انهزم المسلمون … وثبت الرسول وبعض الصحابة :
قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن ابن جابر ، عن أبيه جابر بن عبد الله ، قال : لما استقبلنا وادي حنين ، انحدرنا في وادٍ من أودية تهامة أجوف حَطُوطٍ ، إنما ننحدر فيه انحداراً ، قال : وفي عماية الصبح ،
وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي ، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه ، وقد أجمعوا وتهيأوا وأعدوا ، فوالله ما راعنا ونحن منحطُّون إلاَّ الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، وانشمر الناس راجعين ، لا يلوي أحد على أحد .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السيرة النبوية لابن هشام 63/4 .
(2) سماها بالأجربين تشبيهاً بالأجرب الذي لا يقرب .
وانحاز رسول الله (ص) ذات اليمين ، ثم قال أين أيها الناس ؟ هلموا إليّ ، أنا رسول الله ، أنا محمّد بن عبد الله . قال : فلا شيء ، حملت الإبل بعضها على بعض ، فانطلق الناس ، إلاَّ أنه قد بقي مع رسول الله (ص) نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته .
وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب ، وأبو سفيان بن الحارث ، وإبنه ، والفضل بن العباس ، وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، وأيمن بن عبيد ، قتل يومئذ(1) .
قال ابن هشام(2) : اسم ابن أبي سفيان بن الحارث جعفر ، واسم أبي سفيان المغيرة . وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ، ولا يعد ابن أبي سفيان .
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن ابن جابر ، عن أبيه جابر بن عبد الله ، قال : ورجل من هوازن على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء ، في رأس رمح له طويل ، أمام هوازن ، وهوازن خلفه ، إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه .
قال ابن إسحاق : فلما انهزم الناس ، ورأى من كان مع رسول الله (ص) من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضِّغْن ، فقال أبو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إن قيل : كيف فرَّ أصحاب رسول الله * عنه حتى لم يبق معه إلاَّ ثمانية ، والفرار من الزحف من الكبائر ، وقد أنزل الله فيه من الوعيد ما أنزل ، قلنا : لم يجمع العلماء على أنه من الكبائر إلاَّ في يوم بدر،كذلك قال الحسن ونافع مولى عبد الله بن عمر ،
وظاهـر القرآن يدل على هـذا ، فإنه قـال : { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ }. [16 : الأنفال ] . فيومئذ إشـارة إلى يوم بدر ، ثم نزل التحقيق بعد ذلك في الفارين يوم أُحُد وهو قوله : {وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ } . [ 152 : آل عمران ] . وكذلك أنزل يوم حنين : { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } . [ 25 : التوبة ] إلى قوله { غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . وفي قول ابن سلام : كان الفرار من الزحف يوم بدر من الكبائر ، وأيضاً فإن المنهزمين عنه عليه السلام رجعوا لحينهم ، وقاتلوا معه حتى فتح الله عليهم . ـ هذا التعليق من السيرة النبوية لابن هشام : 65/4 .
(2) نفس المصدر .
سفيان بن حرب: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر،وإن الأزلام(1) لمعه في كنانته.وصرخ كلدة بن الحنبل : ألا بطل السحر اليوم ، فقال له صفوان بن أمية : اسكت فض الله فاك ، والله لأن يَرُبَّني رجل من قريش أحب إليَّ من أن يَرُبَّني رجل من هوازن .