الله صاحب العصر والزمان :
والأعجب من هذا كله ، إني عاشرت أناساً هم في موقع المسؤولية الدينية ، يحصرون المصير والمستقبل ، وحتى تفاصيل الأمور الدولية تحت عمامة مخلوق من عباد الله ، وينتظرون بفارغ الصـبر مُنقـذاً من الخلـق وناصـراً
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة ق ، الآية 16 .
(2) سورة المجادلة ، الآية 7 .
من الخلق وهادياً من الخلق ، بينما المنقذ والناصـر والهادي أقرب إليهم من دمائهم ، وهو معهم أينما كانوا وهو الله الذي لا إلـه إلاَّ هو العزيز الحكيم ، ينسونه سبحانه ويتوكّلون على عباده ، وإن نوقشوا في الأمر ، لفّوا وداروا ثم ادعوا الزُلْفَى ورجاء الشفاعة ، اللتين بريء الله منهما إذا كانتا في واقع شرك أو جحود :
{ .. مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا }P(1)P.
ليس هذا الكلام تنكّراً أو إنكاراً للمهدي المنتظر عجّل الله فرجه الشريف ، فإن معظم كلامنا الذي دار حول وعود الله عزّ وجلّ بنصر الإسلام في هذا الزمان ، وبميراث الأرض ، وبالفتح المبين الذي تزول معه دولة بني إسرائيل ، كان إشعاراً وإشارةً إلى قرب موعد بعثه عليه السلام .
ولكن الطامة الكبرى ، التي طمّ بها أكثر الذين ينتظرون بعثته الميمونة ، هي أنهم نسوا الله ، وتعبدوا لعبده المهدي المنتظر ، الذي ناصيته بيد الله ، والذي لا حول له ولا طول ولا قوّة إلاَّ بالله ، فأخذوا ينادونه ويدعونه ، ويسألونه حاجاتهم ، ويشكُون له الزمان والأيام والأقوام الظلمة ، وهو إذا كان بعيداً لا يسمع ، وإذا كان قريباً لا يستجيب ، والدليل على ذلك كثرة دعائه وندائه من قِبلهم ، وعدم الإجابة من قبله ، ذلك عبر مئات السنين ، بمصائبها وملماتها وكوارثها ، وظلم الظالمين وغدر الغادرين ، وكثرة الوقعات التي شاب ويشيب لها الأطفال . ثم إذا هم قوّموا الحصاد والمحاصيل ، رجعوا بخفي حنين . ومع ذلك ما يزدادون إلاَّ دعاء ونداء وكتابة لافتات : يا مهدي أدركنا ، ويا صاحب الزمان أدركنا ولا مجيب …
فيا الله ، يا ربنا وربهم ، يا رب العالمين ، أدركنا وأدركهم ولا تجازهم بأقوالهم وأعمالهم فإنهم لا يعلمون . ربنا واشرح صدر عبدك المهدي عليه السلام ، ويسّر أمره ، وانصره على أعدائك وأعدائه نصراً عزيزاً ، وفرّج بـه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الكهف ، الآية 26 .
كربات هذه الأمة المسلمة لك ، وآتها ما وعدتها على رسلك ، فإن وعـدك الحق ، وأنت العزيز الحكيم ، الحليم الكريم ، وأنت أرحم الراحمين ، وأنت صاحب الزمان ، والأزمنة والأمكنة :
{ .. مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}P(1)P.