حقائق إلـهية تحكم الوقائع :

          طبعاً فيما كتبت آنفاً ، لعلي لم أزد شيئاً ذا أهمية كبيرة على ما يكتب أهل الحق  الغاضبون الثائرون ، المستعدون حتى للإستشهاد دفاعاً عن الناس والأوطان والعدالة والحرية .

          ولكن بالمنطق الروحاني ، الذي زاغ عنه أهل الأرض في هذا العصر ، إلاَّ القلة النادرة ، أكتب مبشراً أهل الإيمان الأحرار ، الذين لا يشركون بربهم الرحمان شيئاً . ومنذراً عبيد الدنيا وعبيد أميركا ، الذين  نسوا الله ، وألَّهوا المال ومظاهر القوة حيثما كانت في الأنظمة المتجبرة الطاغوتية وقادتها ، بالرغم من أنهم خونة لربهم ولشعوبهم وللإنسان وحريته وشرفه واستقلاله .

          مبشراً أنصار الله ومحبيه والمتحصنين بآياته وبعزته وبقوة وجوده معهم أينما كانوا ، ولو قامت قيامة الحروب عليهم أو على من دونهم ، بأشكالها المتقمصة بالرعب والمتلبسة بالموت الملوَّن . فإن الله قادر أن يحميهم ويحفظهم سالمين  سعداء ، حتى في الدنيا ، إذا كان شاء الله استكمال آجالهم ،  وإلا فليكونوا شهداء سعداء ، فموتة في شرف ، وفي رضىً من الله ورضوان ، أفضل بما لا يقاس ، من حياة الجبناء ، البائعين  دينهم وشرفهم وأوطانهم وشعوبهم ، للقادة الطواغيت .

          مذكراً بقول الله لأنصاره :

{ .. وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ .. . سورة الحديد الآية 4 }

 

وبقوله جلت عظمته للخونة من أعدائه وأعداء دينه وأعداء الإنسانية :

          { ..لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ . سورة الأنبياء الآية 43}.

          وصدق الله ، ومن أصدق من الله قيلا ، ومن أصدق من الله وعداً ووعيدا ! …

          ولأفصِّلنَّ بإذنه عزَّت عزته ، بآية الكرسي وما حولها ، عن أمريكا وبقية أعداء الله . نعم ! .. ومطبقاً آيات القرآن على مصاديقها ، لأنه هكذا القرآن في كل عصر ، وإلى قيام الساعة وبعدها أيام الجحيم أو أيام النعيم .

          قلت نعم ! .. متعجباً ومتحدياً الكثرة الهائلة من المثقفين المعوَّل عليهم في  الملمات ، ممن أحترم أقلامهم النخيَّة ، ونفوسهم الأبية ، ولكن آسفاً لضيق آفاقهم ، بخصوص الفكر الديني والمعارف الحقيقية عن الله ، وعزته ، وقوته ، وحاكميته وهيمنته على الوجود ، وإحاطته بكل شيء .

          إذ أن منهم من لا يعتقد بحاكمية الله في الدنيا ، ولا بثوابه فيها وعقابه ، ولا برعايته وحفظه وصيانته من جهة ، ولا ببطشه الشديد وانتقامه من جهة ثانية ، ولا بأنه قائم على كل نفس ، ولا بأنه الأول والآخر والظاهر والباطن وأنه بكل شيء عليم ، بكل شيء ،  مما دقَّ وصغر وكبر وعظم . ومن الأشياء التي شاءَها ، أجزاء الإنسان ، من دماغه إلى قلبه ، إلى آخر ذرة أو جزيء ذرة من ذراته ، وبرئيس الولايات المتحدة ورؤساء البلاد المسعورة بشبق الحرب على الآمنين والمستضعفين ، وكذلك بالرؤساء الإمَّعات الخونة ، وكذلك بالأتباع الجبناء ، وكذلك بالشجعان بالحق ، وكذلك بالصارخين في وجه الباطل ، وكذلك بالمستشهدين  في سبيل عزته ، أسياد شباب الجنة .

          أما الآي ، التي وعدنا بها ، فقوله تبارك وتعالى وهو من المشهورات :

1 ـ      { اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ .. } يعني الحاكم الفريد للكون دون مساعد ولا شريك ، والألوهة لا تتجزأ ، فلا أحد من خلقه له حظ منها ولا بمقدار . حي لا يمـوت ، قائم على كل نفس ، وعلى كل شيء .

2 ـ      { .. لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ .. }  لاينام ،  ولا  يعتريـه أدنى سهو ٍ ولا أدنى غفلة ، ذلك كمال اليقظة  والإحاطة بالأمور ، ظواهرها وأسرارها وأسرار أسرارها .

3 ـ      { .. لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ .. } يعني مـا في الوجود ، غيوبه وشهوده ، ما نعلم منه ، وما لم يحط مخلوق بعلمـه ، وله أميركـا وحاكمـوها ، ولـه أدق مقوماتها ، وله إنكلترا وروسيا التي كانت لأميركا ندَّة  ، ولكن لكثرة ما تنكرت لله ، هزمتها أمريكا وداست شرفها وكرامتها ، وما زالت  تتآمر على تجويعها ، إمعاناً فـي إذلالها . وله أيضاً ـ أي لله ـ  بنـو إسرائيـل الذيـن يتقلبون  كالأفاعي  ويغتذون  بدماء البشر ، واليابان  التـي خرجت  بوثنيتها لتنصر أميركا عدوتها اللدودة سابقاً .

ولله  جميع  الدول  والشعوب ، ومصـر والاردن  و .. ولبنان وسوريا ، وفلسطين …

وأنت وأنا ،  لله ، العالم كله لله . هذا بعض معنى هذا الجزء من الآية : {.. لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ..}.

4 ـ      { .. مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ(*).. } ولا أحد من المخلوقين يستطيع أن يتوسط  لمخلوق آخر بشيء  ينفعه عند الله إلاَّ إذا أذن لأحدٍ سبحانه بذلك ، فيكون هو الشفيع سبحانه والمخلوق  شفيع بالتبع . فمن رجـا  أمراً  فـلا يوسِّطنَّ بينه وبين الله أحدا ، لأنه ليس بينه وبين مؤمـن صادق الإيمان حجاب .

5 ـ      { .. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ .. } يعلم ما بين ايدي سكان السماوات وسكان الأرضين من كل جنس  ولون ، يعلم نواياهـم وخططهـم وسلوكهـم وماذا سيفعلـون ، ومصائرهـم ، وكما فـي السماوات هو إلـه كذلك  في الأرض هو إلـه . قال تعالى :

{ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأََرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ . سورة الأنعام الآية 3 } .

 

          وقال سبحانه :

{ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ . سورة الزخرف الآية 84 } .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*)          في كتابنا ” دعوة إلى الله ” عقدنا فصلاً مسهبـاً عن موضـوع الشفاعة . فمن أراد الإستزادة فليراجع .

 

6 ـ      { .. وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ .. } هذه الحضارات وما ظنَّ الإنسان أنه ابتـدع فيها ما ابتـدع ، منذ الأبجدية الرمزية إلى الصوتية .. إلى جزيئات الذرة ، إلى الأقمار الآلية ، إلى زيارة الكواكب ، إلى أساطيـل أميركا وحلفائها ، البحرية منها والجوية ، إلـى دبابـة الميركافا الإسرائيلية ، إلى الصاروخ الذي هتكها  وأذلها بأسراره وناره ، إلى ما لا يحصى ولا يعدُّ من  فتوحات علمية في الأرض وكذلك في السماء ، فجميع ذلك ، وما سيزاد عليه ، هو من علم الله ، ومن أسرارعلمه ، ولولا أنه شاءَها للبشرية ، لما استطاعت أن تتقدم  أنملة هـي حِكْمَتُه ، وهو قدره وهو قضاؤه الذي لا يناقش .

             {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ . الأنبياء 23 }

 

لا ظالماً ولا مزاجياً ، وإنما جباراً علـى الجباريـن ، حرَّاقاً على الحرَّاقين ، بناره في الدنيا وبناره في الآخرة ، رحماناً ورحيماً بالمؤمنين الصِّديقين .

             { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ . الأنعـام 18 } .

          إذاً .. ما شأن الأفغان ؟ وما شأن طالبـان ؟ وقبلهما مـا شأن أمريكا عنده سبحانه ؟! …

          بعونه تعالى ، وبإرشاده وتسديده ، نبدأ بتقويم شديد الإختصار ، لهذه الأمريكا . فنجعل الحديث عنها تحت ثلاثة عناوين :

          1ـ أميركا في ضلالاتها ، 2ـ أميركا المقهورة المعذبة ، 3ـ أميركـا الجنكيزية ( نسبة إلى جنكيزخان ) .

فأولاً :

ضلالات أميركا التي فاقت كل حد ، على جميع المستويات الأخلاقية والإنسانية . وبلا أخلاقيتها ولا إنسانيتها تحكَّمت مدة قرن تقريباً من الزمان بأكثر من نصف العالم ، حتى إذا ابتلاها الله بإسقاط الإتحاد السوفياتي وجعله من خدمها وأتباعها ، أصبحت تتحكم بكل العالم ، وأدوات تحكُّمها الرهيبة ثلاث : قوة المال ، وقوة السلاح الإرهابي ، وسفالات المخابرات .

          ورغم أن الله سبحانه خزاها في مواقف ومواجهـات كثيرة وعلى أيدي شعوب حرة ، نذكر منها على سبيل التذكير لا الحصر : فيتنام . كوبا . إيران الإسلام … إلا أنه مع ذلك أبقاها ، مختارةً ، تمارس إجرامها الأخلاقي الداخلي ،  وإرهابها في الخارج  . وضمـن هـذه المعـادلة القرآنيـة المدهشـة ، قوله تعالى :

{ قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَانُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا. سورة مريم الآية75 } .

          وقبل أن أتكلم في الدلالات المشرقة في الآية ، والتي من مصاديقها الأكيدة ، هذه الأمريكا . أقدِّم ، بقصة الخزي الأخلاقي السافل والقبيح ، والتي كان بطلها ، رمز أمريكا ورئيسها آنذاك : بيل كلنتون .

          يأنف قلمي ولو من بعض تفاصيل  علاقتـه باليهوديـة لوينسكي …

          فرمز أمريكا هذا ، ورمز بنات أمريكا تلك ، بعد أن برأت المحاكم العليا الأمريكية ساحتهما ، ولقد رضي الشعب الأمريكي بهذه التبرئة ، بل وفرح بها . سيكون هذان الرمزان بعد ذلك وبالضرورة ، قدوة لجميع الأمريكان ، ولا سيما الجيل المراهق ، من ملايين الطلبة شباباً وفتيات : نعم ! لقد شُرِّع الزنى في أميركا ، وبشخص رمزها ورئيسها ومحاكمها العليا وقضاتها العباقرة …

          ومن المفارقات الملفتة كذلك ، أن هذا الرئيس الرمز لأمريكا ، هو أول من وعد في حملته الإنتخابية . بتشريع الشذوذ الجنسي في الجيش الأميركي ، الذي كان ما زال يعتبر ـ لزوماً ـ أنظف مؤسسة في الحضارة المتلاطمة في تلك البلاد الغنية الشاسعة . وطبعاً ، فقد وفى بوعده بعد نجاحه ، بالرغم من بعض الإعتراضات الباهتة من بعض القادة .

          يومها ، وقبل أن تبرىء ساحته المحاكم ويبرىء ساحته الشعب الأمريكي ، وأثناء المحاكمات . كنا نروي لجلسائنا قصة عن المجوس ، واعتبرناها معياراً لموقف الشعب الأميركي من كلينتون ولوينسكي .

          ففي الأثر التاريخي ونقلاً عن أئمة أطهار ، جعلت الجزية على أهل الكتاب إذا لم يسلموا ، والسيف أو الإسلام لأهل الشرك . وقد عومل المجوس معاملة أهل الكتاب . فكيف هم أهل كتاب ؟ وأي كتاب ؟ فقيل :

          كان لهم كتاب منزل ، فزنى أحد ملوكهم بعد أن خمر ، فتداول بذلك الأقطاب ، وتداول بذلك الشعب فأنكروا عليه ذلك لمقامه ، ولزوم عفته وشهامته ، كونه الرمز والقدوة ، ثم رضوا بفعلته ، وثبتوه في حكمه وملكه . فغضب الله على أمة المجوس بأجمعها ، ورفع الكتاب الذي كان سبحانه أنزله عليهم ، من بين ظهرانيهم . ثم أهلك أمة المجوس ، إلا القليل القليل لحكمة ٍ منه سبحانه .

          كنا نعقِّب كل مرة بعد أن نروي هذه القصة ، وقبل إصدار الحكم النهائي من المحاكم ومن الشعب على رئيسهم ، بأنه إذا أدين وعزل ، وإذا أنكر شعبه الكبير فعلته ، أطال الله عمر أميركا ، وأطال ابتلاء الأحرار بحضارتها الزنديقـة المعقدة . وإذا برَّأته المحاكم وبرَّأه شعبـه ورضي بفعلته ، فإن الله سبحانه غاضب ومدمدم على أمريكا لا محالة …

          والذي حصـل ، أنهم رضـوا بخيانة رمز أمريكا لربه ولشعبه . وانتظرنا وترقبنا … ولم يطل الإنتظار والترقب ونحن نشهد كل يوم ، طغيان أميركا وظلمها وقمعها للشعوب من العراق إلى فلسطين إلى البلقان ، إلى لبنان ، إلى كوريا … وغيرها وغيرها تحت كل كوكب . حتى هزَّ انهيار أبراجها وعاصمتها العالم  . فقد قصم الله ظهرها في عقر دارها .

          ولم يدعها الله سبحانه تسترجع أنفاسها ، فقد أرسل جراثيم أبابيل (1)  ، أقضت وما زالت وستبقى ، والله أعلم ، تقض مضاجع رؤسائها وشعبها المتوج بتمثال الحرية ، الحرية الجنسية والطاغوتية وإرهاب الشعوب الفقيرة والبائسة والمستضعفة .