حكاية الخلود بالمسبار العلمي :
حكاية الخلود بالمسبار العلمي هي هذه :
… وأذن الله تعالى بفلق الذرّة في القرن العشرين الميلادي الرابع عشر الهجري ، بعدما كانت في نظر العلم أصغر شيء في الكون طيلة الأزمنة السحيقة الماضية .
ووجد العلم في الذرّة عالماً من الكنوز العلمية ، ما زال يبني منها وعليها تلك الحضارة الذرّية أو النووية التي أحدثت ثورة جديدة غيّرت وما زالت تغيّر معالم العالم ، وتكاد تنسيـه كلياً ما غيرته الثورة الصناعية ، تلك التي أيضاً نقلت العالم في جملة ما نقلته من الأرض إلى الكواكب السيارة .
أما ما يهمنا في الذرّة ، في كنوزها ، أن كل أجزائها أو جزيئاتها تموت ، لكل جُزيء حياة تتراوح بين عدة ثوان وبعض الساعات ، إلاَّ جُزيء واحد ، لا يموت ، لا يموت أبداً ، حسب قراءة الأرقام التي تحسب حياته الزمنية ، وتقول أن البروتون يعيش مليارات مليارات مليارات … السنين . ذلك كذلك بحساب علماء الرياضيات ، وهذا جميل جداً ، حيث أن العلم لا يفهم كلمة خلود ولا يتعامل معها كما يتعامل أهل اللغة ولا سيما القرآنيون . وإنما يتعامل بالأرقام والحساب وجملة القوانين العلمية .
المهم أن العلم وجد أن جزءاً مهما في الذرّة لا يموت ، ولعله الجزء الأهم ، وبالضرورة سيكون الجزء الأهم في الذرّة وبالتالي في جميع أشياء هذا الكون العظيم ، وبالتالي في هذا الإنسان الذي لا يقوم بذاته ، هذا الإنسان الذي ثبت أنه ذرّي نووي كجميع المجسمات التي في الوجود . والذي ثبت كذلك أن مليارات البروتونات التي في مليارات ذرّاته لا تموت .
رصدوا ذلك في عشرات الأمكنة التي أنشأوها وجهزوها علمياً لمراقبة البروتون ، منها كهوف ومنها بطون جبال ، وراقبوا ورصدوا طويلاً ليروا إذا كان البروتون الذي في الذرّة يموت ، فوجدوا أنه لا يموت .
هذه نتيجـة هائلة ، هذا حسم علمي يضع المجادلين في آيات الله بغير سلطان أتاهم ، أمام الحدث التاريخي هذا الذي نقل أخبار السماء عن الخلود بعد الموت ، من حيّز الكلام إلى حقائق الأرقام ومن ظاهر النظرية ـ أو الفرضية حسب المنكرين ـ إلى عمق الحقيقة وجمال الواقع وكشف هذا السر الذي هو من أعظم اسرار الوجود .
فإذاً ، مليارات البروتونات في كل إنسان لا تموت . يموت الإنسان بالمعنى الظاهري المتعارف ، وتبقى هذه المليارات من البروتونات في حياة ناشطة . فكم تشكل هذه البروتونات من الإنسان من حيث الوزن والطاقة والمادة ، هذا يقتضي بحثاً علمياً خاصاً ، يعتبر إذا أوردناه خروجاً عن الموضوع . لكن المهم جداً ، هو ربط الأخبار القرآنية والسماوية عامة ، عن خلود النفس بعد الموت ، وبعثها للحساب ، فتسعد أو تشقى بناء على ما قدمت في حياتها أو حيواتها . قلنا المهم هو ربط هذه الأخبار بهذا الكشف العلمي المدهش أولاً عن موت جميع أجزاء الذرّة وثانياً عن خلود البروتون . ويعني ذلك بوضوح تام أن أجزاء من الإنسان تموت فعلاً ، أي تتحلل وتبقى في الأرض ، وجزءاً منه لايموت ولا يفنى . فهل نقول ، ذلك الجزء هو نفس الإنسان ؟ بلى . ولكن أية نفس ، وفي أخبار الملهمين والمقربين ، أن للإنسان أكثر من نفس واحدة ، له عدة أنفس ، وهي كذلك منها ما يموت ويتحلل ويبقى في الأرض الدنيا ، ومنها ما يبقى في عالم الملكوت ، كذلك بعد موت أو مفارقة . ومنها ما يبقى خالداً مخلداً ، بين أعلى درجات الإسعاد وأدنى درجات الشقاء : درجات في الحيواة الدنيا والآخرة .
فما هي حكاية الأنفس في الذات الواحدة كما أوردها الملهمون المقربون عند رب العالمين ؟ وهل عددها واحد عند جميع الناس ، وما هي وظيفة كل واحدة منها ، وهل لجميعها نفس المصير ؟
معلومة تظهرطفولة علم النفس الحديث :
جاء في كتاب ” الحقائق ” للعلاّمة المحدث الفيض الكاشاني قدس سره ما يلي :
“ كلمة : بها يتبين أن للإنسان نفوساً عديدة وأن بعضها يختـص بالخـواص ” ” روي في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام أن للأنبياء وهم السابقون خمسة أرواح روح القدس ، وروح الإيمان ، وروح القوة ، وروح الشهوة ، وروح البدن . فبروح القدس بعث الأنبياء وبها علّموا الأشياء ، وبروح الإيمان عبـدوا الله ولم يشركوا به شيئاً ، وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معاشهم ، وبروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ونكحوا الحلال من شبّاب النساء ، وبروح البدن دبّوا ودرجوا (1) . قال وللمؤمنين وهم أصحاب اليمين الأربعة الأخيرة . وللكفار وهم أصحاب الشمال الثلاثة الأخيرة كما للدواب في لفظ هذا معناه “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الحقايق في محاسن الأخلاق وقرة العيون في المعارف والحكم ص 365 ـ 366 ـ 367 الناشر دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان .
أصول علم النفس عند باب مدينة العلم :
وعن كميل بن زياد قال : سألت مولانا علياً أمير المؤمنين عليه السلام فقلت : يا أمير المؤمنين أريد أن تعرفني نفسي ، فقال : يا كميل وأي نفس تريد أن أعرفـك ؟ فقلت : يا مولاي هل هي إلاَّ نفس واحدة ، فقال عليه السلام : ياكميل إنما هي أربعة : النامية النباتية والحسية الحيوانية ، والناطقة القدسية ، والكلية الإلـهية . ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان :
فالنامية النباتية لها خمس قوى : ماسكة ، وجاذبة ، وهاضمة ، ودافعة ، ومربية ، ولها خاصيتان : الزيادة والنقصان ، وإنبعاثها من الكبد .
والحسية الحيوانية لها خمس قوى : سمع وبصر وشم وذوق ولمس ، ولها خاصيتان : الشهوة والغضب . وإنبعاثها من القلب .
والناطقة القدسية ولها خمس قوى : فكر ، وذكر ، وعلم ، وحلم ،ونباهة وليس لها إنبعـاث ، وهي أشبـه الأشياء بالنفوس الملكيـة . ولها خاصيتان : النزاهة والحكمة .
والكلية الإلـهية لها خمس قوى : بقاء في فناء ، ونعيم في شقاء ، وعز في ذل ، وفقر في غناء ، وصبر في بلاء . ولها خاصيتان : الرضا والتسليـم . وهذه التي مبدؤهـا من الله وإليه تعود ، وقال الله تعالى : ” ونفخت فيه من روحي ” وقال تعالى: “{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } . [ ( 27 ـ 28 ) : الفجر ] والعقل وسط الكل (1) “.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الحقايق في محاسن الأخلاق وقرة العيون في المعارف والحكم ص 365 ـ 366 ـ 367 الناشر دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان .
وروي أن أعرابياً سأل أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام عن النفس فقال له : عن أي نفس تسأل ؟ فقال : يا مولاي هل النفس أنفس عديدة ؟ فقال عليه السلام : نعم نفس نامية نباتية ، ونفس حسية حيوانية ، ونفس ناطقة قدسية ، ونفس إلـهية ملكوتية كلية .
قال : يا مولاي ما النامية النباتية : قال قوة أصلها الطبائـع الأربع ، بدو إيجادها مسقط النطفة ، مقرها الكبد ، مادتها من لطايف الأغذية ، فعلها النمو والزيادة ، وسبب فراقها إختلاف المتولدات ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة .
فقال يا مولاي ما الحسية الحيوانية ؟ قال : قوة ملكيـة وحرارة غريزية أصلها الأفلاك ، بدو إيجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحيـاةوالحركة والظلم والغشم والغلبة وإكتساب الأموال والشهوات الدنيوية ، مقرها القلب سبب فراقها إختلاف المتولدات , فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود ممازجة لا عود مجاورة فتعدم صورتها ويبطـل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها .
فقال : يا مولاي وما النفس الناطقة القدسية ؟ قال : قوة لاهوتية بدو إيجادها عند الولادة الدنيوية ، مقرها العلوم الحقيقية الدينية ، موادها التأييدات العقلية ، فعلها المعارف الربانية ، سبب فراقها تحلل الآلات الجسمانية ، فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدأت عود مجاورة لا عود ممازجة .
فقال : يا مولاي وما النفس اللاهوتية الملكوتية الكلية ؟ فقال : قوة لاهوتية ، جوهرة بسيطة ، حية بالذات ، اصلها العقل منه بدت وعنه دعت وإليه دلت وأشارت وعودتها إليه إذا كملت وشابهته ، ومنها بدأت الموجودات وإليها تعود بالكمال ، فهو ذات الله العليا وشجرة طوبى وسدرة المنتهى وجنة المأوى ، من عرفها لم يشق ، ومن جهلها ضل سعيه وغوى .
فقال السائل : يا مولاي وما العقل ؟ قال : العقل جوهر درّاك محيط بالأشياء من جميع جهاتها ، عارف بالشيء قبل كونه ، هو علة الموجودات ونهاية المطالب (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الحقايق في محاسن الأخلاق وقرة العيون في المعارف والحكم ص 365 ـ 366 ـ 367 الناشر دار الكتاب العربي ـ بيروت ـ لبنان.