الغيوم الحرارية ( علميّاً ) هي الكسف ( قرآنياً ) :
بدأت الحكايـة تتصعّـد في مطلـع الثمانينات ، بعد أن كانت بيـن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الزخرف ، الآية 4 .
العلماء ، حديثاً هامسـاً متسائـلاً يتلوه مـطّ الشفاه الذي يرسم علامات الخوف والاستفهـام .
وفجأة ارتفع الصوت وبحدة آتياً من فرنسا ، وعلى لسان رئيس أكبر مؤسسة مناخ في أوروبا ، مركزها باريس . هذا الصوت جلجل منذراً بغرق باريس بعينها ، وكذلك بعدة عواصم أوروبية ، ودول أبرزها هولندا والبلدان الواطئة بشكل عام .
ثم ارتفع صوت آخر ، أكثرَ حدةً ، وأبلغَ تخويفاً ، وهذه المرة من نفس هولندا ، والصوت يقول بالحرف الواحد : ” أعدوا القوارب ” وفي نفس هذا الإنذار المرعب تفصيل نوجزه بأنه هذه الغيوم الحرارية ، تتكاثف أكثر فأكثر ، حتى أنها شكلت درعاً حول الكرة الأرضية ما زال يقترب شيئاً فشيئاً من هذه الكرة ، فيحبس الحرارة ، التي كان من شأنها الصعود بحرية إلى الأجواء العليا ، أما الآن وقد أصبحت حبيسة ، فهي تؤثر سلبياً في عدة اتجاهات منها ذوبان الجليد في أنحاء الأرض ، وخاصة في سيبيريا والقطب الشمالي وبصورة أخصّ في القطب الجنوبي في القارة الجليدية المعروفة باسم قارة ( الانتاركتيكا ) والذي إذا ذاب جليدها وحدها ، يرفع منسوب البحار في العالم إلى عشرين متراً عمودياً ، ممـّا يتسبب بغرق ما يزيد على 75 % من سكان الكرة الأرضية .
ومنها تدفئة مياه المحيطات التي تساعد أيضاً في إذابة الجبال الجليدية الهائلة الحجم ، واقتلاعها من أمكنتها ، وكذلك إذابة السابح منها في البحار والمحيطات ، والتي يظهر منها عادة فوق مستوى البحار ، حوالي العشر فقط لثقلها وكبر أحجامها .
وآيه ( الكسف ) هذه ، هي من الأشراط التي ستبقى ردحاً من الزمن ماثلـةً ، هكذا جهاراً ، ليلاً ونهاراً ، أمام المراصد ، والمختبرات وأمـام العلماء ، وبالتالي أمام جميـع الناس ، تذكرهم بدنـو القيامتين الصغـرى والكبرى ، حتى إذا مضت الحرب ، وبقي من أعـداء الله وأهل الشرك بقيـة،
ظل هذا الكسف إلى يوم الصعقة الكبرى ، وله باطن للمؤمنين فيه الرحمـة وظاهر فيه العذاب لأعداء دين الله . كذاك السور الذي يضرب يوم القيامـة بين المنافقين والمؤمنين ، يوم يحشرون جميعاً إلى الله العليّ القدير :
{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ }P(1) P.
عمياء هي علوم الحضارة الزنديقة ، وفي أحسن حالاتها هي عشواء أو قصيرة النظر . إذ أن علماءها لا يفكرون بقيام الساعة على أنها بأمر إلـهي ، وأنه سبحانه وتعالى جعلها حشراً للعالمين لحسابهم وبعدها إما إلى جنة وإما إلى نار .
علماء الحضارة ، حتى ولو استشعروا نهاية العالم ، فهم يقفون عند هذه النهاية ، وقوفاً فيه من البله والغباء ما يبعث على الدهشة ، لا سيّما إذا استعرض الإنسان نسبة وصولهم العلمي والتربوي والإقتصادي والسياسـي والصحّي والإنساني ، إلاَّ أن العاقل بعد التحقيق والتدقيق ، والنظر إلى هذه العناوين بنور الله تبارك وتعالى ، يجد أنها عناوين فارغة ، فالعلم عندهم والتربية والاقتصاد والسياسة والصحّة والإنسانية والفنون ، وكل شأن حياتي من شؤونهم ، إنّما هي أمور يوجهونها أفقياً ، فتأخذ خط الانحناء الذي يؤدي بالضرورة عندنا إلى الهاوية :
{ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ }P(2) P.
فمثلاً هم يقولون إنَّ الغيوم الحرارية هذه ، ناتجة عن تزايد ثاني أكسيد الكربون ، المتصاعـد من احتراق الزيوت وجملة أنـواع الإحتـراق في المصانع والسيارات . وكذلك تزايد قطع الأشجار في الغابات ، وكذلك تزايد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الحديد ، الآية 13 .
(2) سورة القارعة ، الآيات ( 10 ـ 11 ) .
السكان في الأرض ، مـمّا ينتج زيادة في التنفس ، وهم يبذلون جهوداً كبرى في هذه الأيام ، للخلاص بأية وسيلة من مداخن المصانع التي تلّوث البيئة ، حيث توجد ، وتلـحق الأضرار الفادحة ، بالإنسان والحيوان والنبات .
وهكذا يسهبون في ذكر الأسباب ، وتستغرق تقاريرهم ومؤتمراتهم ساعات طوالاً ، وأياماً وشهوراً من الدراسات . ومع كلّ ذلك ، وخلال كـلّ ذلك لا تجد في تقاريرهم ، ولا مؤتمراتـهم ، ولا عبقرياتهم أثراً للاعتقاد بحاكميـة الله ، وبوجوب الخشية من الله ، وبوجوب إلتـزام تعاليمه ، لكي يرفع هو سبحانه العذاب النازل ، والنذير الماثـل أمامهم مثول السيف الذي بعرض الآفاق على الأعناق .
وخلاصة موقفهم أنهم أخذوا بالعلم منقطعاً عن الله وعن دين الله . وذلك قول الله تبارك وتعالى فيهم ، وفي أمثالهم من الماضين والباقين ، في جميـع الملل والمجتمعـات والحضـارات ، حيث تكون مفاجأتهم بقيـام الساعـة ولات ساعـة مندم :
{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ }P(1) P.
كان لزاماً عليهم أن يقيدوا العلم بما أنـزل الله ، فاكتفوا بالعلم فرحين به مزهوين ، وطرحوا ما أنزل الله عزّ شأنه .
ذلك أيضاً قوله تعالى فيهم وبأمثالهم :
{ فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون . فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ }P(2) P.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنعام ، الآية 44 .
(2) سورة غافر ، الآيات ( 83 ـ 84 ) .