بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة إلى قادة الغرب والشرق ومن بينهما

 

 

        بسم الله وبالله ، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى (سورة النمل ، الآية  59 ) .

        حضراتُ القادةِ والسادةِ  ـ طبعاً بما فيهم العلماء ـ الغربيـين والشرقيين،  وأشياعهم .

        السلام على من اتبع الهدى ، وبعد ،

        تقرّباً إلى الله تعالى ، وبداعي الأخوة الإنسانية ، والإشفاق وأن نحب لكم ما نحب لأنفسنا عملاً بوصية نبينا محمّد صلى الله عليه وآله ، أدعوكم إلى الله ـ كما أمرنا سبحانه ـ بالحكمة والموعظة الحسنة ، لعلكم تهتدون ، فنسعد وإياكم  بعفوه وغفرانه ، وننعم وإياكم برحمته الغامرة في الدارين  .

        ولذلك بلغة النذير المشفق ، أخاطبكم ، قبيل وقوع الحرب العامة الآتية، رغم اتفاقات السلام الظاهرية ، لأنها القيامة الصغرى ـ نتاج أيديكم ـ على كوكبنا هذا الملغّم بما تعملون،  وبعدها ـ لمن يبقى ـ قبيل قيام الساعة على مستوى الكون ، القيامة الكبرى ، التي بدأت أشراطها ـ المرسومة عندنا في كتاب الله والواقعة عملياً تحت أبصاركم ولكنكم لا تعلمون أنها أشراط الساعة ـ تظهر بقوة مرعبة ، يواكب بعضها بعضاً .

        ولأنه بقي لدينا بعض الوقت للدعوة إلى الله سبحانه ، وبهدوء ، قبل بدء الإرتجاجات تحت سمائنا الدنيا ، فنؤجل الآن  ـ موضوع أشراط الساعة وتبعاً لها ترادف القيامتين ـ  إلى فصل بعد هذه الرسالة حيث نفرد له باباً مستقلاً لأهميته القصوى .

        فاستفادة من الحالة العالمية الراهنة ، والتي ما زال ممكناً معها ، التفكير المسؤول ، والتأمّل ، ومحاسبة النفس ، بادروا إلى تقوى الله ، وحاولوا مخلصين فهم الإسلام الحقيقي ، ولو بخطوطه العريضة ، وهذا أمر يسير لمن آمن بالله بعمق وصفاء ، فالإسلام الحقيقي بسيط،   غير معقّد ، فضلاً عن أن الله عزّ وجلّ يوجـب عليكم وجـوباً قطعيّاً أن تدينوا به ، إذ {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ..}(سورة آل عمران ،  الآية 19) { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ..}(سورة آل عمران  ، الآية  85)  هذا أمر الله وقضاؤه . { ..فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ}(سورة غافر ، الآية  78).

        بادروا لإعمال العقل ، لا النفس الأمّارة ، بادروا قبل التورط ،  والحساب ، والعذاب الذي لا تنفع معه الندامة .

        فيا أهل المغرب ويا أهل المشرق ، الله عزّ وجلّ هو الذي شاء وقدّر ، وقضى فأبرم لمحمّد صلى الله عليه وآله ، كما شاء  وقدّر وقضى فأبرم  لموسى وعيسى  عليهما السلام ، فأين تذهبون .

        فانتهزوا الفرصة ، وتأمّلوا مليّاً  في ( العقل الإسلامي وعلم الفلك )  حيث سنقدم  لكم عنهما في هذه الرسالة ، عجالة ، لعلكم تعتبرون ، ولعلكم  تفقهون أن السبـق الظاهـري الذي اغتررتم به ، إنما هو سبـق السلحفاة للبراق ، إذ إن أعظم علمائكم اليوم في علم الفلك ، مـع أضخـم مراصدكم وسفنكم الفضائية  ، ما توصـل من الكشف إلى  بعض بعض ما يتوصـل إليه عبد من عباد الله الصالحين وهو قائم في مناجاة ، أو ساجد في مصلاه لله ربّ العالمين .  والعاقبة للتقوى . وَأَمَامَنَا الحصاد :

       { .. لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ . فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنتَصِرَانِ }(سورة الرحمن ، الآيات  33 ـ 34 ـ 35) .

       قد يغضب من هذا الكلام  ، من حيث لا تغضبون ، أتباع لكم تتلمذوا عليكم من قريب أو بعيد ، وكانوا مسلمين ، ولكن لما غشيهم مـوج حضارتكم الزنديقة بهر منهـم القلـوب والأدمغة والأبصـار فارتدوا عـن إسلامهم  ، دين العقل ، دين التوحيد ، ليدخلوا في شرك الآلة ومادية الآلة وأرباب الآلة ، مكذبين بالآيات البينات ، مرعوبين من الموعظة  ، فرحين بما عندكم  ، وربما عندهم من لعب العلم وأقول ( لعب ) قياساً على أسرار وابعاد السموات والأرض  ، هؤلاء أيضاً  تحملون من أوزارهم وبالنتيجـة معكـم يحشرون.  

        في وقت كان لزاماً  على من ابتلاهم  الله بالكشوف العلمية أن يزدادوا إيماناً وصلاحا،ً وإصلاحاً وعدلاً ، ورأفة بالشعـوب ورحمة بالناس وتقرّباً إلى الله لما يفتح عليهم من أسـرار علمه ـ وقد أوجب على الناس طلبه ـ  فيزيدهم علماً نافعاً ويسعدهـم به ، بدل أن يدمّر عليهم بعد أن عزموا هـم على تدمير أنفسهم .

       { .. وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }(سورة النحل  ، الآية 33) .

       على أي حال بإخلاص الناصح ، ورفق الأخ الإنسان ، المنيب إلى ربّه تعالـى ، أدعوكم لتأمّـل هذه الآيات التـي طالما أفزعـت العقـلاء المستنيرين ، والتي تكشف ضآلـة الذين يفرحـون بما عندهم مـن العلـم ، مستهزئين بكل بشير ونذير ، شرقياً كان  أم غربياً ، فتضعهم هذه الآيات ـ إذا أصرّوا على عتوهم ـ في مهب الحسرات ، ولات ساعة مندم  ، بعـد دمار  الحضارة وأهلها  : قال تعالى  :

       { أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ . وَتَتَّخِذُونَ مَصَـانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ . وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ }(سورة الشعراء ،  الآيات  128 ـ 130) .

       وقال عزّ شأنه :

       { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ، فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ . فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون . فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ }(سورة غافر ،  الايات  82  ـ  85).

        ألا  ، وإن بأس الله لآتٍ ، فهل تنتظرون  انتظار العاجز عن اتخاذ القرار حتى يدهمكم بأس الله غاضباً مدمراً في خسف وقصف وأعاصير وزلازل وطوفانات أو قيامة ، أو غير ذلك  من الآيات ، ومقدمات كل ذلك في عصرنا هذا ،  هي للمستنيرين أظهر من الشمس في رائعة النهار ، اقرأوا الآية التالية وأنظروا ، ثم خذوا طريق الحق الذي هو الخير والذي هو الجمال . قبـل أن يتحقق شيء من هذه الآية ، قوله تعالى :

       { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }(سورة الأنعام ، الآية  158) .

* * * *

والآن  ، بعد هذه المقدمة ، نبدأ بعرض ما وعدنا به آنفاً ، بخصوص لمعات  عن القرآن الكريم  والذي أنزل  عليه  القرآن صلى الله عليه وآله  وعن الفلك . حيث سيكون تركيزنا إن شاء الله  على ما نعتقد أن فيه الفائدة  للمجتمع الإنساني  كله ، إذا أعمل قادته عقولهم وأخذوا بحكم الله وبما أنزل الله ، ناظرين  بتجرد وموضوعية ، إلى بحوثنا الآتية ضمن هذا الكتاب نظر المؤتمن على أغلى أمانة حملها الإنسان : نفسِهِ وشرفِهِ ، وشرفِ الإنسانية ، وباختصار دينِ الله القيم الذي أشار إليه سبحانه بقوله تعالى :

       { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ، ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ }(سورة الروم ،  الآيات  30 ـ 32) .

        وقوله تعالى مخاطباً رسوله محمّداً صلى الله عليه وآله والبشرية كلَّها مع رسوله محمّد صلى الله عليه وآله ، ليعقلوا ما شرع لهم من الدين ، وليعقلوا حقيقة الإسلام .  الإسلام الذي كان منذ آدم  ، شرائع متناسبة مع كل عصر من العصور السالفة : فكمّل نوح ما كان قبله ، وما نقضه ، وجاء إبراهيم شيعةً لنوح ، مكملاً ما جاء به  وما نقضه ، وكمل موسى ما كان قبله ، وما نقضه ،  وكمل عيسى ما جاء به موسى  ، وما نقضه ، إلى أن جاء محمّدٌ صلى الله عليه وآله  خاتَماً للنبيين عليه وعليهم أزكى الصلاة والسلام  ، مكمِلاً بوحي  الله ما أتى به الرسل من قبله ، وإنما جعل الله الشريعة التي أرسله  بها نظام دولة مؤمنة تقية  ثريَّة عادلة ، دولة واحدة موحِّدة ، يحكمها الله الواحد الأحد بتعاليمه ، وما ناسها إلاَّ منفذون . وذلك منهاج عمل عقلي ونفسي ومادي ، ملزِم ، منقذ للبشرية إلى قيام الساعة ، أفراداً ومجتمعات،  وذلك لقصر الزمان  الواقع بين بعثة  محمّد الميمونة ، وبين القيامة الكبرى ، التي في أيامنا هذه  تطل أشراطها برؤوسها بين بر وبحار وأنهار ، ودرع غيوم  حـرارية تلف الأرض  وتعقد  لهـا المؤتمرات ،ناهيك عمّا في الفلك من مفاجآت داخت حيالها المراصد ،فكيف يكون حال  الراصدين .أما الآية التي عنيت فهي قوله سبحانه مخاطباً رسوله محمد صلى الله عليه وسلم:

 { شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ . وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }( سورة الشورى ، الآيات 13 ـ 14) .      

{ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }(سورة محمد الآية 24). ( قرآن كريم ).