روعة الإنسان بين العقل والنفس والدماغ :
==================================
إن الدماغ هو ( اللب ) الأوسع نشاطاً ، أو هو المفاعل الأعلى خطراً في عالم الجواهر المادية . فهو مركز التبليغ والترجمة والتفسير ، إضافة إلى الإحساس والذاكرة ، والعواطف والقدرة على الحركة . فإن ضاق عن العقل ، تحوَّل إلى الآلية والغريزية بنسبة ما يضيق ، وبقيت له هذه الأمور كما هي للدماغ الألكتروني أو المخلوقات الغريزية الراقية .
أما العقل ، فهو الروح المؤيد بعلم الفطرة ، السابقة على البدن ، ومن ميزاته إدراك الحقائـق المجردة ، البسيطة والمركبة ، غير مستقل عن ربه تبارك وتعالى ، خالد ، يغضب ويتأذى ، ولكنه لا يتعب ولا يتعذب ، . تأخذ منه خلايا الدماغ توجيهاً وتعليماً وهداية حسب استعدادها ، يرجع إلى ربه ، والنفس هي التي تسعد أو تشقى ، ووظيفته دعوة النفس إلى خالقها الله الذي لا إلـه إلا هو ، ومقاضاتها بتعاليمه سبحانه ، مبيناً لها الحق من الباطل ، والمطلوب من السلوك في معراج العبادة . موصلاً إياها إلى أعلى درجات اليقين والعلم ـ في حدود العقل الإنساني ـ والسعادة الحقيقية في الدارين ـ قول أحد العارفين : لو عرف الملوك سعادتنا لقاتلونا عليها بالسيوف .
كل ذلك برموز تفهمها جميع لغات البشر ولهجاتهم . هذه الرموز يقوم الدماغ بترجمتها بناءً على ما علِّم ولقِّن ، ليقدمها للنفس باللغة التي ترتاح إليها ، وذلك أثناء التزام النفس بكلية البدن والجهاز العصبي . أما إذا تحررت النفس ، فلا تعود بحاجة إلى الدماغ ، ولكنها تحتفظ بأدائه ، وتفهم لغة الرموز الكونية بدون ترجمة ، فضلاً عن إمكانية تعبيرها بأية لغة شاءَت لم تكن تعلمتها في حالة الارتهان .
وإن العلاقة بين العقل والدماغ ، هي علاقة الطاقة الغيبية الموجهة لبرمجة مفاعلها الأرقى في جواهر المادة . والنفس هي التي تسبب انفتاح الدماغ على العقل أو انغلاقه دونه ، أو جعله في حالات بين الحالتين . يعني يكون هذا الواقع المتكيف ، رهن بمدى إقبال الإنسان على ربه ، أو تباعده عنه جلَّت عظمته .
وفي حال تلبس النفس بكفر ٍ أو شرك ٍ أو استكبار ، أو الوقوع في هوىً أو إثم ، ينشغل الدماغ والنفس بالحدث منصرفين عن العقل ، فتفقد النفس بذلك الهداية والسَّداد والرشاد ، وتحاول الاستئثار ظالمةً بموقع القيادة ، مأذوناً لها بذلك تبعاً لاختيارها وتنكرها لولاية الله ورعايته ، فيتخلى عنها الله امتهاناً وإمهالاً وتحجيماً ، وليس إهمالاً وتفويضاً ، وفيها قال سبحانه :
{ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا . سوة الشمس الآيات ( ٧ ـ١٠) } .
ومن حيث رعايته سبحانه ، للأنفس البارة النقية المجاهدة ، وخذلانه للأنفس الجاحدة المعاندة البهيمية في الحياة الدنيا وعند الموت ، وحين الإنتقال من محطة الأنفس ، هذه الأرض الدنيا ، إلى الأرض العليا على اختلاف درجاتها ، قوله تبارك وتعالى في الأبرار :
{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ … سورة النحل الآية ٣٢ } .
{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ . ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي . سورة الفجر الآيات ( ۲۷ ـ ۳۰ ) } .
وقوله سبحانه في أهل الضلالة :
{… وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ . سورة الأنعام الآية ۹۳ } .
وهنا يخطر سؤال مهم ، وهو كيف يكون مستوى الإنسان الفكري والإنساني عامة ، إذا هو لم يقلع عن غيه ولم يعقل ؟ والجواب ، ولو أنه قد مرَّ موزعاً خلال البحث ، إلا أنه ينبغي إيجازه بالقول : يكون شأنه كشأن حيوان ٍ راق ٍ متحضر ، متعلم ، أمثال الأنواع العليا من القردة ، إنما يميزه شكله وذلاقة لسانه وقلمه ، وكثرة الأرقام التي يتعامل معها ، والمهارات التي يباشرها في شتى حقوله ، وكذلك حجم دماغه المتناسب مع بدنه . وقد تتراوح هذه الحالة بين التضيُّق في التعامل مع العقل ، مع رحمة الله وسمائه وأسمائه ، وبين تجافي الإنسان وتباعده عنها ، ثم انقطاعه بشكل نهائي ، حيث لا يفلح بعد ذلك كيد في إذهاب غيظ ، قوله تعالى :
{ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ . سورة الحج الآية ۱۵ } .