كل حزب بما لديهم فرحون :
قد يثور القارىء الحزبي هنا ، هذا إذا ما تحملت أعصابه وتمكن من الوصول إلى هذه الفقرة من هذا البحث . وإلاَّ فالعادة أن مثل هؤلاء إذا كانت الشحنة الحزبية فيهم قوية ، أو كانوا دون الثلاثين ، فإنهم غالباً يطرحون الكتابات العقلية ، يعني المؤمنة ، وكثيرا ً ما يشتمون الكاتب ، ويحكمون عليه بالرجعية ، وهي التهمة الجاهزة دائماً نتيجة للتكرار في التلقين .
أقول قد يثور القارىء الحزبي هنا فيكون مصداقاً لما ذكرت من أنه لا يفكر بشخصية مستقلة ، قوية ، مجردة . وأعني باستقلال الشخصية ، استقلالها عن المخلوق ، وليس استقلالها عن خالقها لأن هذا مستحيل .
أما إذا توفّر قارىء يمكنه أن يعقل آنياً ، فليس من السهولة بمكان أن يتخلى عن قواعده الحزبية ـ أو حتى المتفلتة ـ رغم تصديقه وَتَشَبُّعِهِ إيماناً بما أسلفنا .
صحيح أن التجرد والتعقل ، مدعاة للمعرفة والإقرار بالحقيقة ، ولكن المعرفة الآنية شيء . واتخاذ القرار الحاسم شيء آخر . فإن المعرفة إذا لم تتوَّج بقرار جريء ، تذهبْ سدى مع أول لقاء حميمي ، مع الأخلاء الذين لا يدينون حقيقة بهذا الدين . تذهب القناعات كلها، مع أول هبّة ريح ، من محازب أو صديق ، أو رفيق ، أو صاحب أو صويحبة . ولا سيمـا إذا كان اللقاء مع مجموعة ، حيث يذهب بهذه القناعات ، بريق ضحكات فارغة ، أو أحاديث خاوية ، تحت تأثير الخلة والحميمية . لذلك قال سبحانه :
{ الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }(سورة الزخرف ، الآية 67).