نهاية الرحلة … فرح أعظم ، أو وجع أعظم … في الأبدية :
أما حكاية الإيمان الحقيقي والكفر الحقيقي ، فبما أنهما عقلاً ، يستحيل أن يجتمعا في إنسان واحد ، فيبقى أنه لا بدّ لكل نفس من أن تختار ، أما الذي يختار الكفر فمحسوم أمره .
يبقى امتحان القلوب الذكية ، التي نجحت ابتداء باختيار الإيمان ، كيف تكمل مراحـل التعليـم الأشـرف ، والأنقـى ، والذي فيه حـي علـى الفلاح … من أين تبدأ ؟ ومـا هي الوسائـل ؟ وإلى أين تنتهي ؟ فمعاً إن شاء الله في هذه الرحلة المجيدة ، التي سنحاول بعونه تعالى أن تكون قصيـرة وممتعـة .
ـ وهنا لا بدّ أن نستدرك ملمحين إلى أن الإنسان قد يستبطن كفـراً ويظهر إيماناً ، فتلك حالة مرضية ، يتميـز صاحبها بالخسّـة ، ومن أسمائها النفاق ، وهي حالة ثالثة لسنا بصدد بحثها الآن ـ .
فعوداً إلى السؤال عن الإيمان الحقيقي ، من أين يبدأ ؟
كثيراً ما نسمع في مجتمعاتنا الإسلامية ، وكذلك العالميـة ادّعاءات عجيبة من مثل: فلان شيوعي . ولكنه مؤمن بالله ويصلي أو لا يصلي …. المهم أنه مؤمن بالله … وفلان يدين بالقومية ـ أيَّة قومية من قوميات أهل الأرض ـ أو العرقية ، ولكنه مؤمن بالله … وفلان يدين بالعلمـانية ، ولكنـه مؤمن بالله …
وكل أولئك يحسبون إنما الله سبحانه وتعالى خلقهم وقال لهم تصرفوا على أهوائكم وأمزجتكم ، ودينوا بالدين الذي يريحكم ، واسلكـوا السلـوك الذي تشتهون ، واختاروا النظام الذي يروقكم ، وضعوا القوانين التي تتوصل إليها آراؤكم وتجاربكم ، واعتنقوا الفلسفة الأكثر دعاية وتفلسفوا إن شئتم وكيف شئتم ، ويكفيني منكم خلال ذلك كله وفي النتيجة ، أن تقولوا : لا إلـه إلاَّ الله ـ هذا لمن يقولها ناهيك بمن يشرك به سبحانه وتعـالى عمّا يشركون ـ كأنما الله عزّ شأنه بالنسبة إليهم ” ناطور صحراء ” ، أو أنه أخذ على نفسه سبحانه أن يدير الفلك ، ويراقب نظام الكواكب ومساراتها ، وأن يمسك السموات حتى لا تقع على الأرض ، وأن يرسل المطر وينبت الزرع ويداول بين الليل والنهار والفصول الأربعة ، ويضبط عقارب الساعة الكونية ، وعليه إذا قَدَّمَتْ وعَليه إذا أَخَّرَتْ ، وغير ذلك من قضايا الكون في السموات والأرض ، كل ذلك أوجبوه على الله سبحانه ، إلاَّ الإنسان زعموا أن الله تبارك وتعالى تركه واكتفى منه بأن يقول : لا إلـه إلاَّ الله ، ثم سمـح له بعـد ذلك أن يتخذ ماركس نبياً ولينين إماماً وأي رئيس للولايات المتحدة أو أي بلد أوروبي ، رمزاً للحضارة الإنسانية .
ترى أي فطرة إنسانية سوية تقبل بذلك ؟ أليس العقل يحثّنا أن اسألوا وتأمّلوا : لماذا خلقنا الله سبحانه ؟
فإذا كان الجواب أنه خلقنا كما خلق الأبقار والثيران والدببة ، فأين تذهب ميزة العقل وكرامة العقل ؟
وإن كان الجواب ليس كذلك ، وإنما خلقنا لكي ندين بدينه ، ونستمتع بحبّه وكرمه ورحمته .