تقدم بلا غاية :
الحقيقة أن كثيراً من الناس ، من الذين يدهشهم التقدم العلمي في الكون وفي ذات الإنسان ، نراهم يتعاملون مع هذه المدهشات ، بدون غاية ، يرتبطون بها ويبذلـون الجهـود للحصـول عليـها أو الوصول إليها ، ونجـد أنهـم مثـلاً يعتقدون بإمكان أن يغـزوا الكـون ، ويسكنـوا الفلك ، اعتمـاداً على التقنية العلمية .
صحيح أنه حلم جميل ، وصحيح أن العلم ما زال يراود الفضاء ، وأن بالإمكان الوصول إلى غير القمر . ولكن تبقى الحقيقة التي تنغص هـذا الحلم ، وتدعو الإنسان لأن يحترم نفسه ويكون أكثر واقعية ، وأبعـد عمقاً . إذ أن الملايين ماتوا قبل هذا الإمكان ـ الحلم ـ ، وسيموت ملايين مثلهم بعد هذا الإمكان ، إذا أمكن هذا الإمكان ، لأنه سيكون وقفاً ـ أقلَّه حتى نهاية العام ألفين ـ على رواد الفضاء وحفنة من أثرياء العالم . فما هي الحصيلة الدنيوية والأخروية ، للذين ماتوا قبل هذا الوصول ، والذين سيموتون بعد هذا الوصول ؟ أم هي مباهاة القرعاء بشعر بنت الخالة ، أو افتخار الأعمى بزرقاء اليمامة ؟
فهلاّ سألوا عن أدوارهم ومسؤولياتهم في الحياة الدنيا هذه ، أيرضون بالتبعية للقوي يأكلون من فتات خبزه ؟ أم يبحثون عن السبل التي تجعلهم أقوى منه ، وصولاً إلى الغاية التي هو شذّ عنها وانحرف على متن صاروخ أو مركبة فضائية ، على حساب شعوب مقهورة، وملايين البطون الغرثى والأفواه الفاغرة ، جوعاً وعجباً ونصباً :
{ أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ }( سورة غافر ، الآية 21) .
فما شفعت لهم حضارة ، قيل فيها ، كحضارة ( أطلس ) ، أنها كانت أعظم من حضارتنا اليوم ، ولا شفعت لهم قوّة ، ناهيك عن إغراقهم في المعاصي والذنوب . فبأية قوة يقون أنفسهم ويدفعون عنها عذاب الله ، وقد قضى أن ينزل بهم عذابه وغضبه سبحانه وتعالى عمّا يشركون . واليوم كالأمس ، والأمس كسابقه .