ثانياً : الولاء على مستوى الباطل :

ثانياً : الولاء على مستوى الباطل :

        بعد أن تحدثنا عن الولاية  لأهل الحق ، في كلامنا على الدرجة الثانية  للولاية ،  بقي علينا أن نتكلم  عن الولاء  لأهل الباطل بشكل عام . فأقول وما توفيقي إلاَّ بالله الحليم الكريم  :

        إن الولاء لله سبحانه بالأصالة ، ولرسوله  والذين آمنوا (ص) بالتبع ، والمتمثل بلزوم الآية الكريمة { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ، هو واجب عيني فيه توسعة ، من جهة العلم والإعتقاد ، والعمل بهما بقدر التمكين . هذا  من وجه ، ومن وجه آخر ، هو  واجب كفائي من جهـة إقامة نظام حكم وتشريع ، أي نظام دولة ، وفي الحالين ، هو ملزم  ـ أي الولاء ـ  إلى قيام الساعة .

        هذا الولاء  ـ القضاء أصالة ً ، هو لله وحده بدون شريك  أو شركـاء ، { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ } ، يقابله عداء لله  متمثل بمخالفته سبحانه إلى غير دينه وشريعته . ومعنى ذلك باختصار : الحكم بغير ما أنزل الله جلّت عظمته ، سواء على الصعيد الفردي أو الإجتماعي أو الدولي بشكل عام .

        ولذلك اعتبر ـ في الفقه عامة ـ النظام الذي لا يحكم بما أنزل الله ، نظاماً ظالماً ، أو حكماً ظالماً ، والمواقف التي لا تستوحى من الولاء لله عملاً بدينه وشريعته وسنّة رسوله ، مواقف ظالمة .

وكذلك اعتبر الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله ، طاغوتاً ، ومساعدوه طواغيت . والطاغوت  ، هو كل ما يعبد أو يطاع أو يتوجه إليه أو يقاتل في سبيله من دون الله . ولذلك كان الشيطان طاغوتاً  ، والنفس الأمارة بالسوء طاغوتاً ، وكذلك المخالف لشرائع الله حاكماً أو محكوماً . والطواغيت أعداء الله ، لهم خزي في الحياة الدنيا ولهم في الآخرة عذاب . { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } . [ 19 : الأحقاف ] .

وهذه المعاني مستفادة من كتاب الله تبارك وتعالى ، ولا سيما الآيات التي تنص على أنواع الولاية .

        وربطاً بالمرحلة التي وصلنا إليها من بحثنا هذا ، نكتفي الآن بإدراج الآيات المتعلقة بالولاء لغير الله سبحانه، أي المتعلقة بالولاء للطواغيت بشتى أسمائهم ودرجاتهم،وبما أن هذه الآيات واضحة مفصلة،لذلك ندونها هنا، تاركين للقارىء تدبرها،كل بمقدار همته وصفائه ، ومدى حرصه على طاعة الله ورضاه،عزّ وجلّ ، وتبارك وتعالى :

        قال لا إلـه إلاَّ هو  :

       { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا . إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا } . [ (115 ـ 116 ) : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       {وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ . وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } .[ (128 ـ 129 ) : الأنعام ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       {وَمَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ .كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } . [ ( 3 ـ4 الحج]  

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًاشَدِيدًا…} [14 ـ 15 ) : المجادلة ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } . [  9 : الممتحنة  ] .

       { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَـاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } . [ 51 : المائدة ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ . إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ } . [ ( 98 ـ 100 ) : النحل ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } . [ 19 : الجاثية ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً . وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا } .  [ ( 88 ـ 89 ) : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا} . [ 119 : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :{ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا } . [ 45 : مريم ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } . [ 63 : النحل ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُـواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} . [ 76 : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيـعًا } . [( 138 ـ 139 ) : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا } . [ 144 : النساء ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . [ 57 : المائدة ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ . وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } . [ (80 ـ 81 ) : المائدة ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } . [ 27: الأعراف ] .

        وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } . [ 30 : الأعراف ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

        { وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ … } . [ 73 : الأنفال ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ } .[ 16 :الرعد[  

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا } . [ 50 : الكهف ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا } . [102 : الكهف ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ . قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا . فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا } . [ ( 17 ـ 19 ) : الفرقان ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ . إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } . [ ( 41 ـ 43 ) : العنكبوت ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ } . [ 19 : الجاثية ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ.إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ } . [ (1ـ2) : الممتحنة ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } . [ 175 : آل عمران ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       {… وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ …} . [ 257: البقرة ] .          وقال لا إلـه إلاَّ هو :

{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمـُوهُمْ إِنَّكُـمْ لَمُشْرِكُونَ } . [ 121 : الأنعام ]  .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { ثُمَّ لَنَنـزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا .ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا } . [ (69 ـ 70 ) : مريم ] .

            وقال لا إلـه إلاَّ هو :

       { يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيـدُ . يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ }. [ (12 ـ 13 ) : الحج ] .

        الدرجة الثالثة ، ولاء المؤمنين لبعضهم البعض :

        كما أن الدرجة الثانية ، من جهة الولاء لأهل الحق ، تتمثل بآية واحدة في القرآن ، هي قوله تعالى : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }.كذلك الدرجة الثالثة ، التي هي ولاء  المؤمنين لبعضهم البعض ، تتمثل بآية واحدة ، في القرآن المجيد : هي قوله تبارك وتعالى :

       { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . [ 71 : التوبة ] .

            هذه الآية تعود إليها كل آية في القرآن الكريم تصف أي فريق من عامة الناس بصفة الإيمان،ومثال على ذلك الآيات 72و73و74 من سورة الأنفال.وكذلك تعود إليها كل آية فيها اشتقاق من(الولاء)واشتقاق من(الإيمان)،مثل الآية السادسة من سورة الأحزاب وغيرها .    

        وهذه الآية  { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } ـ كما يشير مضمونها ـ ، تأتي فوقها آية { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ … } ، كما يأتي فوقهما الآيات السبعون التي تدعو لأصـالة الولاء أو الولاية لله وحده سبحانه ، أو تحذر من الولاء لغيره من دونه ، تمجد وتبارك وتعالى عما يشركون .

        الولاء لغير المؤمنين من الخلائق ممنوع :

        كذلك في الدرجة الثالثة،الشعبية،المؤمنون مأمورون بالولاء لبعضهم البعض،ومنهيون عن الولاء لغير المؤمنين من خلق الله ، وهكذا أصبحت صورة حزب الله واضحة المعالم على مستوى أهل الأرض : جميع المؤمنين على هذا الأساس الحقيقي الواضح هم حزب الله ، وجميع الباقين ، هم حزب لغير الله ، هم حزب الطاغوت أو أولياء الطاغوت .

        والإطار التنظيمي لأية حركة  دينية ، قد تفترض من الناحية الشرعية حزباً لله،ولو لم تأخذ نفس الإسم ( حزب الله ) . هذا إذا اكتملت فيها مضامين الآية الكريمة : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ …} لأنها تكون شريحة  من مجتمع المؤمنين، فتكون جزءاً من كل ،كما يكون ( حزب الله )  المؤطر المحدد  ضمن عامة المؤمنين جزءاً من كل .

        أما الحقيقة ، فهي أن حزب الله الحقيقي المتكامل ، هو الكل ، أي الأمة  المؤمنة  المتلبسة  بشروط الآيتين الكريمتين : آية الدرجة الثانية : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ … }،وآية الدرجة الثالثة:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ …}،المؤديتين بالضرورة إلى الدرجة الأولى ، التي هي الولاء المطلق لله وحده ، سبحانه وتبارك وتعالى عما يشركون .

        وهكذا نرى أن البناء الإسلامي ـ الإيماني ، هو بناء أرضي ـ سماوي ، فيه الثلاث درجات المنوّه عنها:درجتان فيهما الحاكمون بأمرالله ، والمحكومون بشريعة الله،والدرجةالتي فوقهما هي المطلقة التي فيها الولاء المطلق لأحكم  الحاكمين{رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ } .  [ 15 : غافر ] .

        هذا إذا كان منجزاً النظام الشرعي الحاكم.أما إذا لم يكن منجزاً ـ وبذلك يأثم جميع المؤمنين كل بنسبة موقعه ـ فإن ولاء المؤمنين الحي والعملي ، ينبغي أن يكون لله وحده ، تمسكاً بمضمون الكتاب وضروريات الدين . ويسقط الإثم  النسبي عن المؤمنين في الأمة ، إذا كانوا عاملين ، كفاية ً ، وبما يرضي الله ، على إنجاز نظام يحفظ شرفهم وكرامتهم في الحياتين : الدنيا والآخرة . أو إذا كانوا في مناطق إختلاط مع ملل أخرى ، تساويهم أو تزيد عليهم ، مما يؤدي بهم ، إذا سعوا إلى إقامة النظام الشرعي الإلهي ، إلى إشعال الفتن والحروب التي تتنافى مع الحكمة والتعايش العادل المتراحم .

        أما الشريحة الثانية ، في مجتمع محلي ، أو في المجتمع العالمي ، التي تقابل عامة المؤمنين، أو عامة حزب الله العالمي، فهم كما قلنا حزب غير الله . أمثال اللادينيين أو الوثنيين،أوالعلمانيين أو أهل الشرك من أهل الكتاب ، أو أهل الشرك عامة ، أو العرقيين والعنصريين،فهؤلاء يكون التعايش معهم في حالي وجود نظام إسلامي شرعي،أو نظام غير إسلامي شرعي،على أساس الآية الكريمة ، قوله تبارك وتعالى:

       {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ.بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ}[(19ـ20):الرحمن ]  

        وقوله سبحانه :

       { وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا } . [ 53 : الفرقان ] .

        وظاهر الآيتين واضح على أساس العبارة،أما تأويلاً،منهما المجتمعان المتعايشان في الأرض : مجتمع المؤمنين العذب الفرات ، ومجتمع الآخرين الملح الأجاج.مرجهما الله سبحانه ،  خليطاً يتبادل المنافع والمصالح في حدود شرعه ومن يعمل بشرعه سبحانه ، جاعلاً بينهما برزخاً ، أي فاصلاً من قدرته ورحمته ،كما جعل بين الماء المالح والماء العذب في البحار،فلا يبغي أو يطغي أحدهما على الآخر، إلاَّإذا أخلَّ أحد الطرفين،فيكون عند ذلك لكل إخلال حكم،ولكل واقعة موقف من قبل المؤمنين،عاملين على إصلاح  الحال وإصلاح ذات البين،بما يحفظ شرفهم وكرامتهم وولاءَهم لرب العالمين.كما علمهم سبحانه في مجمل كتابه وسنّة رسوله وأوليائه(ص).

  وإذا دار الأمر على وجود حكومتين ، إحداهما إسلامية كما هو الحال في إيران ، والأخرى غير إسلامية كما هو الحال في أميركا مثلاً ، فالمقبول عقلاً من الآخرين ،

 والمفروض شرعاً من المسلمين ، حسب تأويل الآيتين { مَرَجَ …} و{ هُوَ الذِي مَرَجَ …}، في كل حكومة  أن تؤمِّن وتحترم الأحوال الشخصية لكل ملة من الملل الموجودة فيها،وأن يتساوى الجميع في الحقوق والواجبات ، وأن لا يخل  المسلمون بقوانين الدولة غير الإسلامية ، التي هم فيها ، فإن أكرهوا على ما لا يوافق أمر الله تعالى ، وجب عليهم الخروج من تلك البلاد .

        كما وأن لا يخل غير المسلمـين بقوانين الدولة الإسلامية التي هي شريعة الله ، فإن أكرهوا على ما لا يوافق ملتهم أو توجهاتهم وأفكارهم ، خرجوا كذلك.

        على أن الحوار الفكري ، والمنطقي العادل ، والمفاهيم الأخلاقية المتقاربة ، ينبغي أن تعالج كل إشكال ، وتسبق كل خروج . وإذا لم يكن لا هذا ولا ذاك ، وقعت الفتن الدامية المدمرة،ووقع معها غضب الله ولعنته على الغادرين المعتدين ، والبغاة الظالمين،حيث يكون لهم من الله،خزي في الحياة الدنيا ، وفي الآخرة عذاب عظيم .

     أي إن أي إخلال من الطرفين،تكون عاقبته فتنة ـ كما إذا أخل بتعكير الماءَين المتجاورين وخبط العذب بالمالح ـ يكون مردودها في حكم الله على مفتعليها ، نقمة وعذاباً ولو بعد حين .

        هذا في مجال التعامل الجماعي، بين المؤمنين من جهة،وغير المؤمنين من جهة ثانية .

        وشريطة الله عزّ وجلّ، على المؤمنين أن يكونوا يداً واحدة على من سواهم.

        أما في مجالات العلاقات الفردية،أو الإجتماعية الضيقة،فهناك قواعد وضوابط قرآنية للسلوك،حتى القلبي منه،فضلاً عن العلاقات العملية مع غيرالمؤمنين بشكل عام. نذكر منها قوله تعالى : 

       { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ } . [ 1 : الممتحنة ] .

        والآية أوضح من أن تفسر ، إلاَّ أنه ينبغي الإلفات فيها إلى عميق قوله سبحانه : { واللهُ أَعْلَمُ  بِمَا أَخْفَيْتُمْ  وَمَا أَعْلَنْتُمْ  } .

        وقوله سبحانه :

       {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}. [ 67: الزخرف ].

        الأخلاء،أي الأصدقاء الذين يقيمون علاقات مودة دائمة يعامل فيها المؤمن وغير المؤمن على مستوى واحد ، أو أكثر من ذلك ، يكون لغير المؤمن فيها الأولوية في الولاء والصحبة والمودة ، أو أكثر من ذلك ، يستبعد منها المؤمنون ، ويكون التصافي فيها بين العلمانيين ، أو العرقيين ، أو اللادينيين ، أو حتى الزنادقة وغيرهم . هؤلاء تنقلب صداقاتهم الحميمة في الدنيا إلى عداوة ونفور شديد في الآخرة . بينما تستمر العلاقة بين الذين بنوا علاقاتهم على أساس الإيمان والتقوى والأخوة في الله، كما في الدنيا كذلك في الآخرة، مع فارق ما بين الدنيا والآخرة .

        وكذلك قوله تبارك وتعالى :

       { وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ } . [ 25 : العنكبوت ] .

        وفي هذه الآية الكريمة يبين الله حكمه في العلاقات الحميمية بين الأفراد والجماعات،والمبنية على المودة ، والتحالف في المصالح ، والأنس في المجالس ، والتفاخر والتباهي بها وبالمظاهر الدنيوية ، في مواجهة المؤمنين الأتقياء ، بعيداً عن الله وعن تقواه ، وعن دينه وتعاليمه . فإن حكمه سبحانه  في  هذه العلاقات ، هو

أنها وثنية ، كعابدي الأوثان والأصنام والأنصاب . وأن هؤلاء الأصدقاء والأصحاب في علاقاتهم الحميمة فيما بينهم ، غداً ، يوم يحشرون للحساب يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض ، وأكثر من ذلك ، يلعن  ويشتم بعضهم بعضاً وكل ذلك يهون أمام مأواهم الذي هو النار وما لهم من ناصرين .

        وكذلك قوله عزّ وجلّ :

       { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ { . [ 16 : التوبة ] .

        أي أن المؤمنين ولو كانوا جاهدوا في سبيل الله ، وفي نفس الوقت استعانوا بمثل الحمية الجاهلية ، بغير الله ورسوله والمؤمنين ، وغرتهم في أصدقائهم من غير المؤمنين ، الكثرة ، أو القوة ، أو العرقية والعصبية ، ناسين الله وسنّة رسوله وأخوتهم في الله ، المؤمنين ، ولم يعقدوا النية على أن جهادهم هو في سبيل الله وحده ، هؤلاء عملهم حابط ، وحتى يكون مقبولاً ، يجب أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى ، وأن لا تكون وليجتهم ، أي بطانتهم وأصفيائهم ، من غير المؤمنين .

        وكذلك الآية التي يبتلي فيها سبحانه ، أهل الإيمان ، ويمحص بها قلوبهم ، وينقي نفوسهم ، ويشحذهم شحذاً ليكونوا في النتيجة سيوف صدق لله وحده لا شريك له ، فيكون لهم حظ الترقي في معارج الكمال والقرب من الله الحبيب والسعادة الأبدية . قوله تبارك وتعالى :

       { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } .  [ 4 : الممتحنة ] .

        حتى إذا صدقوا الله ، وروَّضوا قلوبهم ونفوسهم وأفكارهم وتوجهاتهم على تصديق الآية قولاً عقلياً ، وعملاً قلبياً ، رفع عنهم الله سبحانه وطأة  هذه  الآيـة

العظيمة ، وبلاءَها العميق ، ونقلهم إلى بعض مصاديق ما بعدها ، قوله سبحانه وتعالى:

       { عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . [ 7 : الممتحنة ] .

        وذلك إما بهداية من عاديتم منهم ، وإما بالتخفيف عنكم بإدخالكم مداخل صدق ، في هذا الموضوع ، فيها الكثير من نعمه ورحمته الواسعة .

        ثم تضيق مساحة الإبتلاء على المؤمنين ، يريدهم ، أو يريد منهم ، أولياء ، أصفياء ، صديقين مقربين ، ليجعل منهم قادة ومعلمين دعاة إلى الله وحده كما ينبغي لكرم وجهه ، مجاهدين في سبيله وحده ، كما ينبغي لجلاله وعظمته وكبريائه، وعزته ووحدانيته ، يقول سبحانه :

       { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } . [ (23 ـ 24 ) : التوبة ] .

        ففي الآية الأولى ، نهى الله سبحانه عن أن يتخذ المؤمنون ، أقرب الناس إليهم أولياء ، إن استحبوا الكفر على الإيمان ، وإن كانوا آباءَهم وإخوتهم فمن باب أولى ، ما دام الأمر كذلك أن يمتنعوا عن الولاء لأي إنسان آخر إذا كان من غير المؤمنين ، والملاحظة في الآية أنه سبحانه لم يذكر الأبناء ، لأنه من الشاذ اتخاذ الأبناء أولياء من قبل الآباء .

        فيكون ، على هذا الأساس ، أيما مؤمن عادي ، هو أقرب إلى مؤمن آخر ، من أبيه وأخوته وذويه ، إذا كان هذا الأب وهؤلاء الأخوة وهؤلاء الأقارب ، يستحبون الكفر على الإيمان ، مجانبين للمؤمنين متنكرين لهم أو زاهدين فيهم ، مفضلين عليهم غير المؤمنين .

        والحكم في ذلك كله ، لله تبارك وتعالى ، الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ويعلم ما تسرون وما تعلنون ، ويحاسب على توجهات الإنسان في مشاعره وعواطفه وميوله ، وخطرات فكره ونبضات قلبه . والآية الثانية تشير إلى هذه المحاسبة الدقيقة ، على هذه الحركات والمعاني النفسية والقلبية البالغة الخفاء  :

{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ  … أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ  اللهِ … الآية } .

        فالأحب الأعظـم  ـ حسب مضمون الآية ـ هو الله سبحانه وتبارك وتعالى ، وله الولاء الأعظم والحب الأعظم ، وما يفيض من هذا الحب فهو للرسول (ص) وللجهاد في سبيل الله ، وهذا يعني أن الجهاد ، ينبغي الإقبال عليه بحب وبشوق وإقدام ، وليس بوجل وتكاسل وتردد . وبقية ما يفيض من هذا الحب ، هو لأئمة الحق ، وأعلام الصدق ، وبقية الأعيان والمعاني بنسبة قربها من الله تعالى وبنسبة حبه هو تعالى لها ، إذ من صفات المؤمن الأساسية ، أن يحب ما يحبه الله وأن يبغض ما يبغضه الله ، وتحصيل ذلك والفصل فيه ، هو بفضل منه سبحانه ، سهل وبسيط عند الصديقين والأولياء والأصفياء .

        بقيـت الخلاصة المفزعة ، في أواخر آية الحب هذه ، هي قوله سبحانه {فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } . وهذا يعني أن أمراً من هذه الأمور التي ذكرها تعالى في الآية ، إذا كان أحب إلى إنسان  ما من الله … فهو فاسق . ومن يحب أباه ، أمه ، أبناءَه ، أطفاله ، إخوانه ، زوجه ، بعض أقاربه ، ماله … أكثر مما يحب الله …  فهو خارج من دين الله ، وذلك هو معنى الفسوق . والخروج من دين الله فيه معنى الردة والإرتداد ، ومن يخرج من دين الله

متراجعاً مرتداً ، فهو إلى جاهلية جهلاء أو ضلالة عمياء ، فيها الزيغان عن الحق  :

{ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } .[ 5 : الصف ]. وفيها عبادة الهوى :{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } . [ 23 : الجاثية ] . وكذلك ، وفيهـا الإستجابة لشياطين الجن والإنس والتعامي عن الآخرة والحساب : { إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ …  فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى } . [ (15ـ16) : طه ] . وفيها السقوط الأبدي ،  نتيجة  الإخلاد  إلى

الأرض ، بسبب الإنسلاخ من آيات الله : { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا … وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ … } 176]: الأعراف ] .

وذلك كله ، وفوقه أنواع من خـزي الدنيا وعذاب الآخرة ، في ثنايا قوله سبحانه : { فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .

        وقد يظن القارىء في ذلك ، مخارج سهلة من تربص الله به ، ومن الإدعاء بالفسوق عليه ، ذلك بأن يصرح للناس لفظاً أو كتابة ، بأنه يحب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله ، أكثر مما يحب أباه وأمه وأولاده ، ولا سيما الأطفال … وإخوته وماله و … و … إلى آخر المذكورات في الآية الكريمة .

        ولا بد هنا من الإشارة ، إلى أن هذه الأمور التي ذكرها سبحانه في الآية ، هي من متعلقات الحب الحلال . فأما متعلقات الحب الحرام فكثيرة ، ولا تجوز معها المفاضلة والترجيح ، كما هو الشأن في الآية الكريمة . فحب الحرام أصلاً من المهلكات . وعلى أي حال ، ففي المحاولة ، محاولة الخلوص من المطبات والبؤر السوداء ، جهاد ، إذا اغتسل له المتورط غسل التوبة إلى الله ، وهو غسل باطني ، تغسل وتطهر فيه النفس والقلب والجوارح . فإن في ذلك طموح شريف ، أو شرف طموح . والله المنتقم الجبار ، هو ذاته الغفور الرحيم . سبحانه وتعالى ، له المجد وله الحمد .

        قلنا قد يصرح الإنسان بأن الله سبحانه هو الأحب ، ولكن التصريح هذا ، قد يخدع الناس ، وقد يخدع أكثر المؤمنين ، ولكنه لن يخدع الله سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً . فإذا كان الإنسان صادقاً ، فهو تعالى أعلم به من نفسه ، فيثيبه ويزيده من هداه ومن كل خير أحاط به علمه . وإن كان كاذباً ، فالله كذلك أعلم به من نفسه . 

قال سبحانه :

       {.. يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً  . مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } .]142 ـ 143 : النساء ] .

        لذلك ، على المؤمن أن يحرص حرصـاً شديداً ، على ضبط عواطفه ، وميوله ، وتركيز حبه ، محاسباً نفسه بين الحين والحين ، متسائلاً باحثاً ، منقباً ، مجتهداً ، ليعلم إذا كان شيء من أشياء الدنيا والآخرة ، أحب إليه من الله … وإذا أمكن  أن يحاسب  نفسه كل يوم ، وكل لحظة ، يعني أن يحاسب أنفاسه ، فإذا فعل ذلك ، طيّب الله حتى أنفاسه ، وطيّب عمره ، وطيّب حياته وطيّب آخرته . وجعله سبحانه من { الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } .[ 32 : النحل ]. وليس من الذين قال فيهم سبحانه :

{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ . فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ]26ـ27: محمّد ]. وقال تبارك وتعالى : { وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيـقِ }  ] 50:الأنفال[