القرآن لا يخطىء وإنما قد يخطىء المفسرون :
صحيح أنه قد يبطل العلم اعتقاداً سائداً في قضية علمية قيل أن القرآن قبلها قبل ذلك. فإن حصل هذا الأمر ، فلا يتهم القرآن ، وإنما يتهم مُفسِّرو القرآن .
الواجب أن ترفض النظرية ، ما دامت نظرية ، حتى تثبت بالبينة . ومن جملة البينات ، صريح القرآن وإشاراته ، إلاَّ أن يحصـل غالبـاً ، هو عكـس
ذلك ، فهناك من الباحثيـن المسلمين ، من تبهرهم النظرية العلميـة بمجرد أن تعلـن ، فيعتبرونها من المسلمات ، ويحاولون فهم القرآن على أساسـها ، لا فهمها في ضوء القرآن ، وهذا يجري حتى في مجال العقيدة . فعلى سبيل المثال : قضية البعث أو القيامة أو اليوم الآخر ، فقد أصبح هناك اتجاه ـ حتى عند بعض من يكتبون إسلامياً ـ لاعتبار يوم القيامة ، أنه سيقع كما قررت القواعد العلمية ، مثل قاعدة فقدان الطاقة التدريجي. أو على أساس أن الأجرام السماوية ستتصادم ويكون الدمار الكوني، ويقدّرون لهـذا الأمر ملايين أو بلايين السنين.
ونحن لا نرد النظرية العلمية المحققة ، نظرية ( فقدان الطاقة التدريجي ) فهـذا ناموس في جملـة النواميـس الإلـهـية ، من مفرداته جميع الأجرام الكونيـة ، ومنها شمسـنا ، وعلى أساس هـذا الناموس ، يرشحها العلمـاء للخمود والإنطفاء . ونحن نؤّيد هـذا النامـوس وفاعليتـه حكماً ، إلاَّ أننا ننكر ادعـاء تعطيل الشمس عن فاعليتها كما ننكر ادعـاء أن القيامة مرهونة بنفاد الطاقة ، طاقة الشمس أو غيرها، لأن صريح القرآن ينفي ذلك بوضوح ، ويقـول في الساعـة أو القيامـة أنهـا { تأتيكم بغتـةً } وأنهـا من أسرار الله سبحانـه :
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي..}P(1)P.
{ .. وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ .. }P(2)P.
ثم من الدلالات القرآنية الجليـة على أن السـاعة تقوم والحياة على الأرض عادية ، إذ لو كانت مرهونة بنفاد الطاقة ما بقيت على الأرض الحياة لا الإنسان ولا غير الإنسان من الأحياء :
{ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ..}P(3) P.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأعراف ، الآية 187 . (2) سورة الزخرف ، الآية 85 .
(3) سورة الزمر ، الآية 68 .
أو { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ }P(1)P.
أو { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ .مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ . فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ }P(2) P.
فلذلك كله يجب على البشرية أن تتوقع قيـام الساعـة ـ عبر تحقق أشراطها القرآنية قياماً مباغتاً . وحيث أن الأشراط يواكب بعضها بعضاً من حيث التحقق ـ فنحن إذن في آخر الزمان ، والساعة على الأبواب .