لماذا يذل الإنسان نفسه بالمعصية ؟
أليس الله تبارك وتعالى هو أعلم بنفس الإنسان ، وبالتالي بمصلحة الإنسان ، فإذا نهاه عن أمر ما ، فهل يكون تحكماً منـه بدون طـائل ؟ حاشـى لله .
وهل إذا أمره سبحانه بفعل ما ، أو برياضة ما ، نفسية أو بدنية ، فهل يكون أمره عزّ وجل بدون علم النتائج ، وهو الله الذي لا إلـه إلاّ هو الحق المبين .
فعلام يتجبر الإنسان ، ويتكبر ، ويجادل بما لا يعلم ، بدون علم ولا هدى ولا كتاب منير . ثم في مجال التجربة العملية :
متى كانت المعاصي مسعدة لفاعلها أو مفيدة له ؟ ألا نراها دائماً وأبداً تنكفىء على صاحبها بالندامة ، والخسارة ، والذلة ؟ أما المتعة التي يحصل عليها الإنسان أثناء سقوطه في المعصية ، أليس فضلاً عن كونها تنقطع بردة فعل موحشة ومنكرة ، تشعره بكونه كان معها تافهاً ورخيصاً ؟
والله عزّ وجل يحب لعبده العزة والكرامـة والشرف ، يرفعه بذلك ويرفعه ، ويجري له الامتحانات ، كلما نجح بواحد منهـا ، تحسنـت قابليتـه وكفاءته ، فيعرّضه سبحانه لامتحان آخر ، أرفعَ وأرقى ، دون أن يحمله فوق طاقته ، فهو تعالى أعلم بطاقته ، فإذا استقام ، وَاكَبَه سبحانَه بلطفه ، وعونه ورحمته ، حتى يوصله إلى درجة يصلح لها وتليق به .
{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا .. }( سورة البقرة ، الآية 124 ) .( صدق الله العظيم )
{ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى }( سورة طَـه ، الآية 75). ( صدق الله العظيم )
هذه الآية الكريمة حتى لا يقولن أحد أنا لست نبيّاً ولست إماماً ، ولست معصوماً ، فقد جعل الله الدرجات العلى لجميع الناس ، كل إنسان يستطيع أن يتوصل إليها بزيادة الايمان وبعمل الصالحات كلها ، التي قد يعبر عنها بالدين الخالص ، أو الدين المخلص لله عز وجل .
الناس مروا بتجربة المعصية قبل هذه الدنيا :
المقصود بالدنيا ، هذه الأرض التي نحن عليها اليوم ، وهي بمعنى السُفلى ، إذ فوقها سبع سماوات وست أرضين ، وبتعبير آخر ، هي ( الأرض الدنيا ) ، وهي وجميع متعلقاتها من الكواكب السيارة حول شمسنا مع أقمار هذه الكواكب ( للمشتري وحده خمسة عشر قمراً) وملايين الشموس في مجـرة درب التبانة ، ومليارات الشموس فـي باقي المجـرات، يعني أن جميـع هـذه الكواكب والأقمـار والمجـرات الهائلـة بشموسها العظيمـة ، هـي تحـت السماء الدنيا ، وكذلك معهـن ما توصـل إليـه العلم مـن معارف وأسرار وكشوف وأجرام ، وما لم يتوصل إليه بعد ، لا يمكن إلا أن يكون تحـت سمائنـا الدنيا هذه. ولا يمكن إلاّ أن يكون من توابع أرضنـا هذه ، أو زينـة لسمائها ورجوماً لشياطينها وبالنجم هم يهتدون .
فحرصاً على فكر التوحيد ، وفيه الحرص عـلى فهـم عـدالة الله سبحانه ، وفوق عدالته رحمته ، كان بديهياً علاج مشكلة واسعة الانتشار ، وتشكل خللاً في صلب العقيدة ، حيث بدلاً من أن نعتقد برحمـة الله الواسعة ترانا نعتقد بظلمه وتحكمه ، سبحانه وتعالى عما يصفون .
وهذه المشكلة التي يرددها أكثر الناس ، تارة ببراءة ، وتارة بجهالة ، تتلخص بهذا التساؤل :
إذا كان أبوانا آدم وحواء ، أكلا من شجرة الخطيئة ، فما ذنبنا نحن حتى نتحمل وزرهما ، ونتيجة خطيئتهما ، حيث أُهْبِطَا من تلك الجنة التي فيها رغد العيش ، ولا يجوع الإنسان فيها ولا يعرى ، ولا يظمأ ولا يضحى . فما ذنبنا نحن وما خطيئتنا ، حتى نعيش في كَدْح وكَبَدٍ ، وحتى تبدو لنا سوءاتنا ، ونجوع ونعرى ، ونظمأ ونضحى ، ونحيا في هذه الأرض بعضنا لبعض عدو ، ومن اتبع منا هدى الله تبارك وتعالى ، فلا يضل ولا يشقى ، ومن أعرض عنه ، فإن له معيشة ضنكاً ، ويحشره يوم القيامة أعمى … في وقت كان من حقنا أن نمرّ بنفس التجربة ، وفي نفس الجنة التي أهبط منها أبوانا .
ومن ذا الذي يدعي بدون بينة ، أننا كنا سنخون عهد الله سبحانه ونعصي أمره ، وننخدع بكلام عدوّ واضح العداء ، هو إبليس المجرم . فضلاً عن أن ربنا الله عزّ وجل ، حذر أبوينا منه تحذيراً شديداً .
على أي حال ، كان من حقنا أن نمرّ بنفس التجربة ، ونحن ندعي ، بل ونجزم ، أننا كنا تلافينا السقوط ، الذي سقط فيه أبوانا . ثم إنّ الله عزّ وجل يقول :
{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }(سورة الإسراء ، الآية 15 . سورة الزمر ، الآية 7).
ويقول سبحانه :
{ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }(سورة المدثر ، الآية 38).
فكيف يحملنـا عز شأنـه وزر غيرنا ؟ وكذلك يرتهننا بما كسب ذلك الغير ؟ ..
هذا بإيجاز ، ما يُتَدَاوَل به عامةً بين الناس ، وهو كما نرى ، تحد للعقل الإسلامي الموّحد .
ولا بد من ملاحظة في السياق ، تلفت إلى أن كثيراً من الحبر أهريق في سبيل الدفاع عن خطيئة أبينا آدم المزعومة ، وملخصه أن أمر الله سبحانه لأبينا آدم كان تنـزيهياً ولم يكن مَوْلَوِيّاً (كأمر السيد لمولاه) ( مما لا يغير شيئاً في أصل المشكلة ) .. إلى كلام آخـر ، موجزه أيضاً أن الله عزّ وجل ، جرّب آدم وزوجه في تلك الجنة ، فوجد بعد التجربة ـ عبرهما ـ أن الإنسان لا يستطيع أن يتربى إلاّ في حجر الطاعة والتعاليم ، وأكثر ما تناسبه هذه الأرض الدنيا .
وبما أن الحقيقة أحق من ذلك كله ، فقد قررنا يإذن الله تبارك وتعالى ، أن نعقد بحثاً ، نجلو فيه ، ما يقيض لنا الله سبحانه من الحقائق .. وبه أستعين ، راجياً وجهه الكريم ولا شيء إلاّ وجهه الكريم .
أما ما قد يحمل عليّ بحثي هذا وبقية أبحاثي . من ردود فعل ، قد يكون أقلها الإطلالة العصبية من سجن التقليد ، والروايات الموضوعة ، والأحاديث الدخيلة ، والإسرائيليات .. أو حتى الرمي بهرطقات الفلاسفة ، أو شطحات الصوفية ، فإني بفضل ربي من ذلك كله بريء . والله حسبي ، هو نعم المولى ونعم النصير .
فإلى توضيح ذلك ، والله المستعان .