الله قال في الشعراء :
بقلب أسرعت نبضاته ، وبعقل حائر ، لجأت إلى الملجأ ، إلى الله تبارك وتعالى استنير بنوره في ظلامـي وظلام ما حولي ، وتشرفت بكتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أقرأ القاعدة التي يقوّم بها الله عز وجل الشعر والشعراء وأهل الفنون عامة ، منذ الإسلام وحتى قيام الساعة ، معلناً مقته وبغضه سبحانه للشعراء والفنانين الضالين المضلين :
{ وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبعُهُمُ الْغَاوُونَ . سورة الشعراء الآيـة 224 } .
وقبلها قوله تعالى :
{ هَلْ اُنَبِّئُكُمْ عَلَىا مَن تَنَزَّلُ الشَّيَـاـطِينُ . تَنَزَّلُ عَلَىا كُلِّ أفَّاكٍ أثيم ٍ . يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأكْثَرُهُمْ كَـاـذِبُونَ . سورة الشعراء الآيات 221 ـ 222 ـ 223 } .
فنفهم من ذلك ، أنه كما يلقي هؤلاء سمعهم وأكثرهم كاذبون ، لمن يتنزّل عليهم من الشياطين ، كذلك الغاوون الذين يتبعون الشعراء هم يلقون إليهم سمعهم ، فالغاوون الذين يتبعون الشعراء هم بمنزلة كل أفاك أثيم وأكثرهم كاذبون . وشعراؤهم بمنزلة الشياطين .
باستشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، انفجر ثانية سد مأرب وإنما هذه المرة ، بتراكم الأحقاد الأموية وأحقاد الشرك عامة على الدين الحنيف ، وعلى من رفعوا ألوية الإسلام الحقيقي العظيم . إنفجر السد شعراً سياسياً أرعن ، سرعان ما طغت عليه مفاهيم جاهلية لقرب العهد بها . وقد تركز على ثلاث محاور فنية ، خطط لها معاوية : المديح والفخر والهجاء المقذع ، وظل معاوية يغذيه ، حتى كاد يصرف الناس كلياً عن القرآن الكريم ، وعن الصحيح من أحاديث رسول الله (ص) ضمن خطة رهيبة واكبت فيما بعد طوفان الشعر ، وبدأت خطوطها تتوضح بعيد وفاة رسول الله (ص ) ، كان من أخطر البدع التي جاءت فيها مفهوم الإجتهاد والقياس ومفهوم الصحبة لرسول الله ( ص ) ، فاعتبروا الأخطاء الفادحة الفاحشة إجتهاداً ، ومن يأتي بها مأجور عند الله سبحانه ، حتى رغم مخالفتها الصريحة للكتاب والسنة ، واعتبروا حتى رسـول الله ( ص ) مجتهداً في جملة المجتهدين ، يصيب ويخطيء ، وإننا إذ نستن بسنته قد نكون على خطأ ، رغم صريح الكتاب الكريم فيه :
{ وَمَا يَنطِقُ عَن ِ الْهَوَى . إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى . سورة النجم الآيات 3 ـ 4 } .
وكذلك وضعوا حديثاً عن لسانه ( ص ) ليبرروا فيه أخطاء بل وجرائم بعض الصحابة المنحرفين والحديث المزعوم هو : أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ، فكان ممكناً على ذلك ، الإقتداء بالمغيرة بن شعبة وهو صحابي زنى وشهد عليه أربعة ثقاة ورغم كل ذلك لم يوضع عليه الحد ( فكان ذلك اجتهاداً مع النص ) ، وبالأمثلة عن أشباهه كثيرة ، هذا فضلاً عن أنهم قربوا أمثال المغيرة ، بينما استبعدوا الذين نص الكتاب على وجوب طاعتهم ، كما استبعدوا الكثير ممن أجمعت الأمة على فضلهم وصدقهم وجهادهم في سبيل الله . ولذلك كله تفاصيل تطول ، نكتفي منها بهذا الإلماح لضرورة إيضاح المطلب الذي نحن بصدده .
ولولا فضل الله على هذه الأمة ، وحججه في أرضه ، ودعائم دينه من أهل بيت النبوة ومن أوليائه في كل عصر ، لكان عذاب الإستئصال .
هكذا ، وبعد معاوية ، درج الخلفاء على خطته . أما بخصوص الشعر ، فبعد أن كان ينشد إنشاداً ، صار يغنّى وتعاقر معه الخمرة عهد يزيد بن معاوية . ثم بلغ الأمر بالبلاطات الأموية ، أن جعلته مادة المجالس الأولى التي لا يتقدم عليها شيء . بخلاف معاوية الذي كان يقدّم على الشعر ، الأحاديث الموضوعة والأخبار المختلقة ويعممها على الناس ضمن هالة قدسية ، كان المجتمع ما زال مأخوذاً بها لقربه من عهد النبوة الميمونة .
وإذا كانت لعنة الأبد على بني أمية مذبحة الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته في كربلاء ، فأسقطت الأقنعة والبراقع المزيفة واستيقظت الأمة على هذه الفاجعة المروّعة التي زلزلتها زلزالاً . فكانت ثورة التوابين ، ثم ثورة زيد بن علي بن الحسين ( ع ) ، وهكذا نشطت عملية فرز في الأمة بين موالين للحكومات التي تحولت إلى ملكية وراثية استبدادية ، اتخذت القمع وسفك الدماء على الشبهة وسيلة لتثبيت الحكم بدلاً من شريعة الله السمحاء ، وبين معارضين تحلقوا في البداية ، حول راية الحق معروفة عند أئمة أهل بيت النبوة (ع) ، حيث الغاية القصوى لهذه المعارضة ، هي نصرة دين الله عز وجل ، إحقاقاً للحق ، وإرساءً للعدل ، وتوحيداً للأمة على أساس تعميق فكر التوحيد ، وتثقيف الجماهير بمقتضيات أصول هذا الدين القويم وفروعه .
وهكذا فإن لله أنصاره عزّ شأنه ، وللحق أهله ، ولا يخلي عزّ وجل الأرض منهم وهو القائل تبارك وتعالى :
{ يُريدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله ِ بأفْواهِهمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورهِ وَلَوْ كَرهَ الْكَـاـفِرُونَ . سورة الصف الآية 8 } .
فمن من الشعراء انتصر وما زال لله سبحانه ، ولدينه ، ولحملة راية الحق في كل زمان ومكان ؟! ومن هم شعراء الضلالة الذين كانوا وما زالوا مصـاديق لقولـه عز شأنه :
{ وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبعُهُمُ الْغَاوُونَ . ألَمْ تَرَ أنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ . وَأنَّهُمْ يَقُولوُنَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ . سورة الشعراء الآيات 224 ـ 225 ـ 226 } .
الذين يمقتهم الله عز وجل ويحشرهم مع شياطينهم ؟! إلاّ أنه تبارك وتعالى استثنى المستنيرين منهم بقوله :
{ إلاَّ الّذينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـاـلِحَـاـتِ وَذكَرُواْ اللهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمُ الّذينَ ظَلَمُواْ أيَّ مُنقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ . سورة الشعراء الآية 227 } .
هم الشعراء الذين أبرز ميزاتهم الإيمان بالله الكبير المتعال ، وبأصول دينه وفروعه ، والصلاح قولاً وعملاً ، والإكثار من ذكر الله في شعرهم خاصة وفي حياتهم عامة ، ثم الإنتصار له عزّ شأنه ولأوليائه ولدينه ثناءً على الحق وأهله ، وهتكاً للباطل وأهله . هؤلاء الشعراء هداهم الله إلى الطيّب من القول ، وشرّفهم بين مهديين ومهتدين وجنّبهم تبعية الغواة ، والهيمان في كل واد وجنبهم قول الزور .
ومع كل ذلك ، ما زال شعراء الضلالة ، وهم الأكثرية الساحقة ، بين قريض ( شعر فصيح ) وشعر عامي ، ماضين في الغواية والإغواء ، وصلب روحية المجتمع المستلب بالموسيقى المخدرة وأنغام الجحيم . ومعظم الناس حولهم في هذه الأودية ، كالقطعان السائبة ، منهم من يصفق إعجاباً ، ومنهم من يترنح طرباً ، وأبدع بدعة فيهم ، أنك إذا أقنعتهم بضلال المحتوى وفسوقه ، يتجلون ويتأنقون بالكلام ، ويقولون بإعجاب المفتـون : وإنمـا هذا شعر ! .. وأعذب الشعر أكذبه ! .. نعم ، هم يقرّون بالكذب الذي يبلغ درجة الفحشاء والوقاحة والخسة وإنما يفصلون الحقيقة البشعة ، ويتعبدون بثوبها الجميل النجس ، أليس هذا مما يبعث على الأسى والأسف والحزن المرير .
ترى ، من أين أتوا بهذه المقاييس ، بعدما أطلق الله عزّ وجل تلك القاعدة القارعة ، واضحة جلية وبدون أدنى لبس .