رداً على ما أفتى به حاخامات اليهود
من قتل أطفال أعدائهم في حرب وبدون حرب
أفتى حبران من أحبار اليهود في فلسطين المحتلة بقتل حتى الأطفال عند أعدائهم المسلمين والعرب وفي حالتي الحرب، والسلم إذا تمكنوا من ذلك، وقد نشروا فتاواهم في كتاب تحدثت عنه صحفهم ولا سيما “يديعوت أحرونوت” وكذلك الصحف العربية والعالمية.
يقابل ذلك في شريعة المسلمين وباختصار ما يلي: في حرب المسلمين مع اليهود. يجب على مقاتلي المسلمين أن يقتلوا الرجال من أعدائهم اليهود فقط. ويسْبوا (أي يأسروا) النساء والذرية (أي الأطفال) ويصادروا الأموال.
أما مستند ذلك وتفصيله ففيما يلي:
في حرب الأحزاب ـ وفيها نص في القرآن المجيد من رب العالمين ـ خان اليهود المسلمين خيانة نكراء أثناء انهماك هؤلاء الأخيرين في حربهم مع أهل الشرك وقد تجمعوا من جميع الأقطار ليقاتلوا محمداً النبي وأصحابه خارج المدينة المنورة. غدر اليهود بالمسلمين، حيث نقضوا معاهدة كانت معقودة بينهم مفادها أن يدفع اليهود إلى جانب المسلمين أعداءَ الفريقين. فوقع المسلمون في ضيق شديد نتيجة لنقض المعاهدة المفاجىء وخيانة الحلفاء. لم يصدِّق محمد سلام الله عليه هذا الخبر الصاعق فأرسل رجالاً يستطلع الخبر في حصن بني قريظة. فعادوا بما يؤكد خبر هذه الحقيقة. واستمر القتال مناوشاتٍ بين المسلمين والمشركين، وهما غير متكافـئين في العدد والعدة حيث كان قد زحف أبطال المشركين بخيولهم وأسلحتهم وأعدادهم وأحقادهم من أنحاء الجزيرة العربية وفي عزمهم إبادة المسلمين عن وجه الأرض. وكان المسلمون قد حفروا خندقاً، لذلك سميت حرب الأحزاب هذه كذلك حرب الخندق وقد اتقى المسلمون به هجمة مباشرة من عدوهم، ولقد نال المسلمين في ذلك الكثير من الرعب، حيث قد حاصرهم المشركون أكثر من عشرين يوماً أرهبهم خلالها اجتياز عمرو بن عبد ود الخندق بفرسه وكان مشهوراً بفروسيته وقدرته العجيبة على قتل الأبطال والفرسان وأخذ يتحدى المسلمين ويهوِّن من شأنهم، ويهزأ من جنتهم الموعودة، فبرز له علي بن أبي طالب سلام الله عليه وقتله قتلة ما زالت أصداؤها تدوِّي في تاريخ الدعوة الإسلامية وإلى قيام الساعة. وكان ذلك أول المدد للمسلمين من الله عز شأنه وجل جلاله. ثم، وقد طال الحصار تململ فريق من المسلمين. وأخذ الخوف والرعب فريقاً آخر أخذوا يتوسلون إلى رسول الله سلام الله عليه أن يأذن لهم بالرجوع إلى المدينة بدعوى أن بيوتهم عورة. وقد قال الله في ذلك ﴿ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا ﴾ ولخص سبحانه هذه الواقعة في آيات بينات في كتابه المجيد المنزل على رسوله محمد (ص) حيث قال في بعض وصفها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا، إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا، هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيدًا، وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا، وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا، وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيرًا، وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا، قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا، قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا، قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلا قَلِيلا، أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا، يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلا قَلِيلا، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا، وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا، لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا، وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴾.
وبعد هذا الوصف الدقيق الموحي والملهِم كثيراً من العبر والدروس النفسية والإيمانية التي أهمها الثقة العظيمة بنصر الله جلَّ وعز، وأنه سبحانه يحب الأقوياء في الله والثابتين على توحيده والمجاهدين في سبيله، حتى ولو كانوا قلة قليلة، في ظاهرها مستضعفة مغلوبة على أمرها. إلا أنه سبحانه لم ولن يخيب أحباءَه وأنصاره في أحلك الظروف وأعظمها تعقيداً، بدليل أنه عز شأنه فرز المسلمين الذين كانوا مع رسوله محمد (ص) ولقد أظهر نوايا كل فريق منهم في سورة الأحزاب في الآيات العجيبات، وهم بين خائفٍ، أو مشككٍ أو ثابتٍ ثبات الصخر الأصم على دينه وثقته بربه الحي القيوم الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد، وذلك محسوم عنده سبحانه في تعامله مع البشر. وبعد هذا كله، وحيث كان الله تعالى يعلم أن محمداً (ص) وصحبه آنذاك لن يقدروا على مواجهة هذا السيل العارم من المشركين، صبَّ مما عنده سبحانه على الأحزاب من رياح وحجارة وعواصف رملية﴿ وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ﴾ فهتك عديدهم وقلب آنيتهم التي كانت على نيرانهم وأطار خيمهم وشرَّد خيلهم وجمالهم في الصحاري الواسعة، فهرب القوم مذعورين مهزومين، أعز ما يصبون إليه، النجاة من هول هذه القيامة التي قامت عليهم.
وابتهج بهذا العطاء الثاني العظيم محمد (ص) وأصحابه الميامين ورجعوا إلى المدينة منتصرين بالله واثقين بعزته وقدرته وقوته ووجوده معهم أينما كانوا، وتخففوا من أسلحتهم واستحموا وقد آذن دخول صلاة العصر. وإذا بالمنادي ينادي، أيها المسلمون: خذوا أسلحتكم من جديد ولا تصلُّوا العصر إلا في بني قريظة (أي حول حصنهم) وكان حصن بني قريظة يبعد عن المدينة أميالاً قليلة.
فامتثل المسلمون يلبون أمر الله ورسوله ويدفعهم حب الثأر والضغينة على هؤلاء الأشرار الخونة، الذين لولا الله الذي هزم عدوَّهم شر هزيمة، وأنجاهم من خيانة اليهود وتآمرهم مع العدو، لكانوا الآن قتلى ممزقين على الكثبان.
وأتى أمر الله تعالى بالإنتقام من الخونة كما أسلفنا، وحاصر المسلمون حصن بني قريظة فشتم اليهود محمداً (ص) والذين معه من فوق الأسوار، فغضب علي بن أبي طالب لشتم رسول الله (ص) غضباً شديداً وهدد باجتياح الحصن من بابه وقد تجمع حوله فريق من الفدائيين،فقال اليهود ننزل على حكم رجل كان حليفاً لنا في الجاهلية، وهو الآن في المسلمين، قالوا من هو؟ قالوا: سعد بن معاذ زعيم الأوس، فسأل المسلمون محمداً عليه السلام في ذلك، فقال أجيبوهم لذلك. وكان سعد بن معاذ أصيب بسهم في المعركة وما زال في مكانه في المدينة يشتكي فيه. فذهب المسلمون وأتوا به على ظهر دابة. وسألوه، وقد أخبروه أن بني قريظة حكَّموه في أمرهم وقد أوصدوا دون المسلمين حصونهم. فحكم سعد بن معاذ: بقتل الرجال ومصادرة الأموال وسبي النساء والذرية. وذلك قبل أن يبلغ محمداً رسول الله عليه السلام. فلما أخبروا محمداً (ص) بذلك كبَّر ثلاثاً، ثم قال: والله إن سعداً لنصير الله، والله إن حكمه بقتل الرجال ومصادرة الأموال وسبي النساء والذرية لهو حكم الله جل جلاله من فوق السماء السابعة، فعليكم بذلك وكان اليهود قد فتحوا الحصن لسعد بن معاذ وداهنوه وتوسلوا به، فما تزحزح عن حكمه قيد شعرة. فاعتقل المسلمون رجال بني قريظة كلهم وقتلوهم وصادروا جميع أموالهم وسبَوْا ـ كما هو حكم الله فيهم ـ النساء والأطفال.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.