هل وزن الدماغ عند الانسان دليل على سلامة تفكيره

هل وزن الدماغ عند الإنسان دليل على سلامة تفكيره ؟

       

       قبل أن نجيب على السؤال ، لا بدَّ من التنبيه ، إلى أننا عندما نتكلم عن وزن الدماغ والفوارق فيه بين الإنسان والحيوانات ، فإنما نعني دائماً الوزن النسبي ، أي المتناسب مع أوزان الأبدان ( فالفيل مثلاً يزن دماغه ثلاثة أضعاف وزن دماغ الإنسان ، والحوت الكبير يزن دماغه خمسة أضعاف دماغ الإنسان . ( ولكن النسبة  ما بين وزن الكائن ووزن دماغه هي أرقى وأكبر شيء عند الإنسان فقط ، حيث  تعادل النسبة تقريباً 2,73 % بينما هي عند الحيوانات القاضمة 0,2 % )P(1)P.

        وهكذا على صعيد النوع الإنساني ، فقد يكون وزن دماغ إنسان نحيل بالنسبة لجسمه،  هو أرجح وزناً من دماغ إنسان ضخم  أو يعادله أو تنعكس القضية ، فالأمر متعلق بأمور متداخلة بين النشأة الأولى والنشأة الثانية .

        إلاّ أن الأهم في الموضوع ، هو أن رجحان الوزن ، وإن كان دليلاً على السعة ، إلاّ أنه ليس دليلاً على العقل المؤمن الفعال ولا على سلامة التفكير واتباع الحق .

        ولتفصيل ذلك ، فإنه ما من شك أن لفارق الوزن بين دماغ إنسان ودماغ إنسان آخر دلالة أكيدة على الفارق بالطاقة والكفاءة ، والقدرة  على الإنتاج  والفاعلية ، ولكن يتضح لنا من القرآن المجيد ، أنه مع كل رجحان ، تكون هناك زيادة في التكليف وحمل المسؤولية قوله عز وجل :

 

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) ( الطب محراب العلوم )  للدكتور الجلبي .

      

{ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا }P(1)P.

        وقوله تعالى :

       { وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ }P(2)P .

       وقد ضرب الله مثلاً  على سعة وأوزان الأدمغة وأصحابها ، ومقادير ما تنتج ونوعية ما تنتج ، وما ينفع من نتاجها وما يضر ، والمحق  منها والمبطل ، والسقيم منها والصحيح بقوله عزّ شأنه :

{ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ اْلْأَمْثَالَ }P(3) P.

وفي الآية التي تليها ينقلنا تبارك وتعالى من روعة المَثَل البليغ وجمـال رموزه ، إلى ما يترتب على هذا المثل من واقع الحال وخطر المسؤولية ، بسبب ما تحمله هذه الأدمغة من حريات عامة وحرية خاصة ، هي حرية الاختيار ، وبخصوص انقيادها للعقل المهتدي بالله ، أو انقيادها لهوى النفس وأهواء الآخرين وبكيفية تفاعلها مع ما تحمل ، وأيضاً بخصوص ما تترك من آثار .. ونتيجة كل ذلك .. بقوله سبحانه :

       { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }P(4)P.

        ثم هذا النص المدهش ، في كتاب الله الكريـم  ، وفيه حوار  بين

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــ 

(1) سورة البقرة ،  الآية  286  .

(2) سورة التوبة  ،  الآية  105  .

(3) سورة الرعد  ،  الآية  17  . 

(4) سورة الرعد  ،   الآية  18  .

 

التابعين الضالين ويسميهم الله ( المستضعفين ) ، وبين الذين ركبوا رؤوسهم  عناداً وبهيمية من أصحاب الأدمغة الوازنة ، ويسميهم  الله ( المستكبرين ) يقول عز شأنه :

       { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن نُّؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ . وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }P(1)P.