مَنْ المهيمن على الكون وعالم أسراره ؟
مَنْ مالك الأرض وما ومن فيها ، من بحار وأنهار ، والحوت الأزرق من خلقه ، لا يموت إلى قيـام الساعة يعني يعمر ملايين السنين ، إلا إذا انتحر أو قتل ، ولا يكون انتحاره أو قتله إلاّ بإذن الله عزّ وجل .
من رفع ” أفرست ” من جوف المحيط ، وملأ مكانه بالأمواه ، وقال له كن أعلى جبل فكان . واسبحي يا أرض حول النور والنار دون ميدان ، فسبحت وسبَّحت طائعة .
مَنْ مالك السماوات السبع ، سماء فوق سماء فوق سماء … ومن يدير السبع الأرضين وملحقاتها ، أرضنا فوق أرض فوق أرض … تحت كل سماء مجموعة ، ويحيط بهذا الكون أكوان وأكوان هي العرش العظيم .
والسماوات والأرض في كرسي العرش كباقة زهر ، والعرش محيط بالكرسي ، إحاطة المملكة المجهولة الحدود بصحراء فيها باقة الزهر . ويكفي أن نعرف عن روعة المملكة، أنه هو سبحانه وتعالى سماها العرش العظيم ، والعرش المجيد ، والعرش الكريم .
ماذا يملك الإنسان من كل هذا ؟
لا شيء أصلاً … ولكن الله عزّ وجل كرّمه :
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }(سورة الإسراء ، الآية 70 ) ..
والله عزّ وجل سخر له ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه وملّكه تفضلاً منه وتكرما ً وبدون مقابل ، فهو تعالى غني عنه وعن عبادته وعن طاعته ، ولكنه سبحانه لرحمتـه به ، يحـب لـه الإيمـان ولا يحـب لـه الكـفر . ملّكه في الأرض ملكـاً مؤقتـاً ، إذا أحسن إدارته كمـا علَّمـه الله جـل شأنه ، سعد فيه ، وكان جسراً لملك دائم باق هو دار السلام والأمن والهناءة الأبدية . أما إذا أساء الإنسان إدارة ملكه في الأرض ، أفسد هذا الجسر إلى النعيم الدائم وهدّمه ، فحرم نفسه مختاراً من النعيم الموعود ، وأوقع نفسه مختاراً في الجحيم الموعود :
{..وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }(سورة آل عمران ، الآية 117).
{ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ }(سورة سبأ ، الآية 32 ).
وإذا كان الأمر كذلك ، فهل نفهم أن الإنسان خلـق في الأصـل ليسعد ؟ وفي الدارين ؟
{ طه . مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى }(سورة طـه ، الآيات ( 1 ـ 2 )) . صَدَقَ الله العظيم
لمن الخطاب هنا ، صحيح أنه في خصوصه لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله على أساس أنه (طه) بوجـه من الوجوه من أسمائه صلى الله عليه وآله . ولكن الخطاب ليس حكراً على رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما هو لكل مؤمن ، إذ إن هذا اللفظ المبارك ، ويعتبر من جملة ما يسمى بالأحرف النورانية ، أو مفاتيح السـور ، كـذلك ( يَسَ ) ومثلهمـا مثـل ( الـم ) و (حـم) و(كهيعص) … ولهذه الأحرف الكثير من وجوه أسرار الظاهر والباطن.
المهم أننا نفهم من ذلك بوضوح ، أن الله عزّ وجل ما أنزل القرآن على الإنسان ليشقى ، وإنما أنزله عليه ليسعد ، وفي هذا القرآن قوله تبارك وتعالى :
{ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(سورة النحل ، الآية 89 ).
وإذا كانت الهدايةُ رأسَ السعادة وبصَرها ، والرحمة ُ قلبَها وحياتهاَ ، والبشرى جناحيها وجوّها الرحب الفسيح ، فعند الله سبحانه ، أكثر من ذلك ، أكثر من الهداية والرحمة والبشرى . عنده الإنهاض من الكبوة ، والإنقاذ من المطبات ، والغطاء الكريم الشافي من الخطأ والزلل ، وعنده السِتْر والعافية ، يعني عنده المغفرة ، أسمعه أيضاً يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وكل عامل بكتابه الكريم ، بقوله سبحانه ما أعظمه وأكرمه وأرحمه :
{ نَبِّيءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(سورة الحجر،الآية 49).