موجز عن تكليف هود عليه السلام :
أما خلاصة الكلام في الآيات الثلاث موضوع بحثنا : { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ . قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ . قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } . [ 21 ـ 23 : الأحقاف ] .
إن النبي الكريم هذا ، قد يكون جاهد مجاهدة الأبطال ، على مستوى الرسل والأنبياء والأولياء الصالحين . ومع ذلك لا نجد أثراً في القرآن يشير إلى تفاصيل تدل على ذلك أو تبرز له فضلاً ، أو تجعل له تعظيماً ، وكذلك سائر الأنبياء . فأكبر ثناءٍ على أحد منهم ، هو شهادة منه سبحانه ، أنه كان من الصالحين والصابرين والصديقين ، أو { .. أوَّاهٌ حَلِيمٌ } . [ 114 : التوبة ] كما نعت الخليل إبراهيم أو {.. لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }. [ 4: القلم ] وهي الصفة التي أفرد بها عبده ورسوله محمّداً (ص) .
فبما أن الله سبحانه لم يذكر عن هود عليه السلام ، تفاصيل عن شخصه وحياته وجهاده ، يستطيع الإنسان معها أن يكتب أو يحاضر في صفاته ، وسلوكه ، فيكون إذن معنى قوله تعالى : { وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ … الآيات } ، ليس أمراً بإبراز شخصه أو تعظيمه وتعظيم مواقفه . فهو حتى لم يأت بآيةٍ تذكر ، مثل كثير من الأنبياء والرسل غيره ، سوى أنه دعا إلى الله ، وإلى عبادة الله وحده ، ونفي الشركاء والآلهة المزعومين ، إضافة إلى إنذارهم بالعذاب ، إذا هم لم يصدِّقوه ولم يطيعوه . وقد أوقع الله فيهم العذاب فعلاً ، عذاب الدنيا قبل الآخرة .
فإذن ، المراد من ذكر عباد الله ، إذا كانوا من المكلفين المقربين عند الله عزَّ وجل ، هو ذكر المبادىء التي أُرسلوا أو كُلِّفوا بها ، وملاحظة أسرار الله فيهم ، وإبراز عناية الله بهم وأفضاله عليهم . وحبُّهم بعد الله حباً بالله ، ومودَّتهم تقرباً إليه سبحانه ، واقتفاء آثارهم ، والتشبُّه بهم في مداومة ذكر الله ، وفي أخلاقهم وإخلاصهم لله ، وعدم إبراز شخصياتهم واستقطاب الناس تأكيداً لوجودهم هم ولأمجادهم ، وإنما لوجود الله وتوحيد الله وتمجيده وحده سبحانه دون جميع خلقه . فما منهم من أحد دعا لنفسه ، أن يعبد أو يعظم أو يحب ، كما يعبد الله أو يعظم الله أو يحب الله . وإنما كان كل همهم وجهادهم وبذل أنفسهم وأعمارهم لله وفي سبيل الله وحده ، ومع كل ذلك يجدون أنفسهم مقصِّرين قاصرين عن أداء حقِّه سبحانه ، وعن حمده وشكره كما ينبغي لكرم وجهه . وما من أحد منهم ذكر عنه الله سبحانه،أو ذكر هو عن نفسه ، أنه مثل الله حيٌّ قيُّومٌ ، أو مثل الله سميعٌ بصيرٌ،
أو مثل الله مجيب الدعاء ، أو مثل الله لا يرام ولا يضام ولا يحاول ولا يطاول ، أو مثل الله على كل شيء قدير ، أو مثل الله مالك الملك ، خالق الخلق ، باسط الرزق، إذا أراد شيئاً يقول له كن فيكون . يرانا ويراقبنا ، ويحيط بنا وبكل شيء فينا ، وبالكون كلِّه ، ويحاسبنا ويثيبنا ويعاقبنا ويجزينا بكل خير خيراً منه . ويربِّينا ليلنا ونهارنا . بل هو الله وحده ، ربنا وسيدنا وولينا الحاضر الناظر ، ما دار الفرقدان وما بزغ النيران وعلى الزمان وبعد الزمان وفي الدنيا والآخرة { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ } . [ 84 : الزخرف ] و { هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } . [ 3 : الحديد ] { وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } . [ 62 : الزمر ] وعلى كل نفس قائم . وحسبنا الله ونعم الوكيل ، له الحمد في الدنيا والآخرة ، له الحمد وله الشكر كما حمد نفسه وكما شكر نفسه وكما ينبغي لكرم وجهه .