دروس حوزوية تزوِّر القرآن :
===============
لعلَّ هذا الموضوع هو أخطر المواضيع التي نالت وما زالت تنال من عقيدة التوحيد ، هذه العقيدة التي على أساسها يقبل إيمان الفرد أو إيمان الأمة أو لا يقبلان . والتي على أساسها بني الإسلام العظيم دين رب العالمين .
والموضوع هذا ، هو تزوير أساس التوحيد ، من حيث نقل الحقوق والحقائق التي هي لله وحده ، إلى فريق من عباده ، مهما كان شأن هذا الفريق ودرجته بين المخلوقين .
وحقيقة هذا الموضوع ، أن عجيبة من عجائب قلب الحقائق تدرَّس في الحوزات الدينية ، لطلبة يصبحون ، في كل جيل ، القادة الدينيين ، أي القادة الحقيقيين لأمـة الإسلام ، فهم يحملون التزوير الذي تعلموه إلى الناس ، كل الناس . وإذا كان أساتذة الحوزات أصلاً ، لم يلتفتوا إلى حقيقة هذا التزوير ، وكذلك طلابهم الذين أصبحوا ويصبحون قادة ، فمن البديهي أن لا يلتفت كذلك عامة الناس . والأدهى من ذلك ، أن العامة فضلاً عما عندهم من السطحية والفقر في الدين وضيق الأفق والجهالة في جواهر العقيدة . وفضلاً عن أنهم أعجز من أن يحققوا أو يدققوا في الأمور الفكرية والإجتهادية التي تقدم إليهم ، فهم يتعصبون للكارثة ، هذه التي تجتاح عقيدة التوحيد ، طبعاً هم تعلموا هذا التعصب ، والتمسك الشديد ببعض الأمور التعصبية تقليداً لشيوخهم .
أما الحكاية ، فهي تفسير آية أو آيات ، هي من أخطر وأوضح الآيات القرآنية التي تدعو إلى اتباع الله أصلاً وأصالة ، فقد حوَّلها المحرفون تحت عين الشمس وتحت أنوار الله الكاشفة وأنوار كتابه الكريم إلى دعوة إلى الأئمة عليهم السلام ، حيث عطَّلوا حق الله سبحانه في توحيده هو ، وجعلوه حكراً على الأئمة الذين هم برآء من هذا التزوير .
وهذه هي الآيات الكريمات التي عطلوها وقلبوا معانيها ، قوله عزت عظمته :
{ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ . قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ . سورة يونس الآيات ( 34 ـ 35 ) } .
وقبل أن أذكر التزوير الخطير لجواهر الآيات ومحورها الذي هو التوحيد . أفسِّرها ، فهي بسيطة أي غير مبهمة ولا معقدة من حيث تركيبها ووضوح معانيها :
أما قوله تعالى : { .. هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ .. } فهو سؤال بديهي إستنكاري محرج لجميع أهل الشرك ، سواء كانوا يشركون بالله أوثاناً أو بشراً ، زعماء دين أو زعماء سياسة ، أو ممثلين لمراكز قوى في حياة البشرية . والتحدي الواضح ، هو أنه لا أحد يستطيع أن يدَّعي لمخلوق أنه يخلق من العدم كما خلق الله هذا الوجود بعناصره الكثيرة ومنها هذا الإنسان ، نبياّ كان أو إماماً أو صالحاً في الصالحين ، أو غير ذلك ممن اختاروا الشرك والكفر والعناد لرب العالمين . وهذه تفيد باختصار أنه لا إلـه إلاَّ الله المتميِّز بألهانيته ، والتي هو بها سبحانه القادر المطلق والعالم المطلق والحاكم المطلق . وكأنما هذه الآية الكريمة تمهيد للآية التي بعدها ، والتي فيها تقرير الحقيقتين الكبريين ، الأولى أنه هو وحده سبحانه دون جميع خلقه يهدي إلى الحق دون أن يحتاج لهداية أحد . والحقيقة الثانية المترتبة عليها وهي أنه إذاً هو وحـده أصالة يجب أن يُتَّبع ، فاتِّباع غيره بدون هديه هو وبدون أمره هو وبدون إرشاده هو يؤدي إلى الهلكة ، وأية هلكة هي التأبيد في نار الجحيم . هذا هو معنى الآية الثانية { قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ … } والجواب القطعي أنه لا ليس أحد من الشركاء ولو كانوا في زعمهم أنبياء أو أئمة ، فلا أحد منهم يستطيع أن يهدي إلى الحق وهو بعد بشر ، ولن يكون إلاهاً ابدا . هو سبحانه قال لعظيمهم محمّد (ص) : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا . سورة الكهف الآية 110 } .
فقوله تعالى { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ .. } يعني محمّد (ص) بشر مثل بقية البشر ، يضل ويهتدي ، فإذا عصمه الله ، وقد عصمه ، فإنما يهدي بما يوحي إليه الله سبحانه ، وهكذا الأئمة المعصومون عليهم السلام هم بشر كبقية البشر ، وهم في أحسن حالاتهم ليسوا أفضل من محمّد (ص) ، فهم لن يستطيعوا أن يهدوا أحداً إلا بعد أن يهديهم الله . فماذا جرى حتى قلبوا هذه الحقيقة في الكتب التي تدرَّس في الحوزات الدينية ، حيث جعلوا قوله تعالى : { .. قُلْ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ .. } ؟ جعلوها حكراً على الأئمة (ع) وأنهم هم يهدون إلى الحق من دون الله (*) . أما قوله سبحانه { .. أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى .. } وهو سبحانه يقصد بها جميع ما خلق من الملائكة والجن والإنس وفيهم الأنبياء والأئمة والأولياء ، جعلوها فقط للعوام من النـاس { فما لكم كيف تحكمون } ؟! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) كتاب التربية الدينية ـ دراسة منهجية لأصول العقيدة الإسلامية . الصفحة (60 ـ 61 ) .
وليس عبثاً ، ومعاذ الله ، أن يُتْبِعَ سبحانه هاتين الآيتين بقوله عـزت عظمتـه : { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ . سورة يونس الآية 36 } .
وفيما يلي أدناه النص الحرفي الوارد في الكتاب الآنف الذكر صفحة 60 ـ 61 :
ومن الآيات القرآنية التي تفرض أن يكون الإمام عالماً بالشريعة علماً كاملاً قوله تعالى :
{ ” أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتَّبع ، أمَّن لا يَهدِّي إلا أن يُهدَى ؟!.. فما لكم كيف تحكمون ؟! “ سورة يونس آية 35 } .
يخاطب الله تعالى الناس باسلوب الاستفهام ، فيقول لهم : أيهما أحق أن يقتدي بسيرته ، ويرجع إليه في معرفة الشريعة الإمام الذي يهدي إلى الحق ( وهو العالم بالشريعة علماً كاملاً ) .. أم الامام الذي لا يهدي إلى الحق ، وإنما يحتاج إلـى أن يهديه غيره إلى الحق ( وهو الذي لا يعرف الشريعة معرفـة تامة ) ؟! .
وإنما وجَّه الله تعالى هذا الخطاب إلى الناس باسلوب الاستفهام لينكر فيه سبحانه على الناس : أن يقتدوا بالامام الذي لا يعلم الشريعة علماً كاملاً ، وليفرض عليهم أن يقتدوا بالامام العالم بالشريعة علماً كاملاً ، لأن الإمام العالم بالشريعة علماً كاملاً أعرف بالحق .. ولذا عقب ـ تعالى ـ خطابه الكريم هذا بقوله .
{ ” فما لكم كيف تحكمون ؟ .. ” } .
كيف تحكمون بأنه يجوز الاقتداء بالامام الذي لا يعرف الشريعة معرفة تامة ، وأنتم تعلمون بأن مثل هذا الامام الذي لا يعرف الشريعة معرفة كاملة ، لا يطمئن الناس إلى أن يقتدوا به لانه يخطأ في تعليم الشريعة وتبليغها ، وفي تطبيقها وتنفيذها .
قال الله سبحانه مخاطباً رسوله محمّداً صلى الله عليه وآله :
* { قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنْ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ . سورة سبأ الآية50 } .
* { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى . وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى . سورة الضحى الآيات (6 ـ 7)}.
* { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا . وَأَنَّـهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُـوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا . قـُلْ إِنَّمَا أَدْعـُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحـَدًا . قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكـُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَدًا . قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونـِهِ مُلْتَحَدًا . سورة الجن الآيات ( 18 ـ 22 ) } .
* { قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شـَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ . سورة الأعـراف الآية 188 } .
* { قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكـُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ . وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ . وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . سورة يونس الآيات ( 104 ـ 107 ) } .
هذه الآيات ، كما تؤكد بشرية محمّد رسول الله (ص) كذلك هي تؤكد عبوديته لربه وتبعيته له واهتداءَه بهديه ، وفقره إليه ، وكذلك هي بديهةً ، تؤكد بشرية الأئمة عليهم السلام وعبوديتهم وتبعيتهم لربهم ، واهتداءَهم بهديه وفقرهم إليه . وبالتالي هي سنن الله فيهم وفي الناس أجمعين .
نعم { .. لِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ . سورة الرعد الآية 7 } هادٍ مرسلٌ من الله أو مكلف من قبل الله تبارك وتعالى ، ليهدي الناس إلى الله ، وهو يستحيل أن يكون هادياً إلا بعد أن يهديه الله عز وجل . وإذا كان رسول الله محمَّد (ص) أعلى مقياس بين الهداة الذين أرسلهم الله أو كلفهم ليهدوا الناس ، فقد أكَّد الله سبحانه أنَّ محمَّداً (ص) لا يمكنه أن يكون مستقلاً عن رعاية الله وتوجيهه وتسديده كما رأينا في الآيات الآنفات وفي آيات أخر . مثل قوله تعالى يخاطبه في بعض المناسبات :
{ وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً . إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا. سورة الإسراء الآيات ( 74 ـ 75 ) } .
أو قوله تبارك وتعالى :
{ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسـِرِينَ . سورة الزمر الآية 65 } .
فإذا كان محمّد صلى الله عليه وآله ، هو المقياس الأعلى بين الهداة ، فمن البديهي أن يكون الأئمة عليهم السلام ، وقد جعلهم الله خلفاءَه أو أوصياءَه (ص) ، في أحسن حالاتهم مخاطبين بما خاطب به سبحانه رسوله الأمين (ص) . فراجع الآيتين الآنفتين .
بقي أنه قد يدَّعي علينا أحد ، حيث اعتبرنا رسول الله محمّداً صلى الله عليه وآلـه أنه المقياس الأعلى بين الهداة في تاريخ البشر ، والإدعاء يستند إلى بعض الآيات من مثل قوله تبارك وتعالى :
{ وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً . سورة النساء 125 } .
أو قوله عزت عظمته مخاطباً محمّداً (ص) :
{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . سورة الأنعام الآية 161 } .
فنقول تكفي آية العهد الذي أخذه الله تعالى على الأنبياء أن ينصروا خاتمهم ويؤازروه ، لتزيل من الأذهان ما قد يعلق بها من تدني منزلة محمَّد صلى الله عليه وآلـه عن رتبة نبيّ الله إبراهيم عليه السلام ، فالآية وإشارات كثيرة غيرها في القرآن الكريم تؤكد سيادة محمّد (ص) وإمامته لجميع النبيين والمرسلين عليهم السلام . وهذه الآية الكريمة :
{ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ . سورة آل عمران الآية 81 } .
هذا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .