لماذا نورانية  ؟

لماذا نورانية  ؟

        لماذا  سميت الأحرف المقطعة في أوائل السور ، الأحرف النورانية ؟

أولاً   : تواترت الأحاديث بتسميتها  كذلك ، حتى وجد المسلمون أنفسهم وفي جميع أقطارهم ومراحل تاريخهم ، يطلقون عليها  هذه التسمية وكأنها تحصيل حاصل . كما أسموا بقية الأحرف التي لم ترد فيها  ظلمانية .

ثانياً  : من البديهي أن يكون اسمها كذلك ، منذ نزولها باللسان العربي  ، ذلك لأن الله عز وجل ، شاء لها شرف ان يُدعَى سبحانه بها ، وأن تُنطَقَ بها أسماؤه الحسنى  ، وأن يُسبّح بها  ويُحمَدَ ويُمجّد ، في أعلى درجات التسبيح والحمد والتمجيد ،  كما تنزه هو ، وكما حمد نفسه هو ،  وكما هو تمجّد ، مما لايستطيع المخلوق أن ينشئه انشاء ، حتى ولا أن يستوعبه ويدرك جميع مضامينه . إذ لا طاقة لمخلوق ، ولا قدرة  له على تمجيد  الخالق وتسبيحه وحمده كما ينبغي لكرم وجهه ، بإنشاء المخلوقين حتى لو كانوا  أنبياء ومرسلين .

ثالثاً   : أن لهذه الأحرف النورانية  من أسرار الفعل والدفع والتأثير ، والحصول  على الإجابة السريعة ، دائماً جلباً للخير  ونفعاً للأخيار ، ودفعاً للشر  وتحصناً من الأشرار ، ما لا يستطيع  علم من علوم  الإنسان التقنية  وأجهزته أن يوفره بنفس السرعة ونفس الأبعاد ونفس الشمول . وإذا ادّعينا أنها في بعض حالات المرض الخطيرة ، هي أسرع وأضمن من غرفة العناية الفائقة ، فسيكون ادعاؤنا مدهشاً عند الصديقين ، ومجلبةً للهزء والسخرية والتندُّر عند المغترين المكذبين . ولذلك  جعلها الله لمن يؤمن  هدايةً وشفاءً ، وفرجاً ومخرجاً ، وللمكابر الظالم  الغاشم صمماً وعمىً وخسارا .

قال تبارك وتعالى :

       { ونُنَزِّلُ مِنَ القُرءَآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلمُؤمِنينَ وَلاَ يَزيدُ الظَـالِمينَ إلاَّ خَسَارا. سورة الاسراء الآية82}.

وقال عز شأنه :

       { يَـاأَيُّهَا النَاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصّـدوُر وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ . سورة يونس الآية 57 } .

وقال جلت عظمته :

       { … قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَآمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِي ءَآذاَنِهمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُوْلـَائِكَ  يُنَادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعيدٍ . سورة فصلت  الآية 44 } .

        أما طاقات  هذه الأحرف  ونورانيتها  المنفعلة والفاعلة ، التي تخترق الحجب في حدود  مجالاتها ، فشبيهة بها ، ولو بنسبة الشمعة للقمر المنير ، أداة ( الريموت كونترول ) المستعملة في جهاز  التلفزة لتوجيه الموجات واللاقط وغير ذلك . فكما أن هذه الأداة تنبعث منها طاقة نورانية لا سلكية ولا مرئية ، ومع ذلك هي تفعل وتُرى فاعليتها . كذلك الأحرف النورانية ، كذلك مواقع النجوم في القرآن الكريم ، تفعل  وترى وتلمس فاعليتها . إلا أن الله سبحانه جعل فاعليتها مشروطة بالإيمان به وبكتابه وباليوم الآخر إيماناً عملياً ، وذلك لأن الفارق بين ما يصنع هو سبحانه وبين ما علّم الإنسان أن يصنع ، فارق عظيم بدون قياس .

        ولأجل أن يفهمنا الله سبحانه أسرار الأحرف النورانية شيئاً فشيئاً ، فقد يسّر للإنسان ما يسّر من علوم الألكترون وأسراره وتقنيته ، فلم يعد صعباً أن نقول ما نقول عن أسرار الحروف القرآنية عامة وعن النورانية فيه  خاصة ، وبالصوت العالي ، بعد ما علّم الله سبحانه ضعفاء خلقه  من الناس أن يصنعوا تلك الالآت الألكترونية  ( المحدودة النورانية  في مقابل صنيع الله )  التي تخاطب  وتتخاطب بالرموز القليلة ، منتجة معلومات ضخمة وقواعد معقدة ، وعمليات حسابية هائلة العدد أرقاماً وقوانين ومستحدثات ملايين المسائل ، تحل دفعة واحدة بضغطة مفتاح ، وحتى بجزء من أكثر من مليار  جزء من الثانية .

        إذا عرفنا هذا ، ينبغي أن نعلم أنه سبحانه إنما علّم ذلك لأهل الغرب عامة في هذا العصر  ، ليفهم  أهل الشرق عامة ، أن ما آتاهم الله من فضله ، من أسرار دينه وكتابه القرآن المجيد ، هو أعظم  بما لا يقاس ، مما آتى اليابان وأمريكا وأوروبا  من علوم . فلتحل عندهم عقدة الضعف ، وليعلموا أن التمسك بحبله المتين وعروته الوثقى وكتابه الحبيب ، هو لهم أعز وأنفع وأبقى في الدارين . وفارق ما بين  ما علَّمَهُمْ إياه الله ، وهم الصديقون الصابرون المجاهدون ، وبين ما علَّم الجاحدين  الظالمين  المعتدين من أهل الغرب ( أهل الشمال )  ، هو كفارق ما بين جنته وناره . هذا  إذا صدق الشرقي الموّحد  مع ربه ، وجاهد في سبيله  سبحانه جِهَادَيْهِ : الأصغر قتالاً شرساً لأعداء الله وأعداء دينه وأعداء البشرية ، والأكبر ، وهو جهاد النفس وتأديبها بتأديب الله ائتماراً بأوامره وانتهاءً بنواهيه ، وإلا فقوله  تبارك وتعالى :

       { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَنْ نُؤْمِنَ بهَـاـَذاَ القُرْءَآنِ وَلاَ بالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَىا إذِ الظَّـَالِمُونَ  مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهمْ  يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ  إلَىا بَعْض ٍ القَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ  لَوْلاَ أنْتُمْ لَكُنَّا مُؤمِنينَ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ  أنَحْنُ صَدَدْنَـاكُمْ  عَنِ الهُدَىا بَعْدَ إذْ جَاءَكُمْ بَلْ  كُنْتُمْ  مُجْرمِينَ . وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ  بَلْ مَكْرُ الَّّيْل ِ وَالنَّهَار إذْ تَأمُرُونَنَآ أن نَكْفُرَ باللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ  أنْدَاداً  وَأسَرُّواْ  النَّدَامَةََ لَمَّا رأوُاْ  العَذَابَ وَجَعَلْنَا الأغْلـَاـلَ فِي أعْنَاق ِ الَّذِينَ كَفَرُواْ  هَلْ  يُجْزَوْنَ  إلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . سورة سبأ الآيات 31 ــ 33 } .

        ويصبح كل ذلك  عند أولي الألباب أوضح وأرسخ في اليقين ، كلما  رَدَّدْنَا  قوله تبارك  وتعالى كمفتاح لهذه الكشوف عندهم في دنياهم  ، وعندنا في ديننا :

       { فَلَمَّا  جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ  بالبيِّنـَاــتِ  فَرحُوا بمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْم  ِ  وَحَاقَ بهمْ  مَّا كَانُواْ بهِ  يَسْتَهْزءُونَ . فَلَمَّا رأوْا بَأسَنَا  قَالُواْ ءَآمَنَّا باللهِ وَحْدَهُ  وَكَفَرْنَا  بمَا  كُنَّا بهِ مُشْركِينَ . فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ  إيمـَاـنُهُمْ لَمَّا رَأوْا بَأسَنَا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ  وَخَسِرَ هُنَالِكَ الكَـَاـفِرُونَ . سورة  غافر الآيات  83 ــ 85  } .

وقوله عز شأنه :

       { فَلَمَّا  نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ  بهِ فَتَحْنَا  عَلَيْهمْ أبْوابَ كُلِّ شَيءٍ  حَتَّىا إذَا فَرحُواْ بمَآ أوُتُواْ أخَذنَـاهُمْ بَغْتَةً فإذَا هُمْ مُبْلِسُوُن َ . سورة الأنعام الآية  44 } .

وقوله عزت عظمته :

       { سَنُريهمْ  ءَآيـاـتِنَا  فِي الآفَاقِ  وفِي أنْفُسِهمْ حَتَّىا يَتَبَيَّنَ لَهُمْ  أنَّهُ الحَقُّ أوَ لَمْ  يَكْفِ برَبِّكَ أنَّهُ عَلَىا كُلّ ِ شَيْءٍ شَهيدٌ . ألاَ إنَّهُمْ  فِي مِرْيَةٍ  مِنْ لِقَآءِ رَبِّهمْ  ألاَ إنَّهُ بكُلّ ِ شَيْءٍ  مُحِيطٌ . سورة فصلت الآيات 53 ــ 54 } .