من هم الراسخون في العلم ؟
الراسخون في العلم مرتبة ثانية بعد مرتبة رسول الله وأهل بيته (ص) . فالراسخون هم ورثة الكتاب ، وهم كذلك معصومون، وإنما عصمتهم نسبية كما سنرى في الآية الكريمة ، وهم الذين عناهم الله تبارك وتعالى بقوله :
{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتـاــبَ الَّذينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابقٌ باْلخَيْرَاتِ بإذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبيرُ . جَنَّـاــتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُوءاً وَلِبَاسُهُمْ فِيْهَا حَريرٌ . وَقَالوا الحَمْدُ لِلهِ الذي أذهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إنَّ رَبَّنَا لّغَفُورٌ شَكُورٌ . الّذي أحَلَّناَ دَارَ المُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ولاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ . سورة فاطر الآيات 33 ـ 35 } .
وورثة الكتاب هؤلاء (1) ، أو الراسخون في العلم ، هم الصفوة من علماء المسلمين ، هم الذين يصطفيهم الله سبحانه لكل عصر ولكل جيل ، إلى قيام الساعة . وهؤلاء هم الذين تركوا وسيتركون بصماتهم واضحة جلية في علوم القرآن الكريم بوجه خاص ، وفي بقية العلوم الدينية بوجه عام ، كل منهم في حقل الإختصاص الذي يسّره الله سبحانه إليه ، ولربما كلف بعضهم بأكثر من حقـل علمـي واحـد . ومن هذه الحقول العلمية والإجتهادية : التفسير والتأويل .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
- عن السجاد عليه السلام أنه قال : لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : إن من أحبِّ عباد الله إليه عبداً أعانه الله في نفسه ، فاستشعر الحزن ، وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه . إلى أن قال : قد خلع سرابيل الشهوات وتخلى من الهموم ، إلا هماً واحداً إنفرد به . فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى ، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ، ومغاليق أبواب الردى ، قد أبصر طريقه ، وملك سبيله ، وعرف مناره ، وقطع غماره ، واستمسك من العُرى بأوثقها ، ومن الحبال بأمتنها ، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس .
من كتاب الحقائق في محاسن الأخلاق للفيض الكاشاني قدس سره . ص 10 ـ ط : دار الكتاب العربي .
وإذا كان تفسير القرآن الكريم شائعاً ومتعارفاً عند العلماء أولي الخبرة في أدوات ومفاتيح هذا العلم ، فذلك لأن التفسير يعتمد ظاهر القرآن وظواهر آياته (1) ، مموِّلاً بذلك تاريخ الفقه ودراساته وبحوثه بتوضيح نصوص التشريع مُعَوِّلاً على حجِّية الظاهر فاتحاً أبوابه الوسيعة لإجتهاد المجتهدين واستنباط الأحكام من مصادرها الإلـاـهية .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد في كتاب قرة العيون لمؤلفه العلامة المحدث الشيخ محمد بن مرتضى ص 446 ما يلي :
” فالتأويل يجري مجرى التعبير ، فالمفسر يدور على القشر ، ولما كان الناس إنما يكلمون على قدر عقولهم ومقاماتهم ، فما يخاطب به الكل يجب أن يكون للكل فيه نصيب . فالقشرية من الظاهريين لا يدركون إلا المعاني القشرية . كذلك ينظرون إلى الإنسان ويقفون عند قشره وهو ما في الاهاب أو البشرة من البدن ، فلا ينالون إلا قشر تلك المعاني وهي ما في الجلد والغلاف من السواد والصور .
وأما روحها وسرّها وحقيقتها فلا يدركها إلا أولوا الألباب ، وهم الراسخون في العلم ، وإلى ذلك أشار النبي (ص) في دعائه لبعض أصحابه حيث قال : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل . ولكل منهم حظ قلّ أو كثر ، وذوق نقص أم كمل ، ولهم درجات في الترقي إلى أطوارها وأغوارها ، وأسرارها وأنوارها .