كتابان لله يفسّر بعضهما بعضاً :
وختاماً لهذا البحث يجب أن نذكر دائماً أننا إنما نعرض هذه الحقائق ، ليقرّ في الأذهـان ، والعقول والقلوب ، أن القرآن معجز وأنه ـ رغـم كل ما قد يقال ، ظنّاً ، أو جدلاً ـ من أعظـم الروافـد الظاهـرة ، للعقـل الإسلامـي المتفوق .
وأنه ما كان لبشر ، أن يعلم هذه الأسرار ، وهذه الحقائق الفلكيـة قبل القرآن المجيد، ولا حتى في زمن القرآن ، ولا حتى بعد مئات السنيـن من القرآن ، حتى يأذن الله عزّ وجل ّ بالكشـف تدريجياً عمّـا في القرآن وفي الكون :
{ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ..}(سورة يونس ، الآية 39) .
نعم ، حتى أذن الله تبارك وتعالى ، ببعض تأويله ، ببعض الكشف التدريجي عمّا في القرآن الكريم ربطاً بملكوته وملكه العظيم . وبنسب ، هي وإن كانت جليلة بالنسبة للإنسان، إلاَّ أنها ما زالت قليلة جداً في مجال العلـم ، وفي المجالات اللانهائية لكلمات الله ، التي بها يكشف عن النواميس أو القوانين العلمية ، وبها يعلّم وبها يخلق ، قوله تعالى :
{ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }(سورة لقمان ، الآية 27).
وكذلك ، علينا أن نتذكر دائماً ، أن ما يكشف في شتى ميادين العلم من أعاجيب ومدهشات ، إنّما هو تحقيق لوعد الله عزّ وجلّ حيث قال :
{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.. }(سورة فصلت ، الآية 53).
ومن هنا نرى أن الرافـد الثاني العظيم للعقل بعد القرآن هو كتاب الكون ، متضمناً منائره القادة الملهمين ، الذين اجتباهم الله عزّ وجلّ ، لكشف الأسرار وتعليم البشرية ، حسب حاجة كل جيل ومستواه التحصيلي في مجال العلوم أو مستواه الفكري .
والله عزّ وجلّ ، يعلّم خلقه الأرضي ، من جـن وإنـس ، بهذين الكتابين غير منفصلين ، رابطاً الثاني بالأول الذي هو القرآن المجيد ، هادياً ومعلماً ومرشداً ومسدّداً .
{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(سورة النحل ، الآية 89).