القرآن تبيان لكل شيء
ووجهان لحديث : ( قيّدوا العلم بالكتاب ) .
ما أرمي إليه ، هنا ، ابتداءً ، هو التنبيه إلى المصدر الأعظم ، المدوّن ، في شتى مجالات العقـل والحياة ، عنيت القرآن الكريم ، لقول الله تعالى فيه ، عزّ من قائل :
{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ، وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(سورة النحل ، الآية 89) .
تبياناً لكل شيء في تشريع الكون وتشريع الحياة : من الفرد إلى الأسرة إلى المجتمع إلى الدولة إلى الكون طرداً وعكساً وهذا الكلام ، لكل عاقل رصين ، أو متعقل ، وليس للذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون .
ولذلك سيتأزم ، عند قراءة هذه السطور غير العارف بالقرآن وبعظمة رب القرآن فينفر ويستكبر. وإذا كان خلوقاً ليّن الطباع ، فسيطالبنا بما قلنـاه نحن عن القرآن ، من أنه ليس كتاب علم تفصيلي ، وإنّـّما هو كتاب دين فيه ضوابط لمسارات العلم من جهة ، ومن جهةٍ ثانية ٍ ، حقائق علمية تستدعي الكشف عنها حسب تطوّر البشرية ،فضلاً عن أسرار مستحيلة على البشر ،يفاجأ بها الإنسان حين كشفها ، منها على سبيل المثال ، استخـراج أسرار الذرة ، والتحوّل العلمي الألكتروني الخطير الذي ترتّب على ذلك . ونحن عند قولنا ، فينبغي أن يدقّق المعترض ، ليتيقن أنه لولا العلامـات الضابطة ، والثوابـت العلمية في القرآن والمتعلّقـة بما ذكرنا من المـواد والموضوعـات العلمية ، لكان انهار الإسلام كبرنـامج حضاري منقـذ للبشرية ، وكرسالة وكدين ، ولكان ترنـّح وسقط في فوضى ومفارقـات الحضـارة الغاشمـة ، لا سيّما في مجالات الفكر والتنظير والفلسفات المتضاربة ، فضلاً عن البحـوث الظنّية والنظريـات والاحتمالات التي لا يمضي على بعضها ردح من الزمان ، أو حتى لا يحول على بعضها الحول ، حتى تسقط وتصبح باطـلاً ، بعد أن كانت مظنونة حقّـاً اعتنقه ملايين البشر ، وما زال الأمر كذلك ، وما زال القرآن وسيبقى منارة الضبط والتوجيه والتصحيح ، وتقويم المعوج ، وتقديم المنطلقات ، التي توفّر الجهد وتختصر الطرق ، وتقود إلى الطريق المستقيم . يعنـي إلى صراط الله عزّ اسمه .
ولشدّة يقيننا بهذا الأمر ، ولو تميع دونه الغافلون ، الذين اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ، وخاضوا خوض الهِيْمِ ، فيما دون القرآن من المدونات المأجورة والمهجورة ، والموضوعة والمستعارة ، والتي فيها التشدّق أكثـر مـمّا فيها وَرَعُ العلماء ويقين العلماء ورصانة العلماء ، نعم تركوا القرآن والعلـم والعقل ، وتنكّروا للعلوم العصريـة على خطورة ولزوم ما يجب لزومه من معظمها ، هجروا كل ذلك ، إلى نبش قبور الفكر والتعبّد بهـا ، فوقعوا في حيـرة وأوقعوا الناس وما زالوا .
وتأكيداً على ما ذكرت من عظمة القرآن وشمولية القرآن ، يقينيّ بأنه ليس عبثاً قـول الله تبارك وتعالى عن القرآن ، أنه تبيـان لكل شيء ، الآية آنفاً ، وكذلك قوله عزّ شأنه :
{ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }(سورة الااسراء الآية 88) .
فمن يدعي أن هذا القول ، إنما قاله سبحانه وتعالى ، فقط للتدليل على بناء القرآن وأسرار بنائه وتركيبه وإعجازه ، من ادّعى ذلك فهو قصير النظر ، كليل الفؤاد واهي الجناح ، وما قدّروا الله حق قدره .
والحقيقة أن هذه الآية إنّما تعني ذلك ضمن وجوه من المعارف لا تكاد تحصى ، ولكن يتبين المقصود من مداها وأبعادها ، عند ربطها ، بقوله سبحانه :
{ .. وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ .. }(سورة النحل الآية 89) .
فتنجلي عندها البصائر والأبصار .
وقد قدمنا في بحوث سابقة ، أمثلة ، عن دلالات القرآن وإرشاداته ، منها نظرية النشوء والإرتقاء ، وكيف أنقذنا الله بالقرآن من السقوط في بهيميتها وإن الحقيقة هي عكسها فقلبها وجعلها وقوداً على أصحابها .