما إلى الإنفجار ، وإما إلى الإصابة ببعض أنواع السرطان حيث تتكاثر خلايا الدماغ بشكل فوضوي ، ثم تقع الكارثة .
ثم يأتي في الموضع المناسب من هذا الكتاب إن شاء الله ، بحث تأثر هذه الخلايا إما بالعقل فتكون النجاة ، وإما بالنفس الأمّارة فتكون الهلكة . وبذلك يتضح الأمر وينجلي أكثر فأكثر .