للعقل تفتح أبواب الملكوت
علماء تحرروا بالعقل، فسجدوا لعزة الله ، فانفتحت لهم أبواب الملكوت:
في سلسلة عالم المعرفة ، التي تصدر في الكـويت . صدر مترجمـاً للعربية ، كتاب “العلم في منظوره جديد ” تاريخ جمادى الآخرة 1409 هـ / شباط 1989 م أوجزوا مباحثه بما يلي :
يدور البحث في الكتاب في شكل موازنة بين مقولات النظرة العلمية القديمة والنظرة العلمية الجديدة ، وقد عرض المؤلفان ـ مؤلفا الكتاب : روبرت م . أغروس وجورج ن . ستانسيو ـ للنظرة التي نشأت في ظلها النظرة العلمية القديمة التي اصطبغت بصبغة مادية كرد فعـل إزاء هيمنة الفلسـفة المدرسية المسيحية على العقـول ، والتي وصلـت إلى حالـة من التحجر العقلي ، والتخبـط الفكـري ، وقـد انتـهت النظرة القديمة إلى الإلحـاد والاستهتار بكل القيم الأخلاقية والروحية ، وفسرت السلوك تفسيراً غريزياً فسيولوجياً .
إزاء هذه النظرة ظهرت ، في مطلع القرن العشرين ، نظرة علميـة منافسة كان من ألمع روادها أينشتاين ، وهايز نبرغ ، وبور ، وغيرهم ، وقـد أجمعت آراء كبار علماء الفيزياء النووية والكوزمولوجيا في هذا القرن على أن المادة ليست أزلية ، وأن الكون في تطوُّر وتمدد مستمرين . فدعوا إلى الإيمان بعقل أزلي الوجود ، يدبر هذا الكون ويرعى شؤونه .
ثم جاء جيل من العلماء المتخصصين في مبحث الأعصاب ، من أمثال شرنغتون ، وأكلس ، وسبري ، فخلصوا ـ بعد بحوث مضنية ـ إلى أن الإنسان مكون من عنصرين جوهريين : جسد فانٍ وروح باقية لا ينالها الفناء ، وأن الإدراك والتفكير ليسا من صنع المادة، بل يؤثران تأثيراً مباشراً في العمليات الفسيولوجية ذاتها .
وفي أعقـاب الحرب العالمية الثانية ، ظهرت حركة جديدة في علم النفس ، اعترف روادها بالعقل ، ورفضوا تفسير السلوك البشري بلغة الدوافع والغرائز الحيوانية ، وآمنوا بدلاً من ذلك بالقيم الأخلاقية والجمالية ، والجوانب الروحية والفكرية والفلسفة .
صحيح أن هذا مهم ومهم جداً بالنسبة لهؤلاء العلماء وبالنسبة إلى أقوامهم . أقصد التوصل إلى أن الإنسان مكون من جسد فانٍ وروح باقية ـ حسب تعبيرهم ـ لا يدركها الفناء ، وصحيح أن هذا يؤنسنا ويريحنا في مجال دعوتنا إياهـم إلى الله وإلى التصـديق بوحدانيته ، وبأنه الخالـق ، وبأنـه المدير والمدبّر لهذا الكون ، آمنوا بذلك كله حين اكتشفوا جزئيات من عالم الجواهر الغيبية ، وبشكل ما زال نسبياً متردداً وخجولاً ، ولكن بعد أن باد من أقوامهم من باد جاحـداً ، وهلك ملحداً ، وهم على بيّنـة من أننا على حق، وعلى بيّنة من علمائهم هؤلاء المهديين من أن النظريات والفلسفات الماديـة على باطل ، وليس غربـهم فقط عانى من هذا الخسـران المبين وإنما قطاعـات كبيرة من شرقنا مبهورة بالفقاقيع وبريق المادة ، هي أيضاً ـ نتيجة لانبهارها ـ وقعت في الخسران المبين :
{ .. وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ .. }( سورة الأنفال ، الآية 42 ) .
فبينما علماء الغرب ، في شغـل شاغـل بحثاً عن النفس ، بحثـاً عـن العقل ، بحثاً عن الروح ، علّهم يتوصـلون عبر ذلك كله لوجـود الخالـق ، باذلين أعمارهم في هذه التحقيقات ومختبراتهـم ، ترانا ولله الحمد ـ عنيت علماء المسلمين ـ في عافية من الشك والتردد ، والإلحاد والشرك ، شغلنا الشاغل العلم العملي الذي يقيم جسراً بين الأرض والسماء ، سبباً بين الدنيـا والآخرة .
علّمنا الله تبارك وتعالى ، عبر قرآنه المجيد ، وآثار أنبيائه وأوليائه . وبقبولـنا ما علمنا إياه وتمسكنا به عن يقين هو يقين الصديقين ، وفّر علينا الله اللغو والخوض والتجريب ، فكلما ضج علماء الغرب في مجال النفس أو التربية أو الفلسفة أو التشريح أو الفلك أو الذرة أو الروح باكتشاف أو أكثر ، ترانا نبتسم هادئين ابتسامة المطمئن إلى ما علّمـه عـلام الغيـوب مقـررين أن أمامهم الكثير ليتوصلـوا إلى ما آتانا الله من فضلـه وأن أمامنـا الكثير ، في جميع درجاتنا ، ليتدرج كل من موقعه العلمي والعرفـاني في معـراج الإيمـان وفهم التوحيد ، وصولاً إلى الإنسان الكامل الذي أراده الله ، وأحب الله وأحبه الله سبحانه له الحمد .
ولفهم العلم الذي أعنيه ، والذي هو شغلنا الشاغل ، والذي هو العلم الأشرف بين سائر العلوم ـ على شرف الكثير منها ـ أعطي نبذة عن هذا العلم الذي هو علم التوحيد وفكرة عن أهله الذين هم أهل العرفان وأولياء الله الصالحين .