خطورة الحدث النافر إذا بقي دون تأويل :
أيما إنسان ، إذا ابتُليَ شخصياً ، بواحدة من مثل الوقائع المذكورة في هذه القصة ( صحبة موسى للرجل العالم ) : كتعطيل سفينة مائية أو فضائية أو سيـارة أو أيَّة آليـة . أو موت ولد عادي في الظاهر ، بلغ أو لم يبلغ رشده ، ذكراً كان أو أنثى ، أو رجل عالم من المشاهير ، أو يكون الأشهر في العالم تتناقل أخباره مؤسسات الإعلام والإتصال ، يؤمر أن يسافر من بلد إلى بلد ، متحملاً المشقـات ، قاصداً إنساناً مغموراً ، لا يكاد يتوقف أحد عند مكانته الإجتماعية . ثم إن هذا الشهير ، الجدير شرعاً بالإجلال والإكبار والإحترام ، يتأدب مع الرجل المغمور راجياً أن يصحبه ليتعلم منه ، فيقول الرجل المغمور لصاحب المنزلة العظمى عند الله :
” إنَّكَ لنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرَا ” .
كذلك ما يشبه الجدار وبناءَه : رجل يعمل عملاً صالحاً مُكْلِفاً مع أناس سفهاء أشحاء ـ والشِحُّ هو بعد الكُفْر من أقبح الخصال ـ بعد إذ طلب منهم خدمةً بسيطةً ، بمقدار وجبة طعـام ، فبخلوا ورفضوا أداء هذه الخدمة ، رغم اضطراره .
مثل هذه الأخبار ، لو أنها ذكرت في القرآن الكريم ، ولم يذكر تأويلها ، لصَدَمَنا القرآن صدمة هائلة ، ولظننا به الظنون .
ومثل هذه الأخبار ، لو لم تذكر في القرآن ، هي وتأويلها ، لبقي العلماء في مثل العمى ، في هذا الحقل من حقول الإختصاص ، وأمام حكمة مقفلة أبوابها ونوافذها .
ومثل هذه الأخبار ، إذا لم يستطع بعض الناس تأويلها ، يعني إدراك أسبابها والحكمة منها ، عن طريق العلماء ، لجنحوا وتهوّروا في سلوكهم الفكري ، وبالتالي الإعتقادي ، وبالتالي العملي ، مع النفس ووسوسات الشياطين ، إلى أسفل سافلين .
وكذلك القول في رموز رؤيا يوسف (ع) ، وبعده رؤيا عزيز مصر ، ومثله رؤيا إبراهيم (ع) . لو أن الله عز وجل ذكرها ولم يقيض لها بشراً راسخين في العلم ، يؤولونها بعلمه وبإذنه سبحانه ، لكان فيها الضلال المبين .
إذن ، التأويل واجب شرعي ، فريضة واجبة ، سواء كان المؤوِّل نبياً كيوسف (ع) ، أو عالماً كصاحب موسى . ونحن أسمينـاه عـالماً بالضـرورة ، لقول الله تعـالى فيـه : { فَوَجدَدْنَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَـاـهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وََعلَّمْنَـاـهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمَا . سورة الكهف الآية 65 } .
وهل كان هذا الرجل فريدَ عصره ؟ هذه قضية لا يجوز فيها الحسم . ولعل الحقيقة خلاف ذلك ، فالله سبحـانه وتعـالى قال :
{ وَللهِ جُنُودُ السَمَـاـوَاتِ وَالأرْضِ وَكَانَ اللهُ عَزيزاً حَكِيماً . سورة الفتح الآية 7 } .
لذلك وبثقة عالية ، واطمئنان كبير ، ندّعي أن ما قاله سبحانه عن صاحب موسى ، هو عينه يقوله عز شأنه ، عن عشرات ، بل ومئات من عباده ، ممن يؤتيهم رحمة من عنده ويعلمهم من لدنه علما ، وينشرهم في الأرض والأقوام ، على تعدد أجناسهم ولغاتهم ، وفي العصر الواحد والزمن الواحد . مع نسبة أعلميتهم . إذ لا بد بينهم من أعلم ، يكون موجهاً ، ومصححاً ، ومبلّغاً . وربما يكون مغموراً في مقابل المشاهير ، حتى يأذن الله تعالى بإظهاره ، وإظهار فضله سبحانه عليه . ومع ذلك ينسحب قوله تعالى على كل واحد من هؤلاء ، بمختلف درجاتهم ، إذا كان الله تعالى اختصه برحمة من عنده ، وبنوع اختصاص ، أو بأكثر ، من أنواع الإختصاص . سواء كان في العلوم الإلـاـهية الدينية ، وهي أشرف العلوم على الإطلاق ، أو كان في حقل من حقول الفكر ، أو المهن ، أو الصناعات المختلفة وعلومها التي تراوح بين الذرَّة والمجرة .