روح القرآن : الدعوة إلى الله في بيوتٍ أذن الله أن ترفع

روح القرآن : الدعوة إلى الله

 

في بيوتٍ أذن الله أن ترفع

 

 

          على محمَّد (ص )أنزل القرآن العظيم ، هذا الكتاب الذي ملأ الدنيا دويّاً ، وملأها بركات وملأها علماً ومناهج سلامة واستقامة ، ونُظماً سديدة ، ومجتمعات رشيدة ما دام الناس ، يعملون ويسترشدون  بكتاب الله العظيم ، القرآن الكريم  .

          والقرآن الكريم  لباب ما يتوخاه الناس من حصاد المعاني ، في رحلة  اللغات والأفكار ، والأخلاق والنظم ، في تاريخ البشرية ، وتتويجاً لتاريخ البشرية ، وذلك جدُّ بديهي ، وجدُّ طبيعي  لأنه كلام الله جل جلاله .

          فأي عالم من المعارف ، وأي كون هو هذا القرآن الكريم الذي وصفه الله تعالى  بقوله : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ . فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ . سورة البروج  آية ( ۲۱ –۲۲) } وقوله عز شأنه : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ . لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ . تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ . سورة الواقعة الآيات ( ۷۷ –۸۰ )  } . وإشارة إلى عظمة القرآن ، وعظيم ما فيه ، وسموِّ ما فيه ، وعميق معانيه ، وبليغ مراميه ، يقول سبحانه : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } ويكررها لجلاء جواهر الحكمة فيها ، عدة مرات في سورة القمر .

          أما ما هي روح القرآن ، وهدف توجهاته وتوجيهاته ، وهدفه الذي يختصر كلام أهل السماوات والأرض ، وتطلعات أهل السماوات والأرض ، وشرف أهل السماوات والأرض ، فهو بين الدفتين ، وبكل وضوح : الدعوة إلى الله ، إلى كلمة { لا إله إلا الله } إقراراً بنعمته وإخلاصاً لوحدانيته ، والتقرب إلى كرم وجهه ، والتشرف  بمعرفته ، كل ذلك بالطاعة والعبادة والحب ، والجهادين الأكبر والأصغر . بهمة مستفادة  من فضله سبحانه ، ومن قرآنه هذا العظيم وهذا الكريم ، يخلع معها العارف ثياب الدنيا ثوباً  ثوباً ، ليجد نفسه متوجهاً إلى ربه العظيم بثوب نوراني لا أثر فيه لألوان الثياب وجفاف الثياب ، وما تكشف الثياب من سوءات ، هو {.. نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأََمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. سورة النور آية ۳۵ } .

إذن تكامل الإستنارة بنور الله ، يؤدي إلى السعادة المطلقة في الله ، تلك هي روح القرآن .

          وإذا أردنا أن نتوسع أكثر عن نورانية أهل اليقين ، من الذين يرزقهم الله  من العرفان درجات ، نذكر الآية التي بعد هذه {.. نُّورٌ عَلَى نُورٍ .. }  مباشرة ، وهي قوله تعالى :

          { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُـونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ . لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَـنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ .  سورة النور آية ( ۳٦ –  ۳۸ ) }  فقوله تعالـى : { فِي بُيُوتٍ } إلى قوله : { بِغَيْرِ حِسَابٍ } هو إعراباً خبر بعد خبر ، بعد قوله عز وجل : { نُّورٌ عَلَى نُورٍ } ، وقوله : { يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء } وكأن القارىء  الواعي لا بد أن يسأل : { نُّورٌ عَلَى نُورٍ ؟ } كيف ؟ و{ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء } من هم الذين يشاء أن يهديهم الله لنوره  ؟ من هم ؟ وأين هم ، وكيف ، ومتى … ؟  فيأتي الجواب الشافي  :

          { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} .

          فإن قيل هي المساجد ، كان صحيحاً ، وإن قيل هي كذلك بيوت عادية من حجر في أهل حضر ، أو شعر في أهل وبر .. كان ذلك صحيحاً . وإن قيل هي أبدان العابدين التي هي بيوت نفوسهم ، كان ذلك صحيحاً . إنما هذه البيوت لا يرفع شأنها إلا بإذن الله ، ولا يذكر فيها اسمه سبحانه إلا إذا أذن هو تبـارك وتعالى بذلك . وقوله عزت عظمته : { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ .} أي حالها كذلك ، أي ، لكي يأذن لها أن ترفع ، ينبغي أن يكون من صفاتهم ومن نهجهم ، أن يذكروا اسم الله بالغدوِّ والآصال  أي في أوقات تكاد تكون موصولة بذكره وبالتسبيح بحمده ، لا تقطعها تجارة  بمقايضات وصفقات وأنواع تثمير ، لتجميع المال والإنشغال بتجميعه ، زيادة عن حاجة الأسرة في مسكنها ومآكلها ومشاربها .

          أما إذا قيل : واضح تفسير قوله تعالى : { رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ .. } ولكن ما المقصود بقوله تعالى : { .. وَإِيتَاء الزَّكَواةِ ..  ؟ } وهم ، أي هؤلاء  المستنيرون بنور الله ، بعد أن تفرغوا  للجهاد بأنواعه وللعبادة آناء الليل والنهار ، فمن أين لهم المال لكي يؤتوا الزكواة ؟  الإجابة ذات وجهين ، قد يتفقان وقد يفترقان . ويفهم ذلك إذا عرفنا أن الزكواة لا تكون فقط بأداء المال ، وإنما قد تكون زكاة علم وزكاة أبدان جهاداً في سبيل الله ، فإذا فتح الله على عبده باب علم وباب مال ، فلا كلام في أن العبد الصالح يؤتي  الزكواة من هذين الرزقين ، وإلا فمن العلم والجهادين الأكبر والأصغر . وقد جمع الله كل ذلك بقوله عز وجل في آخر هذه الآيات ، حيث قال: { لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ }  وذلك بعد ذكر صفة مهمة من صفاتهم ، هي كونهم { يَخَافُـونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } .

          لا تستغرب ! …

          فبين يديك مصاديق كثيرة لهذه الآيات ، ولما ذكرناه في تفسيرها ، وهذا غير محصور  كما قد تظن بالأنبياء والأئمة المعصومين ، وإنما هو مشاع للصالحين  من عباد الله في كل زمان ومكان . ولو أنك تفحصت  تاريخ أولياء الله وحيواتهم وما قد يصلك عن سلوكهم في الماضي والحاضر والمستقبل ، لبدلت استغرابك  بالإعجاب بمدى لطف الله وكرمه وحبه لأوليائه .

          ولا تنس روح هذه المطالب ، وأساسها الذي هو في قوله : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} وتوقف طويلاً عند { .. اسْمُهُ ..} فقط وتأمل ، وسافر إذا شئت ـ مقبولاً إن شاء الله ـ  في فكر التوحيد والحب ، فإن أخلصت القلـب لله ، وتخلصت من خفايا الشرك وتأليه المخلوقين ، فأنت بإذنه تعالى من الواصلين ، ترفل بقلب من نور وعقل من نور وثياب من نور .

          ولا تستعجل !…

          واسأله تعالى وحده ، اسأله لنفسك السكينة ، لنتفاهم بروية ، فإنا قد ذكرنا لك عن هذا العلم  ، أنه لشرفه ، ليس كثيراً أن تخاض إليه  اللجج ، وتسفك دونه المهج ، كما قال الإمام السجاد عليه السلام .

          ولسنا نكتب لك لتترك دنياك ، هكذا بجرة قلم تقفل بها باب ماضيك وحاضرك  وتفتح بها باباً لمستقبلك . فإني وإن كنت أحبك في الإنسانية وأحب لك الهداية فإني لن أقدرعلى هدايتك ما لم يأذن الله ، فإن الشفاعة لله جميعا ، أولا تذكر قوله تبارك وتعالى  :

          { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء ..} .

          هذا القول قاله الله تعالى لمحمد (ص) عبده ورسوله ، وفحواه أن محمداً لا يستطيع أن يهدي من يحب ، لأن الله هو وحـده الذي يهدي من يشاء ، فإن اهتدى بمحمد ٍ ( ص) أحد ، فلا يكون ذلك إلا بإذن الله ومشيئة الله وشفاعـة الله . فلا تسألنَّ إلا من الله الهداية وكلَّ خير . لأن  بيده الخير ، كل خير ، وهو على كل شيء قدير .

          ولا  تخش  من هذه الكتابة وهذا التفسير على الناس ، أن يتركوا قصورهم ويتخلَّوا  عن تجاراتهم واختراعاتهم  وغزوهم الأسواق .. والأفلاك  ، أو حتى  عن مقعد في مقهى أو تخصص في جامعة  أو بناء ناطحة سحاب .

          وإياك والقعود عن الجهاد أو الدعوة إلى الجهاد ، جهاد الفرد وجهـاد الأمة ، فإن ههنا دليل الجهادين ، وبغير هذا الدليل  وأمثاله ،  يبقى الجهاد كما هو مطروح في الساحات ، محلياً وعالمياً ، جهاداً تعبدياً للتراب والصخر ، والأرض والعزة  والكرامة ، والوطن والإقتصاد … إلى آخر حلقة من حلقات الحياة الدنيا . وصحيح  أن كل هذا مطلوب الحفاظ عليه  ، إنما ـ إن لم تكن من المتبحِّرين  ـ ستصدمك الحقيقة  التي نسوقها إليك ، وهي أن كل ذلك الذي ذكرناه ، إذا لم يكن مقروناً بالإيمان بالله ،  سيكون عملاً حابطاً ، أي مردوداً على أصحابه ، وسيحاسبون عليه حساباً عسيرا . فأين هم من الله ، من ملك الله وحكم الله وقيومية الله وحق الله ؟ جلَّ وعلا تعالى عما يشركون .

          لن يتأثر بهذه الكتابة ، ولن ينتفع بها ، إلا من أراد الله هدايته ونقله من درجات الإيمان إلى درجات اليقين ، ومن أدنى درجات الجنان إلى عليين . فإن هذه الكتابة فقط لأهل الإيمان ، وتحت عنوان قوله تبارك  وتعالى : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ . سورة الذاريات آية ۵۵ } .

          أما كيف يصبح ما في رأسك نورانياً ، وقلبك نورانياً ، ودمك نورانياً ،  فمعاً فيما وفقنا الله تعالى إلى تأويله في بعض  وجوه آيات النور ، التي ذكرنا  بعض انعكاساتها ، والآن نعود إلى أصلها ، وهو قوله تبارك وتعالى : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . سورة النور آية ۳۵ } .

          لن أتكلم عن أنوار الله تعالى ، التي بها  نرى حمرة الوردة ، وبياض الياسمين  وغير ذلك من الألوان  والأشكال ، في الأرض وفي السماء وما بين الأرض والسماء ، حيث أنه ثبت علمياً  كما أنه ثابت بالنظر  العقلي والنظر الظاهري ، أنه لولا أنوار الله التي  بها نرى ، وعلى أساسها نحيا ونتحرك ويعمر هذا الوجود ، لكان الناس  عمياناً والكون ظلام دامس . إنما سأتكلم عن نور هو أعجب مما نرى  وندرك في ظواهر الأشياء ،  هو  نور  الإنسان الذي يجتبيه الله أو يصطفيه  نبياً أو ولياً ، أو صالحاً في الصالحين ، في كل زمان وإلى يـوم الدين ، وهذا النور هو في قوله جلَّ  شأنه:  { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} .

          قوله تعالى : الله نور السماوات والأرض ، واضح المعنى ، فلا نور في السماوات والأرض إلا نوره ، وهو إما مادي وإما معنوي ، فأما المادي  فكنور الشمس ونور الفجر وأنوار النجوم والأقمار ثم أنواع النور التي علم الإنسان استنباطها من الزيت إلى الطاقات النووية ، وأما المعنوي فدينه سبحانه ، ودينه الإسلام ، أرسل به الأنبياء تترى ، منذ آدم عليه السلام إلى نوح إلى إبراهيم  إلى موسى إلى عيسى إلى محمد صلوات الله عليه وعليهم ، وغيرهم من الأنبياء كثير ، ودليلنا التمهيدي على أن المراد  بـ { مَثَلُ نُورِهِ } : الاسلام  دينه الحنيف ، قوله عزت عظمته :

          { أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ . سورة الزمر  آية ۲۲ } .

          ويعني أن من لم يشرح الله صدره للإسلام ، فليس على نور من  ربه ، يعني هو  في ظلام ، ومعلوم أنه كذلك يكنَّى بالظلام عن الضلالة  والجهالة والعماية ،  والتلبس بالباطل والبعد عن الحق …

          وديـن الله تعاليمـه .  يقـول رسـول الله  محمد (ص) في بعض الدعاء  :      ” وبنور وجهك الذي صلح عليه أمر الدنيا والآخرة ” . فتعاليمه سبحانه لأهل السماوات  وأهل الأرض نور من نوره .

          وقبل أن نستبطن بعض رموز آية النور التي نحن بصددها ، من البديهي أن نشرح ظاهر الألفـاظ  :  مشكاة ومصباح ، زجاجة ، كوكب دري  ، شجـرة ، زيتونـة ، أمثال …  فالمشكاة هي الطاق أو المجسم  المتعدد الأشكال الذي يوضع فيه المصباح ، والمصباح كل ما يستنار  به في الظلام ، قلَّ ضوؤه كمصابيح الزيت أو الغاز ، أو كثر كمصابيح الكهرباء . والزجاجة ، ما شفَّ  وصَفَا من القوارير ، وهي لحماية  قبس النور من الريح والمطر وهي كذلك لحصر الضوء  ونشره في كل الاتجاهات . والكوكب واحد الكواكب التي في السماء ، ودريٌّ لعله يفهم  هذا العصر  أكثر من العصور السالفة ، حيث عرف  أن مادة الكواكب  بشكل عام ترابية  أو صخرية ، ومع ذلك فهي تتلألأ وتضيء ، بما ينعكس عليها  من ضوء الشمس ، فكيف  إذا كان أحد الكواكب  درِّيـاً أي من الدُّر.

 والدُّرُّ واحدته درَّة ، وهي الجوهرة  التي تؤخذ من المحار الذي  يغاص عليه في البحار، ويقال لها لؤلؤة ، فإذا كان الكوكب درِّياً فسيكون نقيَّ الجوهر من داخله وخارجه . وشجرة ، كل ما اشتجر  بأصول وفروع ،  وكثيراً ما يتداخل  فيها الرمز أو المجاز  بالحقيقة ، فنقول شجرة الأخلاق ، وهو مصطلح  عند علماء الأخلاق  يدَّعى معه أن الشجرة التي  نهي عنها القوم – آدم  ، أو آدم النوع ، إنما كانت شجرة مفاسد الأخلاق . ويقال شجرة الأنساب و{ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء .  تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا سـورة إبراهيـم الآيات ( ۲٤ ـ ۲۵ ) } وزيتونة  ، يعني خضراء نضرة مثمرة بزيتها يستضاء ، وبثمرها الطيب ينتفع . وأمثال ، واحدها مِثْل ومثَل ، وتستعمل للتشبيه ولتقريب المعاني  العميقة إلى الأذهان ، وكثيراً ما يستعمل معها الرمز  للدلالة على الحقيقة :  { أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ . سورة الرعد آية ۱۷ }  و  {  مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . سورة البقرة  آية ۲٦۱ } و { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . سورة البقـرة  آية ۲٦۵ } .

          نلاحظ في هذه الأمثلة  أن الله سبحانه لكي يقرب  إلى الأفهام المعاني المجردة ، والكبيرة ، والعظيمة ، وأحياناً  غير المحدودة ، أي المطلقة ، فهو يعرض لها أمثالاً من الملموس  والمجسم ، ومن الأشياء  التي يتداولها  الناس  أو يتداولون بها بكثرة في حياتهم اليومية ، ولا شك أن هذا الإسلوب  أسرع في إيصال المعاني إلى القلوب  والأذهان ، إنما يزداد تعقيداً وحملاً للوجوه ، كلما كانت المعاني  أعظم  وأقدس ، وكلما كان المخاطبون  أفهم وأعلم ، وبالتالي  أملك لأدوات التحليل والتعليل ، والاستقراء  وسبر الأغوار والإستنتاج . وذلك بما يعلمهم الله ،  واتقوا الله ويعلمكم الله ، فـ { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ . سورة يوسف آية ۷٦ } .

          ففي الآيات الكريمة التي أوردناها بين يدي قوله تعالى : { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ}  نجد في الآية الأولى ، المعنى المجرد الذي أراد سبحانه تعليمه للناس ، هو الكلمة الطيبة ، ضرب لها مثلاً  بما هو محسوس ومتعارف : شجرة طيبة . وفي الآية الثانية ، المعاني المجردة التي أراد ، المذكورة في الآية : الحق والباطل ، والمجردة  المستفادة  من كلمات النص وما بين الكلمات : هي العقول والأفهام ، وقد تمثل سبحانه لكل  ذلك ، بالأنهار والجداول على اختلاف أعماقها وأحجامها من جهة ، ومن جهة أخرى  ، على ما تحمل  ، أي على مضامينها  ونتاجها ، والمحسوس جداً في هذا النص  الكريم ،  هو المـاء  الصافي  والنمير الشافي أصلاً  ، وهذا مثل أولوا الألباب  من أهل الحق ، وما تكِن صدورهم  وما يقولون وما يفعلون ، ثم الزبد ، أي غثاء السيل  وما فيه من قش ونفايات ، وكذلك ، حتى ما يستخرج من الأنهار من ذهب  وغير ذلك مما يوقد عليه في النار  ابتغاء حلية أو متاع ، هو كذلك كالزبد وغثاء السيل  لا قيمة له عند الله تبارك وتعالى  ولا نفع له في الحقيقة عند أولي الألباب  يفتتن به أهل الدنيا ، وهو بمنزلة الباطل يذهب جفاءً .

          وفي المثل الثالث  الآية الكريمة  تتعرض لمعنى البركة  والخير الكثير  المعنوي والمادي وفي الدارين الدنيا والآخرة ، مثَّل لذلك  بالسنبلة والقمح الذي فيها  وهو في مفهوم الناس وفي الحقيقة رمز خير وبركات .  وكذلك في المثل الرابع  عن الذين ينفقون  أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم  وهما معنيان تجريديان ، فيهما من الجمال المعنوي  الخيِّر الشيء الكثير ،  ولم يترك  سبحانه في هذه الآية قضية النسبية ، إذ ليس كل الصالحين يتقربون  إلى الله تعالى  بنفس المقدار من الحب والولاء  والبذل ابتغاء مرضاته وإخلاص أنفسهم  له سبحانه وتثبيتها على صراطه . فجاء المثل الرائع  المعجز ببلاغته ، التي هي  من السهل الممتنع ، قوله تعالى : { .. كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ..}  وجعل الجنة في هذا المثل وهو ما نسميه نحن في العادة الروضة أو الحديقة أو البستان ، جعلها في ربوة ، أي في مرتفع من الأرض لا صعباً كالجبل  ولا منخفضاً ، دلالة  على مكانة  المنفق  ابتغاء مرضاته عنده سبحانه ، والوابل المطر الغزير  الذي يتضاعف منه نتاج الأرض  ، وهذا لمن يسخون ويكرمون ببذلهم حباً بالله  وتقرباً إليه ، وقوله : فإن لم يصبها وابل فطلّ ، كناية عن الإنفاق قد يكون قليلاً أو إخلاص العبد لربه ، قد لا يكون كاملاً ، فيعطيه الله سبحانه ما يتناسب مع نيته وقدرته ، من حيث كثرة ماله أو قلته …

      هكذا نكون قد قدَّمنا لفهم قوله عز وجل ، { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} ما يساعدنا على الكشف عن وجه من وجوه تأويلها ، وهي الآية التي ما زال يتصدى لتفسيرها  وتأويلها أهل الفضل من العلماء ممن تفضل عليهم الله سبحانه  بألوان من أنواره ،  سواء كانوا من الصوفيين  أو العرفانيين أو عامة أولياء الله الصالحين ، وبنور وجهه الكريم أهتدي وبه أستعين ، وعليه أتوكل ، وهو وحده ربي وحسبي وحبي .

بين المشكاة والمصباح والزيتونة :

===========================

          قلنا إن { ..  نُورِهِ ..} في قوله تعالى { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ}هو دينه وتعاليمه ، أما التجريد والإطلاق الذي لا يحده عقل ولا واقع  ، فهو قوله تبارك وتعالـى أول الآيـة { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ .. } نقول هذا تجريد مطلق ، والتجريد كما نوهنا هو اللامحسوس ، واللامدرك ، إلا بآثاره ، وآثاره كذلك فيها المجرد وفيها المحسوس نجد ذلك في نفس الآية بعد قوله عز وجل : { اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ .. } قوله : { .. مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ .. } فقوله تعالى : { .. مَثَلُ نُورِهِ ..} فيه تنويه عن آثار النور المطلق ، فإن قلنا ـ كما قدمنا ـ إن المقصود بالمثل هو دينه ، فهذا صحيح  ،  وإن قلنا ـ بناءً على مفردات الآية ـ هو مجسَّم دينه ، فهذا كذلك صحيح ،  وإن قلنا إنَّه الإبداع في دينه أو الإبداع في نوره  أو  الإبداع  في خلقه ، فهذا كله كذلك صحيح . وإن قلنا أنه سبحانه قصد بذلك محمداً (ص) أو قصد بذلك النموذج البشري الأول السويَّ آدم ، أو نوحاً أو موسى  أو عيسى أو كل نبيٍّ أو رسول ٍ أو ولي من أوليائه المنتجبين وعبـاده الصالحين  ، كان كل ذلك صحيحاً .

         فخلاصة القول في الآية الكريمة : { .. مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ .. }  أنها حمالة وجوه نورانية غنية بالدلالات واضحة الظهور ، كثيرة الإشارات  ، بليغة الرموز ، نستخلص منها عبر قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُـورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ. سورة الشورى  الآيات  ( ۵۲ ـ ۵۳ ) } عامة حقائقها :  بعد أن فسَّرنا مفردات الآية بالمتعارف  في حقيقة اللغة ،  علينا الآن أن نعرض  مجازاتها المقصودة بإذنه تعالى :

          فالمراد بالمشكاة ، الإنسان المجتبى ، المؤمن الموقن الصالح ، شكلاً ومضموناً ، عرضاً وجوهراً .

          { ..  فِيهَا مِصْبَاحٌ .. }  المصباح قلبه المستنير  المنير  بالإيمان المكتوب فيه ، لا يمَّحي ، لأن الله سبحانه هو الذي كتب فيه ، أي في القلب المخلص  لله . ومن الأدلة المشرقة ، قوله تبارك وتعالى: { لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . سـورة المجادلة آية ۲۲ } .

          هؤلاء الموصوفون في هذه الآية تجردوا لله ، إخلاصاً وطاعة ، وجهاداً في سبيله  وحباً ليس فوقه حب .

رهنوا أنفسهم  بالشروط الثلاثة المنجية : الإيمان بالله  والإيمان باليوم الآخر ، وأما الثالث  فمستنتج ، إذ من أعلى الأعمال الصالحات ، أن تضحي بمحبتك ، تلك التي تربيت عليها طفلاً وصبياً حتى كادت أن تتملكك ، ما هو مكنون منها أكثر مما هـو ظاهر ،  وهي لأقرب الناس إليك نسباً وتعاملاً واحتكاكاً يومياً ، في  عشرة العمر ، هم الأهل  أباً وأماً  وأبناءً وإخوةً  وعشيرة ، هؤلاء إن خرج أحد منهم على حـدود الله ، إن { .. حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ..} ، أخرجت من نفسك حبه ، وإذا توافق أنهم جميعاً حادُّوا الله ورسوله ،  تجاوزوا حداً من حدود الله أو أكثر ، كذلك تخرج محبتهم جميعاً من نفسك ، ولا أقول من قلبك لأن القلب كله لله ، كم هو صعب ذلك ؟!

كم يلزم من التصفية  ثم الصفاء ، كم يلزم من التحليل والتعليل والمقارنة ، التي  تنتهي إلى أن تختار الله ، أو أن تختار أباك أو أمك أو ابنك أو أخاك أو عشيرتك على فسوق منهم أو إخلال في دين الله ، خروجاً على حدوده أو على حد من حدوده ، والله يأبى عليك  أن تكنَّ لهم مع  ذلك وداً  أو محبة . إخترت الله عز وجل ؟  وأخلصت له قلبك  وحبّك  وطاعتك ؟ إذن كتب الله في قلبك الإيمان .

          وما يكتبه الله عزت عظمته لا يمحَّى أبدا . وأكثر من ذلك وأعظم ، أيَّدك بروح منه ، لا يؤيد به إلا أمثالك على درجات ٍ من تقدمهم عليك أو تأخرهم عنك فـ { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ . سورة الأحقاف الآية ۱۹} .

          ثم ما هو  هذا الروح  الذي يختص  الله سبحانه هذا النمط من الناس به  ؟ أهو الروح  الذي في  آية الشورى : قوله  تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا}  إلى قوله : { .. وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا .. الآية ۵۲ }  هل  هو  هو  أم  أنه  روح آخر ونور آخر ؟ 

المهم أن أهل اليقين المخلصين ، الذين يريدون  وجه الله وحده ، يؤيدهم سبحانه ـ إضافة للملائكة الذين يصحبون كل إنسان في العادة ـ بروح منه ، هو أعلى درجة ، وأميز نوراً ، وبالضرورة أكثر خيراً وبركات وتسديداً ، وتجنيب عثرات .

          فالقلب الذي يكتب الله فيه ، لا بدَّ أن تكون كتابته بحروف النور ، فكلامه نور وحروفه من نور ، ولذلك  هو سبحانه ، وفي أكثر من آية ، سمى القرآن الكريم نوراً ، لأنه كلامه . هذا إضافة إلى الروح الذي يؤيد ويختص به  عبده الصالح ، وقد جعله الله نوراً كذلك ، كما في آية الشورى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا...} : فاجتمع في القلب المخلص  لله ، ما كتب سبحانه بحروف النور ، مع الروح  النوراني المنوه عنه ، فكيف يغدو هذا القلب وفيه كتابة من الله وروح منه نوراني ، يغدو أبهى وأزهى وأزهر المصابيح ،  بل أين  منه المصابيح العادية ؟ يتلألأ نوره  بحروف نور الله ، فهو فوق المصابيح التي من صنع البشر، مهما تقدمت الصناعة ، وتصفىَّ الضوء ، وأين في مصابيح البشر  ما قاله الله عز وجل . عن مثل هذا القلب ، حيث تابع سبحانه قوله : { ..  الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ .. سورة النور الآية ۳۵ } .

       في تقدم صناعة المصابيح ، كان لا بد لكل مصباح مهما كان نوع وقوده ، من زجاجة تحمي الوقود من عاديات الجو ، وتزيد في قوة انعكاسه وصفاء إشعاعه . وما لم يكن من المصابيح في زجاجة ، سرعان ما يخبو وينطفىء .

          وحتى يظهر الله عز وجل الفارق بين مصباح المؤمن  الذي هو قلبه ، وبين المصابيح المصنوعة  المتطورة ، وفي زجاج متطور ، أعطى  هذا المثل عن قلب المؤمن المصباح ، الذي يستحيل على البشر ، تصنيع مثله .

وكيف يستطيعون ، وهو في زجاجة كأنها كوكب دريّ ؟ هم قد يحصلون على الدرَّة من محارتها ، ولكن أن يحصلوا أو يصنعوا كوكباً درياً ، مثل الذي يصفه الله تعالى وقد يكون أكبر من حجم الأرض ، هكذا وببساطة ، تلك هي اللغة عن الكواكب . إذن هو التميُّز النوراني ، في قلوب أهل اليقين .

ضوء القمـر الجميل الهادىء ، هو انعكاس لأشعة الشمس عن جرم القمر ، والقمر تبين أنه صخري ترابي ، وكذلك ضوء الشمس يصدر عن جرم غازي مركب متفجر ملتهب  بدرجات الحرارة الهائلة . فلا ضوء إذن يمكن أن يكون أصفى من نور يصدر عن كوكب دريٍّ من داخله وخارجه ، هكذا وصف الله تعالى له : { ..  الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ .. } .

 فلا أبهى ولا أصفى ولا أروع ولا أجمل ، ولا عجب فهو من نور الله ، تبارك وتعالى وعزَّ وجل .

          هل في هذا الوصف لقلب المؤمن الموقن المخلص لله ، ثناء على المؤمن ؟ بلى ، لأن الله يقول الحق  ،  ومن  أصـدق  من  الله قيلا ؟ ومن أصدق من الله حديثا ؟ فما دام الحق  كذلك فهو من أجمل الثناء من مقام عزته سبحانه ومن مقام كرمه ورحمته ، وهنيئاً للمؤمنين أنوار الله ، المصابيح التي في صدورهم .

          أما الزجاجة التي كأنها كوكب دري ، فهي في صدر المؤمن الموقن الواهب نفسه وكل كيانه لله عز شأنه . كناية عن ندرته بين الناس العاديين ، وعن صفائه وشفافيته وفوق ذلك كله عن قيمته المميزة عند الله . مقارنة مع الكثرة التي لا تفقه ولا تعي أو التي  اتخذت نهج أصحاب الشمال ، أو التي قست قلوبها عن ذكر الله ، فأظلمت ووقعت في خزي الدنيا وعذاب الآخرة .

          وصدر المؤمن الصِّديق ، كونه كأنه كوكب دريٌّ ، فهو لشفافيته ورقَّة نوره وصفائه ، مهبط أو مقام أو مزار للملائكة ، ملائكة الرحمة ، يقول تبارك وتعالى : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ . نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ . سورة فصلت الآيات  ( ۳۰ ـ ۳۱ ) } .

          والمؤمنون الموقنون ، فعلاً ، كأنهم كواكب دريَّة في الأرض ، ليس غيرهم يلوح  للملائكة مضيئاً متألقاً ولأهل السماء . هكذا ، قلوب ذات جمال متوقد أخاذ ، كلما  ازداد واحدهم من الله قرباً ولله حباً ، زاده الله نوراً وجمالاً وألقا . هذا في الدنيا ،  أما في الآخرة ،  فبحسبك قوله تبارك وتعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . سورة السجدة الآية ۱۷ } .

          وإلا فما هو الشيء الذي مثَّل له الله عزوجل وقال فيه هذه الآيـات النيرات ، إذا لم يكن الإسلام لله والإيمان بالله  والعرفان بجميل الله وجمـاله  وجـلاله  ،  وآثار  نوره في الألباب وأولي الألباب ؟!…

الدماغ هو الشجرة المباركة :

=========================

          قوله تبارك وتعالى : { .. يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ .. سورة النور الآية ۳۵ }  أي المصباح  يوقد . وإذا كان المصباح هو قلب  الرجل الصالح ، فالتركيب الفسيولوجي للإنسان  يقضي  بأن  يكون  تفعيل  القلب من  الدماغ ، كما هو المحسوم في علم الطب والتشريح . فالدماغ  إذن هو المرموز إليه ، في جـملة ما ترمـز إليه كلمـة { شَجَرَةٍ }  في الآية الكريمة . وليس أبلغ من وصف الدماغ  وجملة الجهاز العصبـي بكلمـة { شَجَرَةٍ } فهو يشتجر في جميع انحاء الجسم انطلاقاً من الرأس وعبر النخاع الشوكي ، حتى أنه لا يوخز موضع في الجسم برأس دبوس إلا أصاب فرعاً من فروع  هذه الشجرة التي هي الدماغ  والجملة العصبية  ، التي تتفرع منه وتستقطب البدن كله ، وتديره ـ انطلاقاً من الرأس الرئيس ـ ضمن هيمنة رب العالمين ، هي  { .. لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ..} .

          أما لماذا هي مباركة هذه الشجرة ؟ فلأنها شجرة الإنسان الصالح  ، ولأنها على  هذا الأساس { مَثَلُ نُورِهِ } تبارك وتعالى . فإذا فسد الإنسان ، فسدت  شجرته ، أي نزعت منها البركة . وهذا تراه حولك في كل مجتمع : فساد في الأدمغة  وتبعاً لذلك فساد في القلوب ، والعكس صحيح . فإذن ، ليست كل شجرة هي مباركة ، فقط أدمغة الصالحين ، يباركها الله ، وينوِّرها ، ويجعلها في عافية من كل فساد  مادي أو معنوي .

          أما قوله تعالى : { زَيْتُونِةٍ } ففيها ثلاث دلالات على دمـاغ الرجل الصالح : الصبغ ، والدهن أو الزيت ، والخضرة الدائمة .

          وهذه الصفات هي مشتركات بين الدماغ الصالح والزيتونة المباركة ، نستفيدها من المداخلة مع قوله تعالى : { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ . سورة المؤمنون الآية ۲۰ } الحقيقـة أنها في باب التفسير ، زيتونة حقيقية وفي باب التأويل  ،  زيتونة  مجازية  ،  إنما  هي  كأنها زيتونة بسبب دهنها وصبغها للآكلين .

          ثم إن في هذه المداخلة ، مقارنة لطيفة مستفادة ، وهي أن الزيتونة الحقيقية صبغها للآكلين ، أما الزيتونة المجازية المباركة فصِبغها : { صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً . .. سورة البقرة آية ۱۳۸ }  .

          بقي أن نقول إن التأويل في قوله تعالى : { وَشَجَرَةً .. } هي زيتونة النبوَّة  التي خرجت من طور سيناء . يعني هي قطعاً دمـاغ موسى عليه السلام ، الذي تفاعل معه قلبه ، ضمن هذه الرموز :

          { اللَّهُ نُورُمَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌيُوقَدُ مِن شَجَـرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ}

          وهنا  لا بدَّ للمتأمل أن يلاحظ هذه الأبَّهة وهذا الجمال ، في اللغة والرموز ، فلو افترضنا أن هذه الأشياء سميت بأسمائها كما يفعل علم التشريح : قلب ودماغ وكتلة عصبية … لافتقدنا أولاً نعمة المجاز وعمق التأويل ، وثانياً هذا الرونق الأخاذ لأولي الألباب ،  في اللغة والرموز ، وهذا مثال كذلك ، في جملة  الأمثلة التي تكاد لا تعدُّ عن إعجاز هذا القرآن العظيم .

          أما قوله  تبارك وتعالى في وصفها : { .. لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ..} .

 فالقول فيه :

         

          إن موسى حين تلقى كلام الله على الطور ، غدا لا شرقياً ولا غربياً  ، أي انفصل عن الزمان والمكان ، وخرج هكذا من طور سيناء حاملاً الألواح ، منعتقة نفسه من جهات الكون ومن حدوده ، فصح في دماغه ونفسه العصبيـة المشتجرة فيه ، أن يقال في وصفه وقد تمكنت منه النبـوة : { وَشَجَـرَةً تَخْرُجُ مِن طُـورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ . } أما الدهن أو الزيت  الذي قال عنه  سبحانه في آيات النور  { .. يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ .. }  فسيأتي ذكرها إن شاء الله في كلام علميّ عن الدماغ . وأما الصبغ ، فهو لعباد الله ، صبغة الإيمان ونور اليقين في وجوههم  وسلوكهم . والصبغ أو الصبغة في الإيمان والسلوك والأخلاق بشكل عام ، هي ما يتمكن من الإنسان بدءاً بالإقتناع فالخشوع فالحب لعزة الله ، بحيث تصبح هذه الأمور عند صاحبها عادة ثم تصبح  ملكة ، لا تختلف  عنه ولا يختلف عنها .

          فقوله تعالى : { وَشَجَـرَةً تَخْرُجُ مِن طُـورِ سَيْنَاء .. }  هو موسى خرج من هناك بنبوته وكامل ألواحه .

          وقوله تعالى  :  {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ .. }  هي تخصيصاً نبوة محمَّد (ص)  وتعميماً  عامة الأنبياء والصالحين .

          إذن هي النبَّوة ..

          تلقاها موسى من عزة الله الذي لا إلـه  إلا هو  على طور سيناء  .

          وتلقاها محمَّد من عزة الله الذي لا إلـه إلا هو  من فوق سابع سماء .

          موسى أكمل الله له نبوته  على الجبل الذي في سيناء  .

          ومحمَّد أكمل الله له نبوته  فوق السماء السابعة .

          موسى أكتبه الله التوراة  في أربعين ليلة .

          ومحمَّد أقرأه الله القرآن في ليلة واحدة فحفظه . ثم أنزله عليه نجوماً مدة نبوته على الأرض .

          تلك الليلة هي ليلة القدر  ، وهي لا شرقية ولا غربية  ، بل هي على مستوى الكون ، متضمنة عشر ليال ٍ  على مستوى أرضنا الدنيا ، هي العشر الأُخر من شهر رمضان من كل سنة .

          فنبوة محمَّد (ص) التي استكملها فوق سابع سماء  ، كانت هنالك لا شرقية ولا غربية ، ومن أين الشمس  ومشارقها ومغاربها وقد أصبحت دونه تفصل بينه وبينها  السماوات السبع ، وبلغة هذه الأيام ، مليارات السنين الضوئية .

          وعاد محمَّد (ص)  إلى الأرض ، بالشجرة المباركة  الزيتونة اللاشرقية واللاغربية  ، مستمراً بها (ص) سراجاً منيراً إلى أن قبض إلى الرفيق الأعلى .

          { .. لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ..}  من مفاتيح العرفان :

          الله عز وجل بكثير من آياته البينات  ، يستشرف للإنسان مستقبله { .. لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ ..}  واحدة من هذه الآيات المنجيات ، إذا فهـمت وعمل بها وجوباً .

          أنواع الولاء ، لمراكز القوى على مستوى الحياة الدنيا ، كثيرة .  تضيق فتكون على مستوى الأفراد والجماعات الصغيرة النافذة . وتتسع فتستغرق جهات الأرض ، ودول الشرق والغرب .

          هذه الولاءات التي تحدُّها الأمكنة وتحدها الأزمنة وتحدها قطاعات الناس ، هي بخلاف المطلوب  في تعاليم الله  التي فرضها عليه ، توخياً لسلامتـه وخلاصه في الدارين .

          هذه الولاءات تحكمها الجهات ، تشرِّق وتغرِّب . كمصاديق ، كم تمزق الناس ، وما زال أكثرهم يتمزق نتيجة الولاء  للطواغيت في المشرق  والمغرب ، وبشكل عام نتيجة الولاء لغير الله .

          المطلوب هو التجرد لله ، حتى من قومك حتى من بدنك ، حتى من نفسك . وإذا لم تصل إلى أن تفنى في فناء الله ، فلن تفهم هذه الإشارات .

          أن تتأمل  وأن  تتجرد  لله  جلا  وعلا ،  وأن تهاجر إليه من  وطنك ومن بدنك ومن الناس  باقياً في وطنك وبدنك وفي الناس  ، تفنى في فناء الله ، ثم يعيدك بكرمه ورحمته ولطفه للصحو بعد المحو ، فتعلم أن دماغك أصبح لا شرقياً ولا غربياً ، وكذلك قلبك ، وكذلك جملة أحاسيسك : السمع والبصر ، وكلية الرصد في الشجرة المباركة الزيتونة اللاشرقية ولا غربية .

          { .. يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ .. }  كذلك من المفاتيح :

          الدماغ ، قبل أن يغدو شجرة  مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ، هو من أعاجيب خلق الله دقة وتعقيداً ووظائف مذهلة وعمليات  مدهشة ، نحاول إن شاء الله  في نهاية هذا الفصل أن نختصر بعضها ، مما توصل إليه العلم من الكشف عن القليل من أسرار عوالم هذا الدماغ . ولكن الآن ـ ونحن بصدد الآية الكريمة ـ وجب علينا أن نتحدث عما يتعلق بها بخصـوص قوله تعالى : { .. يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ .. } .

          فالدماغ مادة دهنية فوسفورية ـ هذا في تعريفه العلمي ـ والدهن والزيت في  اللغة العربية بمعنى واحد ، والفوسفور  مادة عجيبة  ذاتية الإضاءة . والعلم الحديث قال عن خلايا الدماغ أنها عبارة عن ملايين البطاريات التي تشحن نفسها بنفسها ، والتي كل واحدة منها تصدر الشرار تباعاً ، بحيث أنها وهي تعمل مجتمعة يكاد الدماغ بها يضيء ، هذا هو الخبر العلمي الذي توصلوا إليه فقط في القرن العشرين  الميلادي ، واعتبر ـ  وهو كذلك حقا ً ـ من الكشوف الجليلة ، التي ترتبت عليها فتوحات علمية كثيرة ، فيما يتعلق بالإنسان وحياته وحركاته وسكناته ، وأسراره النفسية والبدنية .

          إلا أن هذا الخبر ، سبق إليه القرآن الكريم بما يقرب  ألف وأربعمائة سنة ، وقد كان هذا الخبر  في القرآن وما زال ،  كنزاً من روائع كنوزه . حتى قضى الله سبحانه ، اليوم ، فتح هذا الكنز له الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً .

          هل هذه خصوصية لعباد الله الصالحين ؟ أعني أن يكون الدماغ مكوناً من مادة فوسفورية  دهنية يكاد  زيتها يضيء بمليارات انقداحات المحاور في ملايين البطاريات الذاتية الشحن  والتفريغ الدائبين في الليل والنهار  ومدى العمر ؟  الجواب : لا ، من حيث مبدأ خلق الله لأدمغة جميع البشر ،  إلا أنه يصبح خصوصية ، أقصد  البناء السويَّ للدماغ واستمرارية عمله المخلوق بعد سن التكليف عند ذكور الناس وإناثهم . وباختصار شديد : إن الدماغ مع تصاعد العمر ، إما أن يخبو  تدريجياً ، حتى لا يعلم من بعد علم  شيئاً ، وإما أن يقتصد ، أي يأخذ طريقاً  مستقيماً ليس فيه عوج . وإما أن يزيد استنارة من نور الله ، شأن الأنبياء  والرسل وخاصة الله وأوليائه . وهذا موضح في سياق  آية النور هذه ، قوله تبارك وتعالى : { .. يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء .. } .

          فإذن { .. نُّورٌ عَلَى نُورٍ ..}  كذلك هي من المفاتيح .

          نور في الدماغ يزيد { وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى . سورة مريم الآية ۷٦ } يلقيه إلى جميع أنحاء الجسم عبر النخاع الشوكي واشتجار  تفريعاته المتماسة في جسم الإنسان الذي هو الآن  العبد الصالح ـ  وضمن عملية التغطية هذه لجسم الإنسان ـ طبعاً  يفيضـه على القلـب  الذي  بدوره  يضخـه عبر الدم  والدورتين  الدمويتين  الصغرى

والكبرى  في جميع الأوردة والشرايين والشعيرات الدموية التي كذلك تلتقي أطرافها بالنهايات العصبية الدقيقة لتغطي أيضاً باطن البدن وظاهره جملة وتفصيلا : { لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ . سورة سبأ آية ۳ } . هذا في رأس معانـي قوله تبـارك وتعالـى : { .. نُّورٌ عَلَى نُورٍ ..} .

          بقـي أن نذكر ، وبغبطة كبيرة ، أن الله عز وجل قد هدى الإنسان ، منذ أيام قلائل ، على مستوى الطب وعلم الأشعة ، إلى العلاج بأشعة اللايزر ، يعني إلى إجراء عمليات داخل جسم الإنسان ، باللايزر ، بديلة عن العمليات الجراحية ، أي بدون جراحة ، وكذلك حتى رتق ، وخياطة بعض الجراح الباطنية . هذا بعد أن كان سبحانه هداه ، منذ منتصف القرن العشرين إلى الكشف بالأشعة  على أنواعها وبغيرها مما تفضل الله به على البشرية .

          قلنا إننا نذكر هذا الخبر ، وبغبطة كبيرة ، لأنه سبحانه ما إن يكشف للإنسان  عن علم يعلِّمـه إياه ، حتى يكشف مقابله في قرآنه المجيد عن علم من سنخه وإنما بفارق أعظم ، طبعاً  لمصلحة الذين يستشفون بالله ـ إذا احتاجوا ـ وبقرآنه العظيم . وطبعاً  هذا العلم القرآني ، لا يستطيعه ، ولا يدركه ، إلا نبي مرسل أو ملك مقرب أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان .

          قد يقول قائل مظلم الدماغ : بلغ  أهل الغرب بعلومهم الأفلاك ، وما زلنا بالنسبة إليهم كالإنسان الأول جهلاً وأمية .  أقول هذا صحيح ، من حيث مقارنة ظلمانيين بظلمانيين . أما المستنيرون بالله جلت عظمته ، فيقولون : بلغ أهل الغرب  بحضارتهم الزنديقة دركات الجحيم ، عاجلاً أو آجلاً ، ويرفع  الله النورانيين  فوق هذا الفلك  الدوار ، وعبر أقطار السماوات  السبع ، وليس فقط هذه السماء  التي لم يبلغ علماء  الأرض  بعـدُ حدودهـا :

{ .. فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ .. سورة الكهف الآية ۲۹}  و { .. الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ . سورة آل عمران الآية ۹۷ } .

 

          أما عن الذين اتخذوا العلم رباً ، ونسوا ربهم الله فأنساهم أنفسهم ، يقول عزت قدرته : {  فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون . فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ . سورة غافر الآيات ( ۸۳  ـ  ۸۵ ) } .

        ومن يمنع الذين يعترضون على الدعوة إلى الله سبحانه ، وإلى دينه وطاعته ، من يمنعهم أن يكونوا هم وأبناؤهم وأحفادهم وأقوامهم  أعلم أهل الأرض  سواء تلقوا علمهم في  المغارب أو المشارق .

والحقيقة أنه ما من داع ٍ إلى الله  وإلى دينه وقرآنه ، وما من رباني أو عرفاني إلا وهم يدعون إلى العلم  الأمة جمعاء ، ولكن الذي قعد بالأمة عن تلقي العلم  من أعلى مصادره  وأصدق مصادره ، هو الإخلال  بعهود الله ومواثيقه ، والشرك الظاهر  والشرك الخفي  اللَّذين اكتسحا المذاهب وعصبياتها وانشغالها فيما بينها بالفتن والخلاف والترهات ، ثم تشقق الأمة  إلى دويلات متنابزة  سرعان ما ضعفت وهانت حتى استبدَّ بها طواغيت أهل الأرض كفاراً ومشركين ، فابتزوها أصالتها وهيبتها وقواعد علومها ، التي  كانت حكراً عليها طيلة  سبعة قرون من الزمان حكمت بها المشارق والمغارب ، حتى بلغ الأمر  بأحد خلفائها إذ أعجبه منظر سحابة كبيرة تتهادى في السماء ، أن يقول لها كلمته التي حفظها التاريخ : إذهبي أنى شئت  فإن خراجك سيعود إليَّ .

          حرم الأمة من العلم  الحق ، خيانتها لله ولرسوله ولكتابه المجيد .

          ومع ذلك فالله يتحداكم  فكونوا علماء . من يمنعكم أن تكونوا علماء ، وأن تحكموا الأرض وأفلاك السماء ؟

          أقول لكم ؟ لن تكونوا كذلك إلاَّ إذا رجعتم إلى الله  خاشعين خاضعين ، تائبين مستغفرين  ، وإلاَّ أن تنصروه  وتنصروا دينه ، وهو عنكم غني وعن جميع خلقه ، ولكنه  هو سبحانه قـرر، والمشـيئة مشيئتـه والحـكم حكمـه  ،  قال : { .. وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ .. سورة الحج الآية ٤۰ } وقال جلَّت اسماؤه : { إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ .. سورة آل عمران الآية ۱٦۰} وقال .. وقال .. ولكنكم لا تقرأون كتاب الله ، وإذا قرأتموه لا تتدبرونه .. وإنما تقرأون الفكر الصهيوني المعلَّب في الغرب ، في الجامعات والكتب المسممة ، والأفلام والبث الفضائي الذي يزلزل أركان الأسر  والبيوت ويصدع الشخصية الإسلامية والإنسانية ، ثم تسمون ذلك حضارة  وثقافة وتقدم .

          ثم إذا تليت عليكم  آية من آيات القرآن المجيد ، وتَوافَقَ أن أصابت  وتراً من أوتاركم  فارتحتم لها  فتسألون : وهل هذه في القرآن .. ما شاء الله .. تقرأون عشرات ، بل مئات كتب الثقافة  التبنية ، والأفلام الحقيرة والفاجرة ، وإذا أردتم أن تتفاصحوا ، انطلقت ألسنتكم  بالنقد الهدام للدين وللمؤمنين  ولعباد الله الصالحين .  واتهمتم  الدين وعلماء  الدين  بالحيلولة  بينكم وبين  أن تكونوا  أنتم أو أبناؤكم من عباقرة العلم الحديث بين الذرة والمجرة .

          { .. نُّورٌ عَلَى نُورٍ ..} .  هي كما ترون ، بعض آية في القرآن المجيد  ولكن سرَّها  وقد انكشف وأثرها الذي عرف وسيعرف ، أليس كل ذلك علمٌ بها ، عنه يتفرع  علم العلاج  باللايزر  وبقية أنواع الأشعة الصادرة بالضرورة عنها ، لأنها مثلٌ من نور الله الذي هو نور السماوات والأرض .

          وإذا كان الله بعزته أو بملائكته أو بأسراره الغيبية الخفية ، ينوِّر نفس وبدن عبد صالح من عباده ، وطبيب من أساطين الطب من خلقه يعالج بالليزر مريضاً من مرضاه ، فأيهما أولى بالسلامة  والعافية والحصانة من كل داء خطير ، العبد الصالح الذي يتولاه الله سبحانه بنوره ورحمته ؟ أم المريض الذي يتولاه  الطبيب بأشعته ؟

          صحيح أن الله خلق الطب والطبيب وخلق الأسباب ، إلا أنه فضل سببـاً على سبب ،  إذ جعل الأسباب  درجات ، من البديهي أن يكون أعلاها أفضل من أدناها . واسمعه سبحانه في الشفاء يقول : { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا . سورة الإسراء آية ۸۲ } . ويقول : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ . سورة فصـلت  آية ٤٤ } .

          ونلاحظ في الآيتين أن الاستشفاء  بالقرآن وآياته نعمة على المؤمنين وليس على عامة الناس غير المؤمنين . ففي الآية الأولى : { .. مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ..}   وفي  الثانيـة :  { .. قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء .. }  ثم  {  .. َالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيد } .

          بينما هو سبحانه فرَّق بين كون القرآن  يشفي المؤمنين دون سواهم ، وبين أشياء أخرى تشفي أو قد تشفي بقية الناس ، حتى  من غير المؤمنين ، وإنما لا يكون  لهؤلاء شرف الاستشفاء بالله وحده أو بكلام الله تبارك وتعالى وحده . وأعطى مثلاً عما يشفي الناس مما خلق لهم من الأدوية والأغذية تفضلاً عليهم ورحمة بهم  دون أي استحقاق منهم لذلك  : عسل النحل ، وقوله تعالى في ذلك ، في معرض كلام عن  النحل : { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ . سورة النحل الآية ٦۹ } والقوم  الذين يتفكرون هنا وتفكراً سليماً قطعاً ، كذلك  هم المؤمنون . وتفكرهم إنما يكون أولاً على تفضيلهم على بقية الناس ، وثانياً تشريفهم وتكريمهم بالتداوي بكلام الله سبحانه ، أو بأعلى  درجة من ذلك : بالصبر به عز شأنه وبحسن التوكل عليه ، لعلمهم أنه : { هُوَ الأَوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . سورة الحديد آية ۳ }  وثالثاً أن يتناولوا  العسل إذا استطابوه ، لا كدواء غالباً يكون فيه شيء من الإكراه أو الكراهية شأن كل دواء . كما أن فيه للعارفين شيء من الشرك الخفي ، حتى إذا تناولوه كمقو ٍ أو كمغذّ ٍ ، أو أي معنىً آخر  يعتمد عليه من دون الله  وحده سبحانه وتعالى  عما يشركون .

          والشفاء شفاءان : شفاء من الأمراض ، ومصداق ذلك في قوله تبارك وتعالى على لسان ابراهيم عليه السلام : { وإذا مرضت فهو يشفين } وشفاء  من العماية والغواية والضلالات ، وقد نوَّه سبحانه بالشفاءَين  وبخطاب للناس  الكافرين منهم والمؤمنين بقوله تبارك وتعالى : { يا أيها الناس  قد جاءَتكم  موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور  وهدىً ورحمة للمؤمنين . سورة يونـس الآية 57 } .

         

فقوله تعالى : { شفاء لما في الصدور.  سورة الشعراء الآية ۸۰ } يشترك فيه شفاء غير المؤمنين  من الكفر وأنواع الضلالات  وكذلك الشفاء من الأمراض النفسية والعضوية ، من قلبية ورئوية وغير ذلك ،  كما هي الإشارة في الآية ـ فقط بالمؤمنين ـ  وذلك في حال إعراض  الإنسان عن الموعظة وعن اللجوء إلى الله سبحانه ذاكراً شاكراً .

 قال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا . سورة الكهف الآية ۵۷ }

          وتأكيداً على التفريق في الخطاب بين الناس عامة وبين المؤمنين ، نذكِّر بقوله تعالى : {… وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ . سورة الحج آية ۲ } . ونقابل هذا بقوله عز شأنه : {… أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ . لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ . لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ … سـورة الأنبياء الآيات ( ۱۰۱ ـ  ۱۰۳ ) } . ترى الناس  سكارى من شدة العذاب يوم القيامة . إلا أن المؤمنين

لا ينالهم شيء من هذا العذاب . بدلالة  الآيتين  الآنفتين  اللتين  هما  إخبار عن حال المؤمنين الموقنين ، كذلك يوم القيامة . فاقتضى التنويه .      

ونعود إلى قوله تبارك وتعالى : { .. نُّورٌ عَلَى نُورٍ ..} ، أي نور التفضُّل المميز من الله ، على النور الجاهز في الزيتونة أو جملة كيان العبد الصالح ، وهذا لا يكون لغير أهل اليقين أو لغير أولياء الله الصالحين .

          ويظهر بوضوح أن معنيين أساسيين يتداخلان في نورانيـة هذه الآية الكريمة : أما الأول فقد أشرنا إلى بعض حقائقه الإشعاعية التي قد تصل إلى حالة غامرة عند الواصلين .

          وعلى كل حال ، وفي جميع مصاديق قوله تعالى : {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} إلى هنا  ، يكون للنور  الذي يتعاور  كيان العبد الصالح من عباد الله المهاجرين إلى ربهم  ، ميزة النور المنعكس كما من كوكب دريٍّ على النور المنعكس كما من صخر أو تراب . ومن البديهي أن تكون آثار النور الأرقى ، أفعل في مجالات السلامة والعافية والإدراك ، من آثار  النور الأدنى ذلك في الأنفس والأبدان ، وفي الدنيا والآخرة .

          هذا هو المعنى الأول لنورانيـة الآية ، وهو المعنى الحقيقي الملتبس بظاهر العبارة .

          أما المعنى الآخر ، فهو المجازي ، والمراد منه الهداية  إلى كل ما يتعلق بالحقائق الظاهرة والباطنة ، حسب وسع وأهلية المتقرِّبين إلى ربهم . وفي أساس عناوينه :  العلم  اللدني ،  أي الذي هو مباشرة من لدن الله تبارك وتعالى ، وضمـن قولـه عـز شأنه : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا … سورة الشورى الآية ۵۲ } فعبارة : {نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا } تقتضي استكمال الهداية لمن يجتبيهم الله سبحانه  في مراحل الزمان وإلى قيام الساعة . يؤيد هذا وبقوة ، قوله تعالى في نهاية آية النور هذه التي نحن بصددها ، وهذا هو نص آخر مفاتيحها : { نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ . } .