اللاأخلاقية … شعار حضاري عالميٌّ معلن :
إذا احتاج الإنسان إلى أي لون من ألوان العون أو المساعدة ، فمن البديهي أن يحكم العقل باللجوء إلى الأقوى يعني إلى المهيمن على مراكز القـوى ، الذي هو الله سبحانه ، تارة من الله إلى الأسباب ، وتارة من الأسباب إلى الله ، والأُولى أولى وأرقى وأكثر عدلاً ، وأعزّ وأزكى ، وأشرف وأعلى ، وأبلغ قرباً وأكثر حباً أما مع الثانية فينبغي العمل ضبطاً وربطاً مع مراكز القوى ومتفرعاتها ، على أساس أنها وسائل يُتَوَسَلُ بها إليه سبحانه يَسَّرَهَا للعوام ، الذين يرتاحون إلى الوسيلة والواسطة ما دامتا توصلان إلى الغاية ، أما شرف الوصول إلى الغاية بدون وسيلة ولا واسطة ، فليس للعوام ، وإنما هو لمن يجتبيهم الله ويختصهم بعلمه وبفضله وبرحمته ، على أن يتمَّ نشاط الفريقين ، في ظلّ شريعته ، وفي ظّل كلمته ، فإذا كانت كلمة الله هي العليا ، استراح الناس وسعدوا بربّهم ، وسعد الإنسان بأخيه الإنسان .
ولكن الشائع بين الأفراد ، وبين الدول ، في حضارة هذا العصر ، هو التنافس الشديد ، من أجل الوصول إلى أهل الحل والربط ، من الساسة والعسكر ، وأرباب المال ، وطواغيت الثقافة التبنية ، والتراث المكرور ، الموميائي ، المحنّط ، مـمّا يؤدّي إلى التنافر والتزاحم والحسد، من جانب ، وإلى تكاثر النماذج المفرغـة من المناقـب والقيم والتجدّد النورانـي ، من جانب آخر .
وهكذا يبذل الوصوليون ، على درج المادية ، مالاً وعرقـاً ، وهدايا وتزلفاً ، وجهوداً كبيرة ورياء ، بين زحف وركوع وهدر كرامات .
والله يغضب من ذلك . وغضبه عقوبته .
فعلى صعيد الأفراد ، من لو استطاع أن يكون مطية ، أو حتى أسيراً عند حاكم ، أو متسلط ، أو نافذ من أكلة الجبنة ، وحظي منه بحاجته ، فذلك هو الذكي ذو العقل الكبير المفلح المنجح . ومن لم يستطع يتدرج على الهرم الحضاري ، وكم تَدْمَى على هذا الـهرم الأقدام والركـب ، للوصول إلى أهـل ( السرايات ) .
والله يسخط على ذلك . وسخطه عذابه .
وتبقى في صدور الطموحين على صعيد الدنيا ، غصص لا تبـرأ ، إلاَّ عند جنـرال، أو أيّ ضابط أو حتى شرطيّ . هـذا في بلاد الأمـان . أما في بلاد الفلتان ، وانقلاب المقاييس وفوضى القيم ، فعند زعيم الميليشيا
اللادينية واللاأخلاقية أو عنصرٍ من عناصره المسلحين ، أو السفاحين … باسم الدين .
وباسم الدين قتلوا ونهبوا واعتدوا وروّعوا الشيخ والصبي والمرأة والطفل الرضيع ، ولقد لفحتكم نارها يا قادة الغرب والشرق ، أفلا تتّقون الله فيهم وفي شعوبهم المقهورة بديمقراطياتكم العجيبة . والعين الطماحة ، أبداً على السدة ، حيث منها ” الشطار ” يشمّون ويضمّون زهرة الحياة الدنيا .وهكذا ضحاياكم بين التآمر السياسي والخلق الحضاري الهجين .
والله يمقت كل ذلك .
لذلك القيامة الصغرى وأهوالها على الأبواب .
ولغة ( الشطار ) نجدها منطقاً مقبولاً جدّاً تحت راية العلمنة ، أو الشعوب التي أعلنت استقلالها كليّاً أو جزئياً عن الله جلَّت عظمته وعزَّ شأنه ، وعن رسالته التي تقرأ في الإذاعات كما يقرأ النشيد الوطني في لبنان أو في حيّ هارلم في الولايات المتحدة ” والله أعلم حيث يضع رسالته ” .
ومعظم الناس مع هذا المنطق فريقان : الأول فريق اللادينيين ، الذين تعاقدوا مع الدنيا ضد الآخرة ، لمدة في العقد أقصاها مائة سنة ، مع حسبان المفاجآت ، من صدم وبتر وموت ومرض … يحتاطون لها بإحالتها على شركات التأمين .
والفريق الثاني هم الدهاة بين ملحد ومشرك ومنافق ، ومنهم دينيو الثوب ، حيث الجوهر يقرئكم السلام ، تجار فجار ، يتذرعون إلى صيدهم بالتواضع المصطنع والتمسكن والمداهنة :
{ .. يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }(سورة النساء ، الآية 142 ).
وقوله سبحانه كذلك فيهم :
{ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } (سورة البقرة ، الآيات 9 ـ 10) .
أو هم من ( الحواريين ) الذين تلبسوا دور موسى وهارون ، ونسوا كفر فرعون وهامان … وشغفوا حبّاً بقارون …
وكل ذلك يتداخل على سبيل التفصيل ، في اللاأخلاقية الدولية والعالمية التي نتحدث عنها .
وأمثلة على ما شوّه أهل الحضارة في الحضارة ، تلك القيم التي هي ركائز الإنسانية ، والتي هي كما أراد الله سبحانه ، قواسم مشتركة ، بين الشعوب على اختلاف الأجناس والملل ، التي هي ثوابت في مفاهيم البشـر ، لا تؤثر في النظر إلى قيمتها الإيجابية ، لا العصور ، ولا مزاعم الجدلية التاريخية والصراع الطبقي .
وهذه الثوابت ، مثل نصرة الضعفاء ، ومكافحة الظلم ، ونشدان الحرية ، والعفة ، والحكمة ، والحشمة ، والكرم والشجاعة في الحق ، والحلم والتسامح ، والدفاع المشروع… إلى آخر ما هنالك من أصول وفروع الأخلاق ، التي بها يكون الإنسان إنساناً ، والأمم أمماً .
أما إذا طغى فيها الإنسان سقط من إنسانيته ، وإذا طغت فيها الأمم ، تحوّلت إلى عصابات لصوصية وقرصنة ، كما هو واقع الحال ، والشواهد على ذلك ماثلة للعيان ، مدوية في الآذان ، تعبر عنها طرق التهديد والابتزاز الحقيرة السافلة ، كما تنطق بها المدافع والقذائف واستعراضات الأساطيل في البحار والأجواء ، والتي تزرع الحقد حتى في قلوب ملايين الأطفال ، الذين يحلمون وهمّهم الأعظم أن يكبروا لينتقموا وهم سيشكلون في المستقبل القريب أكثر من ثلثي العالم ، فكيف تفهمـون الدين ، وإن لم يكن لكم دين فأنتم تزعمـون الديمقراطية ، فأيَّة ديمقراطيـة تمـارسـونهـا ، وإن لـم يكن ديمقراطيـة ، أفمـا بقية من أخلاق وحكمـة وإنسانيـة ؟ أيـة سياسـة تنتهجـونها يا قادة ويا سادة ويا أتباع.
وما رأيكم بإبادة هؤلاء الأطفال ، يعني إبادة شعوبهم لتتخلصـوا من هـذه الورطة، وهذا مستحيل ، لأن الله عزّ شأنه يحفظهـم ويحميهـم حيث قد جعل لهـم شأناً لن يطول الزمان حتى يظهره :
{ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا }(سورة الطلاق الآية 3).
وإن لم يكن خوف من الله المنتقـم الجبـار ، أفـما تخجلـون مـن نسائكم ؟ إن كنّ ما زلن يقدّرن أخلاق الفروسية ورجولة الرجـال . وما رأيكن يا نساء العالم وفيكنّ رئيسات الوزارات ورئيسات الجمهوريات ، وهل أطفالكم يا نساء العالم ويا قـادة ويا سادة ، أفضل من هؤلاء الأطفال الذين يرتجفون كفراخ العصافير إذا بلّلها المطر ، يرتجفون من هداياكم إليهم ، ومتى كان السم هدية ، متى كانت الصواريخ والقذائف المحرقة المدمرة هدايا للأطفال تمزّقهـم أو تروعهـم يا نساء العـالم ، ويا رجـال العـالم ، ويا قـادة ويا سـادة .
وانحراف الفرد وانحرافات الأمم عن دين الله ، من مستدعيات غضبـه جلّت عظمته، والعقـوبات بين معجـل ومؤجل ، وكثيراً ما تكـون العقوبـات واقعة على إنسان ما ، أو مجتمع ما ، ولكن أكثر الناس بحكـم تعاملهـم بالمعادلات الزمنية والظاهرية ، ولعدم حرصهم على الإيمان ومعرفة الله سبحانه وتقواه ، تغيّب عنهم الحقائق التي في المعادلات الإلـهية ، والنتائج المترتبة عليها ، والتي قد يكون فيها الخسف والقصف ، أو الإغراق في الرفاه والنجاح الظاهري المؤقت ، ولكنه الملغـّم بأسباب الدمار والهلكة .
وهذا واقع الحال في حضارتنا حضارة القرن العشرين ، في شتى بقاع الأرض ، ولكل بقعة حساب ، والله أسرع الحاسبين .