هل علَّم الله موسى السحر ؟

        كلا ، لم يعلمه سحراً .

        وتلك هي الأسباب التي ألقت السحرة ساجدين لرب العالمين ، نختصرها بما بلي : أولاً ، إن أهل الاختصاص أدرى بسر مهنتهم . والساحر لا ينطلي عليه سحر الساحر . فلو كان الثعبان الذي رأوه سحر ساحر ، لأعلنوا ذلك للملأ ، ولكانوا هم المنتصرين .

        ثانياً ، لو كان عمل موسى سحراً علَّمه إياه الله سبحانه ، لما كان أفلح ، لأن الله تعالى أطلق في قوله : { وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } : كلمة { كَيْدُ } وكلمة { وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } . [ 69 : طه ] .

        ثالثاً : إن العصا والحبال والأدوات التي يستعملها السحرة ، تبقى بعد استعمالها لا تختفي ولا تتغير ولا تتبدل . ومن السحرة في التاريخ من كان يسحر نفسه فيلاً على ظهر حمار . اتجه مرةً داخلاً إلى مسجد قريب ، فغضب أحد المسلمين غضبة لله ، فبقر بطن الحمار بسيفه فقتله . فغاب شكل الحمار ، وإذا بالرجل الساحر قد بقرت بطنه ومات يتشحط بدمه . فما دامت الحقيقة هكذا ، فكان ينبغي أن تبقى عصي السحرة  وحبالهم في الساح بعد أن أمسك عصاه موسى ، إذا كان  عمله سحر ساحر  . إلاَّ أن الحبال والعصي لم يظهر لها أثر ، ولا يمكن أن يقال إنها في بطن العصا ، هذه التي توارثها أنبياء بني إسرائيل ، حتى كان آخر من استعملها واتكأ عليها وهو جالس على عرشه ، هو سليمان بن داود عليهما السلام ، وهي منسأته التي ، حين قضى الله عليه الموت ، أكلتها دابة الأرض  ، كما تأكل المنشار الخشب ، وذلك في قول الله تبارك وتعالى  في آية عن سليمان : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } .[ 14 : سبأ ] فهي إذن عصا عادية ، أبداً ليس مُهِماً جنسها ، أمن لوزٍ هي أم من زعرور أو سنديان أو غير ذلك ، هي عصا من العصي العادية ، وليس السرُّ أبداً في العصا إنما السر في أمر رب العالمين ، الذي أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون  ، ولو كان غصن ورد أو عود ثقاب . فالكلام إذن في عصا جعلها ثعباناً ، بعد أن كان يجعلها في مواقف سابقة { حَيَّةٌ تَسْعَى } . والثعبان أضخم بكثير من الحية . { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } . [ 24 : الحشر ] .