أُمَمٌ تتحول إلى قراصنة ودين التوحيد ممنوع :
نعم ، { إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى } صدق الله العظيم .
طغى الإنسان في ميزان الحضارة والله عزّت قدرته يقول له :
{ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ . وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ }(سورة الرحمن ، الآيات 8 ـ 9) .
وهو يعمل كذلك على مسخ الأرض ، ففي المدن الكبرى من أوروبا إلى أميركا إلى الصين إلى اليابان ، تضيّق أنفاس الناس لتناقص الأكسجين في الهواء وتزايد ثاني أوكسيد الكربون فمن هذه الزاوية فقط يسيرون باتجاه الكارثة ، فكيف سيكون الحال مع بقية الزوايا الفتاكة والأسباب المدمرة ؟
أما السبب الأساسي في الوجه القبيح للحضارة ، هو نسيان أن الحضارة بإيجابياتها وجمالياتها ، هي من نعم الله وعطاءاته ورحمته :
{..وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا..}(سورة إبراهيم ، الآية 34 ) .
والله يبشّر الشـاكرين ، بالزيادة من فضله وينذر بالعذاب الشديد الذين يكفرون بنعمه، يعني لا يشكرون الله عليها لا قولاً ولا عملاً ، قوله تعالى:
{..لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }(سورة إبراهيم ، الآية 7) .
والعذاب يضرب به أو يصيب به قرى ومدناً وأمماً ، وأفراداً وجماعات بين خسف وقصف، وحروب وفتن ، وبلاءات وأمراض ، وخوف ومجاعات :
{ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }(سورة النحل ، الآية 112) .
ونسيان كون النعم من لدن الله ، كفر بالنعم ، ونسيان ذلك مدعاة لعدم شكر الله عليها . والشكر إنما يكون قولاً وعملاً ، سداداً ورشاداً ، وعدلاً واستقامة .
نعم السبب الرئيسي في قبح الحضارة ، هو التحوّل عن عبادة الله وحده دون شريك ، إلى عبادة الذات والولاء لمراكز القوى في الناس ، وتعلّق القلوب بمصادر النفع فيما خلق الله سبحانه ، وهذا الولاء وهذا التعلّق فيهما شرك خفي وهما عبادة لغير الله . فالإنصراف عن التوجّه التعبّدي لله وحده ، دعاء واستغاثة وجهاداً وثقةً وتوكّلاً ، إنما ينتـج عنه تفريغ الإنسان من الصفاء والعافية ، والحدس المرهف الذي لا يستمر إلاَّ مع الإيمـان المرهف .
وحيث إن التوحيد ، توحيد الله ، جلّت عظمته ، هو فطرة وعهد في أعماق الإنسان، كل إنسان ، فنستطيع أن نقول ببساطة ، إن أهم الأسباب في غرق الإنسان في وحول الحضارة وقباحاتها ، وخنق جمالياتها وأصالتها التي فيها السعادة ، هو عدم التوحيد ، وبعبارة أخرى هو فكر التوحيد المزعزع ، نتيجة للتوجّه البهيمي بعيداً عن كمال الحقيقة الإنسانية ، الذي لا يكون إلاَّ بالله ولله وفي سبيل الله .
من هنا الإنـذار بالدَّمار ، ومـن هنا قرع الناقـوس بخوف ، ورفع الآذآن بوجل