الله الجمال  :

        قد يقول قائل ، وماذا ترك الله سبحانه للشعر والشاعر ، وماذا تركت أنت أيها الكاتب الرجعـي المتزمت ، الفاقد الشاعرية ؟ أقول ، مهلاً ، وهوّن عليك ، ودعك الآن يا أخي من الأودية ، وصعّد معي إلى رأس جبل عال ٍ ، والآن ، تأمل ..  في كل اتجاه .. فبشرفك الشاعري ، أما ترى ملكوت الله تبارك وتعالى ، أوسع وأرحب من الأودية الآنفة الذكر ، فضلاً عن طهر الملكوت ونظافته ؟  املتفت أنت إلى هذا الكـون كم هو نظيف في أصل الخلقة ، ورائحته كم هي طيبة ، أوليست وصفة ممتازة لحل عقد الأدمغة ؟ أما تحس صدرك أوسع وتنفسك كحركة جناحي نسر في مطر محبب خفيف ؟ .

        ادع الآن كما دعا الإمام زين العابدين عليه السلام : ” اللهم إني أسألك من جمالك بأجمله ، وكل جمالك جميل ، اللهم إني أسألك بجمالك كلّه … ”  ثم اطلب حاجتك .. واصدقني القول : أما تحس في فمك بقطرة نور ندّية ؟ وفـي قلبك بقطرات ؟ وفي أذنيك  بموسيقى السماء ؟ ثم هذه الألوان النابضة بالحياة على رحابة ما بين هنالك ، وهناك ، وهنا ، وفي عينيك ، أهي كذلك في لوحات الرسّامين ؟! …

        بين داود النبي ـ باعتبار المدونات ـ والإمام زين العابدين بن الحسين  بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وهما قمتا الشعر الإلـاـهي الذي كتب بالريشة  النورانية ـ نظماً ونثراً ـ  عرفت الأرض شعراً إلـاـهياً كثيراً وشعـراء ربانيين ، أبهجوا السمع والعين ، وأنبتوا للقلوب المُحِّبة لله ، أجنحة مثلها أجنحة النجوم اللازوردية .

        كذلك نتاج الذين أعاروا لله جماجمهم ليستوفوها مباركة يوم القيامة ، مثبتين جميعاً ، أن الشاعرية الحقيقية الأصيلة ، إنما هي في شعر القمم المتطلعة أبداً إلى خالقها ، وليس  في شعر  أودية الأبالسة والزحافات .

        وإذا كانت رؤية أنصار مدرسة ” الفن للفن ” لم تتوصل إلى هذا ، فلأنها رؤية مكفوفين ، رؤية بعين خفاش ، وجناح دوري ، وحوصلة دجاجة .

        أصحاب البصائر ، والأجنحة القوية ، والأرواح الصافية، تتكون عندهم بفعل عقيدة التوحيد ، وفاعلية الحب الإلـاـهي ، شخصيات هي في المعادن بمنزلة الذهب والفضة ، كلما انصهرت ، كلما زادت نقاءً وصلابة ، فإن شيبت بما دونها ، نزلت قيمتها ، وهكذا حتى الإبتذال . ومن هنا نفهم كيف يكون معنى الإخلاص لله عزّ وجل ،  إخلاص المعدن الإنساني المتميز ، إخلاص جوهر النفس لله ، ولدين الله ،  وبدين الله .  هذا الكلام ليس للملاحدة ، ولا للنرجسيين المغرورين ، ولا للامعات النكرات ، وإنما هو للمؤمنين الذين يقولون ويرددون : لا إلـه إلاّ الله لا نعبد  إلاّ إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون .  وكذلك يقرأون ويرتلون قوله عزّ شأنه :

       { وَمَآ أُمِرُواْ إلاّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ  الّدينَ حُنَفَآءَ .. سورة البينة الآية 5 } .

        تعذر الببغاوات .. وأما الإنسان الذي خلقه ربه جل شأنه في أحسن  تقويم ، أما يستحي أن يردد ولا يطبّق ، ويقول ولا يفعل ، وكتاب الله  المجيد يعلن :

{ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ . سـورة الصـف الآية 3 } .