القرن العشرون الميلادي
في مواجهة أشراط الساعة
بعدما استعرضنا بالآيات الكريمة مجريات ما سيحـدث بعد القيامة الصغرى ، أي الحرب العالمية ، من سقوط قوى الطغيان في العالم عامة ثم سقوط دولة بني إسرائيل في الشرق الأوسط بشكل خاص . ثم بعد هذين السقوطين قيام المجتمع الفاضل متمثلاً بالدولة الإسلامية المباركة من رب العالمين . نعرض لأشراط الساعة التي تتحرك بين ظهرانينا منذ أمد اقله بداية القرن العشرين الميلادي . وهي تتكاثف وتتواكب أكثر فأكثر كل ما مضت الأيام وصولاً إلى تجلّيها علمياً في العقد العاشر الذي نعيشه حالياً من هذا القرن . ومع ذلك ، مع أنها تقرع بقوة أبواب الساعة أو القيامة الكبرى على مستوى الكون ، مع ذلك كلّه فإن الناس لا يعون منها إلاَّ الوجه العلمي منفصلاً عن وعد الله ووعيده وعن الدين بشكل عام ، يتساوى في ذلك المسلمون في أقطار العالم مع غيرهم من أصحاب بقية الملل .
ومن الايات الكريمة الفذّة التي تربط بين الشأنين الكبيرين شأن القيامة الكبرى الكونية والقيامة الصغرى الأرضية ، قول الله عزّ من قائل :
{وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ . فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ . يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا
هُمْ يُنصَرُونَ . وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}P(1) P.
وقبل أن نشرح الآية الأولى ربطاً بالحقائق العلمية التي هي الآن راهنة في السماء ، نوجز مجمل معاني الآيات الثلاث ، في نقاط ثلاث :
أولاً : ( إذا رأوا كسفاً ) ، والكِسْف ما يغطي الشيء أو يحجبه ، والمقصود هذا الذي أسموه بالغيوم الحرارية ، يقولون هذا سحاب متلبد متراكم ، والحقيقة أنه ليس كذلك ، بل هو ساقط من السماء وليس متشكلاً حسب ناموس تشكل الغيوم بمفاهيمنا الأرضية . وهو علامة للقيامتين : الكبرى كما هو واضح ، والصغرى كما سنرى في النقطة الثالثة .
ثانياً : في القيامة الكبرى يصعقون ، فلا يغني عنهم كيدهم في معاندتهم لله عزّ وجلّ ولا يجدون ناصراً ومن هنا يبدأ العذاب الأكبر، عذابهم في الآخرة .
ثالثاً : وفي الآية الثالثة إشارة للقيامة الصغرى ، والمآسي الناتجة عن الحرب التي سيعاني منها موقدوها الويلات ، بما قدمت أيديهم ، وهذا ما أسماه الله عزّ وجلّ بالعذاب الأدنى ، في إشارة إلى عذاب الدنيا ، كما أشار إلى عذاب الآخرة بالعذاب الأكبر :
{ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ .. }P(2) P.
وواضح أن هذا المعنى يوافق قوله عزّ وجلّ في آية الطور الثالثة المشار إليها آنفاً وهي قوله تعالى : { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }P(1) Pكناية عن ويلات الحرب ومآسيها ، وما يرافقها من تغيرات سلبية في المحيطات والأرض والسماء ، كلّ ذلك مواكباً لهذا الشرط من أشراط القيامتين الصغرى والكبرى ، والذي هو الكسف الساقط من السماء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الطور ، الآيات ( 44 ـ 47 ) .
(2) سورة السجدة ، الآية 21 .
ثم لنخشع الآن بكل جوارحنا ، مع آية ( الكسف ) هذه كما سنخشع حتى الفناء في فناء الله ، حبّاً له وخشية ًوتعظيماً ، يشعرنا بعده وبعد كلّ خشوع وخضوع ، وخشية وتعظيم ، بالأمن والسكينة ، ويؤيّدنا بحفظه ونصره وحبّه . جلّ شأنه وعزّت قدرته ولا حول ولا قوة إلاَّ به . وسبحانه وتعالى عمـّا يصفون وعمـّا يشركون .
فكلمة ( الكسف ) هذه فيها ثلاثة قراءات في ثلاثة معانٍ متقاربةٍ متداخلةٍ ، مقصودة في ما ترمي إليه الآية ، وليس ذلك بعجب ، لأنه من شأن القرآن الكريم ومن إعجازه فهو عند الله عليّ حكيم :
{ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ }P(1) P.
وأحسن القراءات لكلمة الكسف هذه هي التي بفتح الكاف وتسكين السين لأنها تعني إلقاء حجاب على الشيء بما يسبب حجبه أو إظلامه نسبياً أو كليّاً ، وهذا أمر واقع اليوم ، وهو الذي أصبح معروفاً تحت اسم الغيوم الحرارية ، التي تلف الأرض ، وتشكل حولها درعاً حسب تعبير أحد علماء المناخ الهولنديين . فما هي هذه الغيوم الحرارية ، التي يقرع علماء المناخ بسببها نواقيس الخطر ، والتي عقدت لها الدول الكبرى والصناعية ومؤسسة الأمم بضعة عشر مؤتمراً دولياً لتاريخه ، وستبقى تعقد المؤتمرات ، وذلك لمنع أسبابها ، ـ حسب ما يظنون ـ ودرء أخطارها الجسيمة التي من جملة ما تهدّد به العالم هو إغراق عواصم ودول ، في أوروبا كما في أميركا كما في شواطىء شبه القارة الهندية ، وغيرها من بقاع الأرض ، كما بمياه البحار والمحيطات كذلك بمياه الأنهار الكبرى والأمطار الغزيرة والطويلة الأمد .