الميزان الجريح … بين العنصرية والمجاعة :
من هنا ترى أقبح ما في الحضارة اليوم ، نفاق أسيادها بتبجحاتهم عن العدل والحرية ، سيّما الدول التي تدّعـي الديـن والإيمـان بالله تحـت عنوان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الرحمن ، الآيات ( 7 ـ 8 ) . (2) سورة الزمر ، الآية 9 .
(3) سورة فاطر ، الآية 28 . (4) سورة الحج ، الآية 8 .
الديمقراطية والتفوّق الحضاري ، وهي التي جرحت العدل عميقاً في وجهه ، وأَدْمَتْ الحرية ، بإخلالات في فهم الإنسان عجيبة ، منها التمييز العنصري والتمييز الديني والتمييز السياسي ، بتحكم فاجر أرعن إذا استعرضت بعض تفاصيله ، جعلت الدم يغلي في عروق أي إنسان ما زال ضميره بين جنبيه .
وهم يعملون بهذا التمييز تارةً بدون إعلان ، وتارةً بشكل معلن وبموجب قرارات يبتزونها من هيئة الأمم المتحدة التي أخضعوها بالإرهاب لمشيئاتهم . وهنا تتجلّى عظمـة الإسلام بمفهومه التطبيقي عن العدالة والحرية . قول الله عزّ وجلّ :
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }P(1) P.
وقول رسوله محمّد صلى الله عليه وآله الذي أصبح قاعدة عفوية في سلوك المسلمين مع أجناس البشر : ” لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلاَّ بتقوى الله … الحديث … أو كما قال صلى الله عليه وآله “.
وفي مقابل هذا الإسلام ، باسم الديمقراطية الهجينة العجيبة ، تذبح الأخلاق والقيم الإنسانية وتُهْتَكُ الحقوق ، وتفتعل الفظائع ، فمن إشعال حروب أهلية ، إلى تدمير شعوب مستضعفة وتجويعها وقهر شعوبها شيوخاً وشباباً ونساءً وأطفالاً أبرياء ، إلى وجود مجاعاتٍ حقيقيةٍ في الأرض ، على أن كل هذه الموبقات والجرائم التاريخية يمكن تلافيها بأهون السبل، بشرط بسيط ، هو أن يرجع الكفرة الوحوش ، عن كفرهم ووحشيتهم ، هو أن يوحّدوا الله ويخافوه ، إذا كانوا فعلاً يؤمنون به سبحانه وتعالى عـمّا يشركون .
فنظرة إلى الكرة الأرضية اليوم ، تراها قد أصبحت كرية صغيرة ، بعد التقدم التقني في المواصلات السريعة ،وسقوط ما يسمّى بالحدود الطبيعيـة ، من جبـال وبحـار ومحيطـات، وأهـل الأرض بـدوا عليهـا جيرانـاً متقاربين،إن لم نقل مجتمعاً إنسانياً واحداً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الحجرات ، الآية 13 .
ومع ذلك نسمع في الإذاعات ، ونقرأ في الصحف ، وعن ألسن أقطاب الفكر والسياسة ، تصنيفاً لأهل الأرض ، وأكثر ما تتردّد ، عبارة ( العالم الثالـث ) كناية عن تأخّره في المجال الإقتصادي أو الصناعي أو التقني ، وذلك يوحي بأنه أدنى قيمة ودرجة من العالمين الأول والثاني ، وهي إهانة جدّ مقبولة عند أهل هذا الثالث … وصلافة جدّ معقولة من سارقي ثرواته ، اللصوص المثقفين بالنفط واليورانيوم .
والأدهى من هذا كلّه ولعلّه الأقبح والأعظم عاراً في جبين عدالتهم ، أن تشاهد في كثير من الليالي ، على شاشات التلفزيون ، وصفحات الجرائد والمجلات إضافة لقهر الشعوب وتجويعها وتخويفها صوراً حيةً ، لشعوب ، بأطفالها ونسائها ، وشيوخها ورجالهـا ، وهم من شـدّة الهزال كالهياكل العظمية ... تراهم ، وأيديهم على بطون غرثى ، يتضورون جوعاً ، ويموتون موتاً بطيئاً ... هكذا ، أمام عينيك ... وأعين سادة الأرض . الذين تراهم على نفس الشاشات يخطرون بأثـواب الرفاه في قصورهم الفخمة وسياراتهم الفارهة ، وطائراتهم العدوانية ... وهم أينما حلّوا ، يتحدثون عن عدالتهم ، وأنهم حماة العدالة والحرية والديمقراطية في العالم .