العقل ... أم النفس الأمّارة ؟
العقل يدرك الكمال … ويتكامل بخالقه .
في الواقع الموضوعي ، إن تاريخ البشرية المعـروف ، بما فيه من إيمان وإلحاد ، وفكر وفلسفات ونشاطات عقلية ، ما ادّعى فيه إنسان كمال العقل بمعنى أنه ينتج الكمال . أما بمعنى أنه يدرك الكمال ويتلقاه ، فمتفق عليه عند معظم الفلاسفة والمتكلمين والمناطقة ، سوى قلة من السفسطائيين لا يعتد بآرائهم . وصدق الله العظيم ، قوله :
{ …وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }سورة الإسراء ، الآية 85.
وقوله :
{ …وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا }سورة طـه ، الآية 114 .
وقوله :
{ …وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء …}سورة البقرة ، الآية 255.
فإذن : هذا العقل يقبل الزيادة ، وإذن فيه قابلية التكامل ، ولكن كيف ؟
والجواب : بالله … بما أوصل إليه من التنـزيل مضمونـاً أن لا يحرف ، وبعلم لدني بغير قلم: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(سورة الحجر ، الآية 9).
وقوله تعالى :
{ فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا }سورة الكهف ، الآية 65.
وبما يهدي إليه سبحانه من عرفانٍ مكتوب ٍ :
{ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ }سورة القلم ، الآية 1.
وبما يظهره إليه من علم ٍ مكنونٍ :
{ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }(سورة العلق ، الآيات ( 4 ـ 5 )) .
وبما يكشف له ما يشاء من الأسرار :
{ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ …}(سورة الفرقان ، الآية 6) .
ثم إن هذا العقل يرى أن العلم ما استطاع أن يدحض ولو إشارة بسيطة واحدة من إشارات القرآن . وإن كل كشف علمي لا يتم إلاَّ بإذن الله تعالى ، سواء أتى هذا الكشف على يد مؤمن أو يد ملحد :
{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُـمْ أَنَّهُ الْحَقُّ …}(سورة فصلت ، الآية 53 ).
وإن القرآن أخبر عن حقائق وأسـرار ، كان يجهلها أهل الأرض وقت نزوله ، ثم عرّفهم الله بعضها عملياً بعد أكثر من عشرة قرون من تنـزيله . وإن القرآن ما زال فيه علم ما يجهله الناس في هذا العصر ، رغم تقدم العلوم ، والمستقبل حقيق أن يكشف هذا الأمر ، كما عودنا القرآن المجيد في أيامنا هذه وفي العصور السالفة وحتى قيام الساعة .
والإنسان المفكّر ينبغي أن يسأل : من أين أتى القرآن بهذه الأسرار والمعلومـات ؟
والجواب أنه من الله الذي لا إلـه إلاَّ هو وحده لا شريك له .
هذا السؤال والإجابة عليه إذا عُقْلِنَ النظر فيهما لعرف الناس أن الله عزّت قدرته هو وحده وراء كلِّ علم ٍ حقيقيٍ وكشفٍ علميٍ في مشارق الأرض ومغاربها وفي الكـون كلّه ، منذ خلق السموات والأرض ومن فيهما ومن بينهما . هذا العرفان ، يجب أن يغدو عامـل خجـل وإدانة قبل الدينونة ، لأصحـاب الرأي الشائع بين معظم المثقفين اليوم ، حول ما يسمّـونه سلبية الدين في التعامل مع الكشف العلمي ، وهذا الرأي خلاصته أن التديّن كان بشكل عام ، عائقاً عن الإكتشافات العلمية ، وإنتاج العباقرة ، ولذلك بقيت المجتمعات المتدينة ، تعاني من الفقر والتأخّر والأميّة العلمية . فالحمد لله على نعمـة التديّن ، والحمد لله الذي اختصّنا بمعرفته ولم يشغلنا بعلم سيكون عاراً وشناراً ودماراً على أصحابه في الدنيا والآخرة .