مؤشرات لنهاية الحضارة الراهنة أو الجاهلية الثانية :
والمطلع على المعادلات الإلـاـهية في القرآن المجيد ، رابطاً ذلك بما يجري وبشكل متسارع على الأرض وما حولها ، من تغيرات في السماء وفي الأجواء ، متزامنة مع تفكك وخراب ونهاية إحدى الدولتين الأعظم ، ثم غزو العراق للكويت ، ثم إجماع الأمم على تدمير العراق ، مع حصانة وحضانة لدولة إسرائيل ، إلى جمعها مع ألد أعدائها العرب في مدريد ثم في بقية العواصم ، للتفاوض حول سلام عجيب بين ظالم باغ ومظلوم مبغي عليه ، بين معتد آثم ومعتدى عليه ، إلى التلويح بشن حروب على دول مستضعفة ، بتهمة أنها تستطيع أن تكون نووية . في وقت اتخمت فيه أجهزة الإعلام العالمي ، بما لدى إسرائيل من قوى نووية فضلاً عما تملكه الدول الكبرى . هذا إلى آخر ما في العالم من منكرات وتناقضات ، وما لدى حكام العالم من وقاحة ولؤم وغطرسة ، وظلم وتعسف ، بحق الضعفاء والشرفاء والأخلاقيين ، الذين تجنبوا ، جهدهم ، الظلم والإفساد في الأرض ، وكأن لسان حالهم يقول : ربنا أحب إلينا أن نلقاك مظلومين على أن نلقاك ظالمين . قلنا أن المطلع على هذه القوانين الإلـاـهية والمتتبع لما يجري في الأرض ، يوقن أن هذه الحضارة ، إلى سقوط مريع ، تحت سياط غضب الله وسخطه .
{ فَصَبَّ عَلَيْهمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب ٍ . إنَّ رَبَّكَ لَبالْمِرْصَادِ . سورة الفجر الآيات 13 ـ 14 } .
هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، فإنه سبحانه ، وعد المؤمنين باستخلافهم في الأرض ، وفي جملة وعوده ، قوله تعالى :
{ وَعَـدَ اللهُ الَّذينَ ءَامَنُـواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصَّـاـلِحـاـتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْض ِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الّذينَ مِن قَبْلِهمْ وَلَيُمَكِنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذي ارْتَضَىا لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهمْ أمْنَّاً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْركُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِك فَأوْلَـاـئِكَ هُمُ الْفَـاـسِقُونَ . سورة النور الآية 55 } .
ثم ان ما نعيشه ونشهده بالمقابل ، من رجوع المسلمين إلى الله ، وإلى تمسكهم بحبله المتين ، ودينه الحنيف ، دليل قوي على بدء تحقق وعد الله باستخلاف عباده الصالحين . وهذا ما بدت ارهاصاته تبرق وترعد هنا وهناك ، منذ سبعينات هذا القرن العشرين . منفجـرة في ثورة عارمة مباركة في إيران ، ناهضة خلال تحولات وتطورات متسارعة ، وتفجرات خضراء حمراء ، وشيكة كامنة ، في كل بقعة من البقاع الإسلامية المباركة . ذلك كله رغم الحرب المسعورة ، التي يشنها على الإسلام وأهله طواغيت الغرب وعرب أبي سفيان وأبي جهل وأبي لهب .
فالإسلام بإذن الله آت لا محالة ، آت بصفائه وجماله ، فتياً قوياً ، وآتية معه العدالة والحرية ورحمة رب العالمين .
لذلك وفي جملة الإستعداد لإستقبال الدولة العتيدة على مستوى العالم ، وفي جملة المواضيع والمفاهيم ، التي معظمها والحمد لله ، يمارس عملياً في الجمهورية الإسلامية ، إضافة إلى التشريع الإلـاـهي بأصوله وفروعه ، تبقى موضوعات ذات صلة بالشكل والجوهر ، يقيض الله لها هنا وهناك من يقرأ :
{ ن وَالْقَلَم ِ وَمَا يَسْطُرُونَ . سورة القلم الآية 1 } .
ثم يكتب مستنيراً بربه الحبيب ، متوكلاً عليه ، وما التوفيق إلاّ بالله الحليم الكريم .
من هنا كان لزاماً علينا أن نمهد بما قدمنا للموضوع الذي نحن بصدده ، وهو أن الإسلام أبقى على ما كان إيجابياً في الجاهلية الأولى ، وكذلك ينبغي أن يبقى على ما هو إيجابي في الجاهلية الثانية ، لأننا وجملة من العلماء والعقلاء ، نرى أن كثرة من المتحمسين للإسلام ، يضيقون على أنفسهم وعلى المسلمين الآخرين وعلى الناس عامة ، في أمور لا هي من الشريعة الإلـاـهية ، ولا من السنّة المباركة ، وهم ، أي الأتباع المتحمسون البسطاء ، يحسبونها من صلب الدين وجوهره .
وبشكل عام هم يهتمون بالشكل والعرض ، أكثر من الإهتمام بالجوهر ، وحتى غالباً ما يكون إهتمام أكثر الطارئين الجدد والطارئات ، بالشكل دون الجوهر . ومثال على ذلك شدة الحرص على شكل الثياب عند الجنسين ، من حيث توحيد الزي واللون ، ثم الإنشغال بذلك نفسياً وذهنياً ، وغالباً ما يكون ذلك على حساب التوحيد وفهم القرآن وإنفتاح الإسلام ومرونته ، فيما يرضي الله الرحمـاـن الرحيم ، والواسع الكريم . فبينما يكون القصد التشريعي ـ بخصوص اللباس ـ هو في العمق حالة من الحصانة ، فيها التقوى والحشمة والعفة والطهارة ، يصبح الأمر شكلياً تعصبياً ، على مستوى مقيت من الفراغ والسطحية وأخطارهما . في وقت يطلب فيه إظهار جوهر الإسلام وحقيقته الناصعة المشرقة ، التي هي قمة الحق وقمة الخير وقمة الجمال في المجالات الإنسانية .
هذا من بعض الوجوه المنفرة ، ومن وجه آخر ، فإن أمثال هؤلاء المسلمين المحدودين والمتحمسين في آن واحد ، ينظرون بعدوانية ، أو أقله بعين ضيقة ، إلى جميع ما توصلت إليه الحضارة في مجالات التقدم العلمي .
والعجيب الذي لا يكاد يصدّق ، أن بعض الطلبة الدينيين ، فاجأنا يوماً ـ حيث كان يصحبنا في سيارة مع صديقين آخرين ـ أنه لا يصدق حكاية صعود بشر إلى القمر ، وأكثر من ذلك فهو لا يصدق حتى أن الأرض كروية .
لذلك نرى إضافة مواد تعليمية جديدة إلى مناهج الحوزات العلمية ، مثل مبادىء التكنولوجيا الحديثة والرياضيــات ، والفلك ، والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء وغير ذلك من العلـوم ، التي أصبحت ضرورية حتى للإنسان العادي في عصرنا هذا ، وفيما نحن قادمون عليه من تحقيق وعد الله بإذنه وبتوفيق منه تبارك وتعالى . وأن يكون هذا التعليم إلزامياً ، وإلاّ تفاقمت الأمّية فيما بين الدعاة والمدعوين والوعاظ والمتعظين ، وبقي شعار التعصب والتخشب هو الطابع الغالب ، وإلى مثل ذلك يشير سبحانه وتعالى بقوله :
{ أفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً .. سورة فاطر الآية 8 } .
فبهذا التعليم والتعلم الخاص لرجال الدين ، والعام لبقية الناس نستطيع أن نرث أو أن نستفيد إيجابيات هذه الحضارة ، وكذلك نتجنب سلبياتها . كذلك كما استطعنا سابقاً فيما فتح الله علينا من ممالك وأورثنا حضاراتها ، أيام كنا أميين حفاة نتعثر أيام الفتوحات بأواني الذهب والفضة ، فلا نعبأ بها ولا نبالي ، لا نريد إلاّ وجه الله الحبيب ، ونصرة دينه الحنيف ، وأن تكون كلمته في الأرض هي العليا . ذلك لأن رصيدنا كان وسيبقى إنشاء الله إلى قيام الساعة وإلى أبد الآبدين ، وهو أعظم رصيد على الإطلاق ، في تاريخ الخليقة كلها ، ألا وهو كلمة لا إلـه إلاّ الله والله أكبر ، مع ما يستتبعها من تعليم الله لنا ، ونصره وكرمه ، وغفرانه ورضوانه ، له الحمد في الأولى وله الحمد في الآخرة ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير .